التفتت إيران وميليشياتها العراقية إلى كردستان العراق، بعد قضائها على السنة في العراق خلال سنوات الغزو السياسي والعسكري، حيث شرعت في التحرش بحكومة كردستان العراق، واستهداف منشآتها النفطية، وتعمل على كسر وإخضاع المنطقة المتمتعة بالحكم الذاتي، كل ذلك في ضل تجاهل من الولايات المتحدة الأمريكية.

والعراق حاليا هو ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وخامس أكبر منتج على الصعيد العالمي، حيث يزيد إنتاجه النفطي عن أربعة ملايين برميل يوميا، بينما تنتج كردستان نصف مليون برميل من ذلك الكم.

واستبدل العراق نظام الحكم المركزي بنظام فيدرالي، وذلك في أعقاب الحرب الأمريكية في عام 2003، لكن تسبب الخلاف حول تفسير كلمة واحدة في دستور البلاد في خلق أزمة، حيث نص الدستور على أن السلطة الكردية المحلية، إلى جانب الحكومة الفيدرالية، تتحكم في إنتاج الطاقة في “الحقول الحالية”، وتقول حكومة كردستان إن كلمة “الحالية” تعني الحقول التي كانت تعمل وقت التصديق على الدستور في عام 2005، لكن جميع الحقول المكتشفة منذ ذلك الحين ستكون تحت سيطرتها وحدها.

وصرحت المحكمة العليا الفيدرالية العراقية في شهر فبراير الماضي، والتي غالباً ما يستفيد من قراراتها طهران وحلفاؤها العراقيون، أن جميع حقول الطاقة في كردستان العراق هي حقول “حالية”، بما في ذلك تلك التي تم اكتشافها بعد عام 2005، وأمرت حكومة إقليم كردستان بتسليم إنتاج النفط والاحتياطيات والصادرات والعائدات النفطية، وقد عارض مجلس القضاء في كردستان ذلك القرار، بحجة أن المحكمة الفيدرالية ليس لها الحق في تفسير القوانين المحلية.

لكن طهران وميليشياتها لم تنتظر أي تسوية قانونية، وبدأوا في إطلاق الصواريخ على حقول النفط الكردية ومنازل أباطرة النفط والغاز، وتنوعت الذرائع الإيرانية ما بين الزعم بأن الهجمات استهدفت خلايا استخبارات إسرائيلية نشطة في كردستان العراق، وبين توجيه أصابع اللوم إلى تركيا.

لكن النزاع يتجاوز الخلاف حول تفسير الدستور العراقي، حيث تصدر إيران 64 بالمئة من غازها إلى العراق و33 بالمئة إلى تركيا، ومع ظهور الغاز الكردي الأرخص والأكثر موثوقية، بدأت كل من أنقرة وبغداد في الاعتماد على أربيل لتغطية احتياجاتهما من الغاز، وخاصة لإنتاج الكهرباء، وعندما تصدر إيران تعليمات لميليشياتها العراقية بضرب حقول الطاقة الكردية، فغالباً ما يكون ذلك لأسباب تتعلق بالمنافسة التجارية وليس لفرض دستور عراقي نادرا ما يُطبق.

وفي نفس السياق، استخدمت إيران نفوذها في العراق لمحاولة قتل مشروع كان من شأنه السماح لبغداد بتصدير مليون برميل من حقل نفط في جنوب البصرة إلى ميناء العقبة الأردني، وتعتقد طهران أن لديها سيطرة على مياه الخليج والتي يمر عبرها برميل من كل أربعة براميل نفط عالمية يوميًا، وتُضعف خطوط الأنابيب البرية التي تتجاوز مياه الخليج وتضخ النفط إلى البحر الأحمر من قدرة إيران على تهديد إمدادات الطاقة العالمية.

ولا تهتم طهران كثيرًا بالدستور العراقي أو بمصالح الحكومة الفيدرالية عند قصفها لمنشآت الطاقة في كردستان العراق، فما يريده النظام الإسلامي في إيران هو رؤية حكومة كردية مهزومة، توقف ضخ النفط والغاز وتطرد المعارضين العراقيين وتنهي معارضتها للتعليمات الإيرانية داخل العراق.

وكان الحزب الديمقراطي الكردستاني منذ أوائل التسعينيات، هو أكبر حزب في كردستان العراق وأحد الحلفاء الأكثر موثوقية للولايات المتحدة والغرب والعواصم الإقليمية المعتدلة والذي صمد أمام التنمر الإيراني، ونادرًا ما تتسامح طهران مع الجيران الذين يختلفون معها في الرأي، وعليه فقد أمرت ميليشياتها بمضايقة الأكراد واستهداف أصول الحزب الديمقراطي الكردستاني.

وعلى الرغم من تقديم المساعدة العسكرية منذ 2014 إلى الميليشيا الدستورية الكردية والمعروفة باسم البشمركة، لا تزال القوات الكردية تعاني من العجز، ففي حين أن إيران تزود ميليشياتها بطائرات مسلحة بدون طيار وتقنيات أخرى، فإن مبلغ 260 مليون دولار الذي خصصته الولايات المتحدة لقوات البشمركة في عام 2022 يغطي إلى حد كبير الرواتب والوقود وقطع الغيار، بدلاً من الأسلحة أو المعدات المتطورة.

هذا على الرغم من أن البشمركة كانت أول من سارع للدفاع عن العراق بعد انهيار الجيش الوطني الذي مهد الطريق لسيطرة داعش على الموصل في عام 2014 وغزو مناطق في ضواحي بغداد.

وقالت إدارة بايدن بأنه من منطلق احترام الحكومة العراقية وسيادتها، فيجب عليها توجيه مساعدتها العسكرية للأكراد من خلال الحكومة الفيدرالية العراقية، لكن مثل تلك الترتيبات تشابه تسليم الثعلب مفتاح بيت الدجاج، فبدون مساعدة أمريكية مباشرة، يمكن أن تصبح البيشمركة حليف أمريكي أخر يغرق في الوحل، تمامًا مثل السنة في العراق وسوريا ولبنان.

ويدرك الحزب الديمقراطي الكردستاني أن الميليشيات الإيرانية في العراق تشكل تهديدًا وجوديًا للحكم الذاتي الإقليمي وللحكومة الكردية، وبعد فوزه بثاني أكبر كتلة في البرلمان في شهر أكتوبر، طالب الحزب الديمقراطي الكردستاني مع كتل سياسية أخرى بنزع سلاح الميليشيات الإيرانية، مما أثار غضب طهران ضد الأكراد ومنطقتهم.

سيزور الرئيس الأمريكي جو بايدن إسرائيل والمملكة العربية السعودية في منتصف شهر يوليو المقبل، وقال البيت الأبيض إن “ردع التهديدات الإيرانية” و “ضمان الطاقة العالمية” سيكونان على جدول الأعمال خلال المحادثات مع حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط، وعلى بايدن أن يتذكر أن مواجهة النشاط الإيراني المزعزع للاستقرار يجب أن يشمل دعم حكومة إقليم كردستان العراقية وميليشياتها ورغبتها في توصيل المزيد من مصادر الطاقة لسوق عالمي في أمس الحاجة لها.

 

حسين عبد الحسين هو زميل باحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (أف دي دي) ، وهي مؤسسة أبحاث غير حزبية مقرها واشنطن العاصمة تركز على الأمن القومي والسياسة الخارجية. هاش تاق :hahussain

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: