كانت الحرب في أوكرانيا هي المعركة التي لم يجرؤ أحد على الحديث عنها في أفريقيا ولعدة أشهر، وكان الغرب وروسيا يتنافسان على النفوذ في القارة، ويوزعان الصفقات والدعم الدبلوماسي، لكنهما نادرا ما يشيران إلى الهجمات في سياق الحرب الأوكرانية. والآن بدأ اللعب على المكشوف.
حيث ربط وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف صراحة رحلاته بالحرب في حديثه الأسبوع الماضي بعد جولته المصغرة الثانية في القارة، وقال: “على الرغم من العربدة المعادية لروسيا التي تدبرها واشنطن … لكن نحن نعزز العلاقات مع معظم الدول».
وسافر لافروف مرتين إلى دول في القارة السمراء في أواخر يناير وأوائل فبراير، وزار سبع دول أفريقية، في حين زارت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين ثلاث دول، ولكن لم يكن ذلك سوى أوضح أوجه التعاون، وما كان ذات يوم عرضا سياسيا أصبح تدافعا حقيقيا للحصول على الأصوات والدعم من القارة.
وأصبحت أفريقيا ساحة معركة سياسية لروسيا والغرب منذ بدء غزو أوكرانيا، وهناك وجهان لتلك المعركة: والوجه الأول يجري في القصور الرئاسية في جميع أنحاء القارة، حيث يتم التوصل إلى صفقات ثنائية، ولكنه يحدث أيضا في جو الأمم المتحدة المتقلب، حيث يوجد تنافس محموم للظفر بالأصوات الأفريقية.
وأجرت الأمم المتحدة تصويتا يدين الغزو الروسي في شهر مارس من العام الماضي وذلك بعد وقت قصير من الغزو، والذي اعتبر على أنه اختبار للرأي السياسي العالمي، وجاءت أكبر مجموعة من الممتنعين عن التصويت من القارة الأفريقية. وفي الواقع، امتنعت نصف الدول الأفريقية عن التصويت، وهو الأمر الذي أثار انتباه موسكو ووجدت فيه مساندة وتأييد.
وأجرت روسيا في شهر سبتمبر استفتاءات في أربع مناطق محتلة في شرق أوكرانيا، مما مهد الطريق لضمها بالكامل، وفي التصويت اللاحق في الأمم المتحدة الذي أدان الضم، امتنعت 19 دولة أفريقية عن التصويت، وذلك بزيادة دولتين عن التصويت في شهر مارس.
ولم يمر ذلك النجاح الواضح دون أن يلاحظه الغرب، وعلى الرغم من كل الحديث عن تراجع النفوذ الغربي في القارة الأفريقية، لكن لا يزال للغرب بعض الأوراق القوية التي يمكنه اللعب بها، وبعد أن أعادت واشنطن في الخريف الماضي قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا بعد توقف دام ثماني سنوات، استخدمت أمريكا كلا الورقتين.
فقد أيد جو بايدن علنا تغييرين مؤسسيين لطالما دعت إليهما الدول الأفريقية وهما: مقعد للقارة في مجموعة العشرين وهي الدول التي تملك أغنى الاقتصادات، ومقعدان!! نعم مقعدان دائمان لأفريقيا في مجلس الأمن الدولي.
ورغم أن التغيير الأول كان قيد الإعداد لبعض الوقت وربما يحدث هذا العام، نظرا لوجود زخم نحو تحسين العلاقات مع أفريقيا في أعقاب الحرب فإن التغيير الثاني سيكون مهما ومزلزلا. وفي الوقت الحالي، لا يضم مجلس الأمن سوى خمسة أعضاء دائمين، وجميعهم يتمتعون بحق النقض (فضلا عن الترسانات النووية). ومن شأن إضافة اثنين آخرين من أصحاب حق النقض تغيير توازن المجلس بشكل جذري. (كما أنه سيفتح المجلس لمزيد من التغيير: وسيكون من الصعب القول إن الهند لا ينبغي أن يكون لها مقعد أيضا، على سبيل المثال).
وبغض النظر عن كيفية إدارة مثل تلك التغييرات، فإن مجرد دعم الرئيس الأمريكي لها هو أمر مهم، وفي الشهر الماضي فقط، أيد وزير خارجية فرنسا وألمانيا ذلك الموقف الأمريكي.
وهي أيضا سياسة ذكية للغاية، لأنها تجبر روسيا على اتخاذ موقف توضح فيه ما إذا كانت هي أيضا توافق على التغيير، وقد رفضت موسكو إلى الآن دعم التغيير، وهو أمر يمكن أن يصبح نقطة شائكة في العلاقات الأفريقية الروسية.
بيد أن هذا التدافع قد وضع البلدان الأفريقية الفردية في مواقف صعبة، فهي تسعى إلى تعظيم الفرص السياسية المتاحة، في حين تستعد أيضا لليوم التالي بعد انتهاء الحرب، والذي سيتبدد فيه الاهتمام بها.
ولا يوجد بلد يوضح تلك الحيرة أفضل من جنوب أفريقيا، وفي تصويتي الأمم المتحدة العام الماضي، امتنعت جنوب أفريقيا عن التصويت، وفي الجولة الأخيرة من الزيارات، كانت الدولة الوحيدة التي زارها كل من لافروف ويلين – في غضون يوم واحد من بعضهما البعض.
وتمثلت المعضلة بالنسبة لجنوب أفريقيا في التالي: هل يدعمون التغييرات العامة والمؤسسية التي يقدمها الغرب مقابل النأي بأنفسهم عن روسيا، أم أنهم يأخذون الفوائد الثنائية الملموسة التي تقدمها موسكو الآن؟
ويبدو أن جنوب أفريقيا قد اتخذت موقفها، حيث وافقت على استضافة مناورات بحرية مشتركة مع روسيا والصين، بدءا من هذا الأسبوع وتمتد إلى الذكرى السنوية لبدء الغزو. ومع ذلك، سيكون من الخطأ اعتبار ذلك كموقف نهائي، وربما تكون جنوب أفريقيا، مثلها في ذلك كمثل بلدان أخرى، تتحوط ببساطة في رهاناتها، غير راغبة في الالتزام بسهولة إلى أي طرف من طرفي الحرب.
إن الاندفاع والتهافت نحو أفريقيا حقيقي وفعلي، وقد لا تكون هذه هي رسالة “الكل في أفريقيا” التي قدمها بايدن للقادة الأفارقة في شهر ديسمبر، ولكن ليس هناك شك في أن القارة تعرض عليها مزايا سياسية حقيقية وملموسة مقابل الدعم السياسي في حرب أوكرانيا.
ومن المفارقات أن مجرد وجود هذا الشد والجذب يثبت الحجة المركزية التي كانت موسكو تحاجج بها وهي: أنها ليست وحدها في مواجهة الغرب. وعلى الرغم من الإيحاء بأن العديد من الدول الأفريقية تدعم روسيا بدافع العداء للدول الغربية، فإن الأمر الأكثر ترجيحا هو أن الدول الأفريقية، بعد أن تم تجاهلها لفترة أطول مما ينبغي، تستجيب بشكل إيجابي للقوى الخارجية التي بدأت أخيرا في تقدير قيمتها.
يقوم فيصل اليافعي حاليا بتأليف كتاب عن الشرق الأوسط وهو معلق دائم الظهور على شبكات الأخبار التلفزيونية الدولية، وقد عمل في قنوات إخبارية مثل الجارديان وبي بي سي، وقدم تقارير عن الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وآسيا وأفريقيا.
تويتر: @FaisalAlYafai