يحتوي جسم الإنسان العادي على حوالي 7 أوكتليون إلكترون أي (ما يعادل 27 صفراً) والتي يصل وزنها الإجمالي إلى ما يقرب من 19 جرام.  ويفترض أن تلك الجزيئات الصغيرة قادره على عبور الحدود بسهولة أكثر من الشخص العادي الحامل لجواز سفر، ولكن بخلاف أوروبا فالتجارة الدولية في الكهرباء ضئيلة للغاية.

وفي ظل انعدام أمن الطاقة والتهديدات المناخية، تزيد الحاجة إلى تدفق التيارات العابرة للحدود – الإلكترونات – بسهولة أكبر مما هي عليه اليوم. وهنا نطرح سؤالاً، هل يمكن أن تساعد المشاريع العملاقة في الشرق الأوسط على تحقيق ذلك الهدف؟

وكانت الإجابة ستكون “لا” النافية قبل عدة سنوات فقط، حيث يُنقل النفط والغاز والفحم بسهولة في جميع أنحاء العالم على متن السفن والقطارات والشاحنات وخطوط الأنابيب بينما تحتاج الكهرباء إلى كابلات للنقل والتي أدى نسب الفقد العالية للتيار في خطوط النقل إلى الحد من استخدامها لمسافات طويلة.

وبالمقابل يُفقد تيار بنسب أقل عند الجهود العالية، حيث يفقد الخط بقدرة 1000 كيلوفولت أقل من ربع الطاقة مقارنة بنظام ال 400-500 كيلوفولت الاعتيادي والذي يمثل العمود الفقري للشبكات الوطنية.

وإذ يتطلب التيار المستمر التحويل عند نقطة التسليم ليكون قابلاً للاستخدام إلا أن له مزايا أخرى: منها نسبة فقد للتيار المتردد أقل تصل إلى النصف وتقليل عدد الكابلات المطلوبة والقدرة على توصيل الأنظمة العاملة على ترددات مختلفة في حين تجنب انتشار الخطأ من شبكة إلى أخرى – وهي ميزة مهمة للروابط الدولية.

غير أن تطوير خطوط الجهد المفرط جداً باستخدام التيار المباشر بدلاً من التيار المتردد الأكثر استخداماً قد ثبت أنه يمثل تحديًا.

وعلى الرغم من ذلك، ومنذ عام 2009 كانت الصين في طليعة الدول الضالعة بتطوير خطوط الجهد المفرط جداً وطويلة المدى لنقل الكهرباء من المناطق الداخلية الغنية بطاقة الشمس والرياح والفحم إلى المدن الساحلية. وقد أدى هذا بالإضافة إلى المكاسب الأخرى إلى قابلية تحقيق المشاريع التي لم يكن من الممكن تصورها في السابق.

وقد تم الانتهاء من إنشاء أطول كابل بحري موجود في العالم، وهو خط بحر الشمال بطول 720 كيلومترًا، والذي يصل أنظمة الكهرباء في النرويج مع المملكة المتحدة في يونيو 2021.

وفي حين تحولت مشاريع أخرى من مجرد كونها أفكار جريئة إلى أن تصبح الدعامة الأساسية لتخطيط الطاقة الإقليمي. في حين ما زالت أوروبا تكافح لتحقيق التوازن بين خططها الطموحة للوصول لنسب كربون صفرية مع القدرة على تحمل تكاليف الطاقة وتوافرها في وقت يُنظر فيه إلى شبكات الكهرباء على المستوى القاري على أنها وسيلة لموازنة التقلبات المحلية والتغيرات اليومية والموسمية في طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

وأبرز مشاريع الطاقة هذه هو مشروع إكس لينكس (Xlinks)، والذي تبلغ تكلفته 16 مليار جنيه إسترليني (17.3 مليار دولار)، وهو عبارة عن خطة لإنتاج 10.5 جيجاوات من الطاقة المتجددة في المغرب ونقلها من خلال خط نقل تيار مباشر عالي الجهد تحت البحر بطول 3800 كيلومتر إلى المملكة المتحدة.

وتُهدف الخطة إلى الاستفادة من التواجد الدائم لأشعة الشمس والرياح في المغرب وتوافر الأراضي المفتوحة، مما يمنحها تكاليف توليد طاقة متجددة أقل بكثير مما هي عليه في بريطانيا. ويُساعد تواجدها بخط العرض الجنوبي أيضًا في إمداد المملكة المتحدة بالكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية في فصل الشتاء. ونظرياً يمكن أن تصل إمدادات خط إكس لينكس إلى ما يقرب من 7.5 في المائة من إجمالي احتياجات الكهرباء في المملكة المتحدة.

ونذكر أيضاً بعض خطوط الربط الأخرى العابرة للقارات الطموحة قيد الإنشاء، ومنها خط آيس لينك (IceLink)، والذي سيربط أيسلندا الغنية بالطاقة الحرارية الأرضية والطاقة الهيدروليكية ببريطانيا بكابلات تصل إلى 1200 كيلومتر وقدرة 20 جيجاوات، ومنها أيضاً خط أستراليا -آسيا باور لينك الواصل من داروين إلى سنغافورة بطول 4200 كيلومتر. وفي حين كونها باهظة الثمن وواسعة النطاق، إلا أن جميع هذه المشاريع يدعمها مستثمرون جادون (حتى لو بدا الآن أن مشروع أستراليا -آسيا قد نُحي جانباً لصالح خطط صادرات الهيدروجين).

ومن المشاريع المقترحة الأخرى – مشاريع الربط القاري يورو آسيا ويور أفريكا – وفي حين أنهما متواضعان بالمقارنة مع المشاريع السابقة إلا أنهما عمليان أكبر على المدى القصير. وباعتبارهما جزء من رؤية “طريق سريع للطاقة”، ستربط هذه المشاريع بين إسرائيل ومصر وقبرص وكريت والبر الرئيسي لليونان مع موعد بدء متوقع في عام 2025.

وبدأت الكابلات البحرية في الحلول كبديل لأنابيب الغاز تحت سطح البحر بالتزامن مع ازدهار إنتاج الغاز والطاقة المتجددة في شرق البحر الأبيض المتوسط بعد أن كانت تكافح من أجل اكتساب زخم سياسي واقتصادي. وذلك بالإضافة إلى تمتع الكابلات بعمر افتراضي أطول بينما توجب خطط إزالة الكربون في أوروبا تحويل خطوط أنابيب الغاز لنقل الهيدروجين لمواصلة العمل حتى أربعينيات القرن العشرين.

وقد أُحرزت مكاسب متواضعة في منطقة الشرق الأوسط في سياق التحول إلى سوق كهرباء إقليمي. حيث تعمل شبكة الربط لدول مجلس التعاون الخليجي، والتي تربط شبكات الدول الست معًا منذ عام 2009، على نطاق محدود والتي لا تعمل حتى الآن على أساس تجاري. وتتمثل إحدى المشكلات التي تواجه المشروع في أن شبكة المملكة العربية السعودية تعمل على تردد 60 هرتز على عكس جيرانها الذين يعملون على تردد 50 هرتز مما يتطلب محطات تحويل.

كما تم تعليق خطط الانضمام إلى خطوط دول مجلس التعاون الخليجي مع العراق بسبب المناقشات التجارية وحالة الانسداد السياسي في بغداد.

في حين إحراز تقدم أفضل في مشاريع خطوط الربط بين السعودية ومصر والسعودية والأردن وهي مشاريع نوقشت منذ فترة طويلة ويبدو أنها قيد التنفيذ الآن. فمع اكتمال هذه الخطوط وغيرها، يمكن أن تتدفق الكهرباء يومًا ما من مسقط على طول الطريق إلى أثينا.

وعلى الرغم من ذلك يجب ألا نزيد من حماسنا لمثل تلك المبادرات. حيث تنحصر تجارة الكهرباء بالسوق الموحدة للاتحاد الأوروبي وليس لها تواجد على نطاق دولي واسع خارجه ويرجع ذلك أساسًا إلى الحواجز التجارية والمخاوف بشأن أمن الإمداد. ففي حين أن الاضطرابات في إمدادات الغاز والنفط التي يمكن تخزينها لأشهر تسبب وضعاً سيئاً للكثير من البلدان، لكن سيكون الانقطاع المفاجئ للكهرباء كارثيًا.

وستعبر بعض خطوط النقل المقترحة أيضًا الأراضي البحرية المتنازع عليها، كما هو الحال في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث يوجد خلاف حدودي بين كلاً من إسرائيل ولبنان وقبرص واليونان وتركيا. أضف لذلك تعثر مبادرة ديزيرتيك الصناعية لعام 2009، والتي تم وضعها لجلب الطاقة المتجددة من شمال إفريقيا إلى جنوب أوروبا، بسبب مواجهة المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر احتياجات عاجلة للطاقة خاصة بها ناهيك عن المشاكل السياسية الداخلية ومشاحنات السياسة الخارجية.

ولا ينبغي بأي حال من الأحوال المبالغة في تقدير الجدوى الاقتصادية لخطوط النقل الكهربائية. فعلى سبيل المثال، لن توفر خطوط يورو أفريكا ويورو آسيا سوى 10% فقط من ذروة الطلب في اليونان، والتي بدورها هي أحد أصغر الاقتصادات في الاتحاد الأوروبي، وفي حين أن مبيعات الكهرباء قد تُكسب المشاريع حوالي 1 مليار دولار سنويًا، إلا أنها ليست سوى نقطة في بحر بالمقارنة بصادرات النفط السعودية التي تجلب هذا المبلغ يوميًا وفق الأسعار الحالية.

وعلى الرغم من تصدر المشاريع العملاقة لعناوين الأخبار والتي قد يستحق بعضها المتابعة على المدى الطويل إلا أن العمل المُلح المتعلق بإنشاء خطوط النقل المحلية وبناء الأسواق والعلاقات التجارية هو ما ينبغي إنجازه الآن، ومن أجل أن يصل العالم لأهدافه المتعلقة بالطاقة الخضراء فيجب على كل من الشرق الأوسط وأوروبا أن يسهلا على الإلكترونات التدفق عبر الحدود.

 

 

روبن إم. ميلز هو الرئيس التنفيذي لشركة قمر للطاقة ومؤلف كتاب “أسطورة أزمة النفط”.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: