تحدث الرئيس التركي عن اللقاحات في تجمع تاريخي للقادة الأفارقة في إسطنبول خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، حيث نعت التباين في توفير اللقاحات بين الدول الغربية والدول الأفريقية بـ “الظلم العالمي”.

وقال في معرض حديثه: “إنه لأمر مخز … فلم يتم تطعيم سوى 6 في المئة فقط من سكان أفريقيا “. وقال إن تركيا ستشارك 15 مليون جرعة من اللقاحات مع الدول الأفريقية.

إن التباين العالمي في الوصول إلى اللقاحات هو في الواقع ظلم يجعل من عالمنا مكاناً أقل أمناً، كما هو واضح من ظهور المتغيرات الجديدة، وحالف الرئيس التركي الصواب في كلمته تلك، وكان أيضًا، كما هو الحال، يضيف بعض النقاط السياسية إلى رصيده، لأنه لم يدعو 16 رئيس دولة إفريقية إلى إسطنبول لمجرد تعزيز العلاقات الاقتصادية، بل دعاهم ليثبت، من خلال العروض العسكرية والطبية، أن أفريقيا ليس لها صديق أهم من تركيا في شمال البحر الأبيض المتوسط.

وقد كان اهتمام أردوغان بالقارة الإفريقية واضح منذ فترة زمنية طويلة، كما تجلى منذ أخذه بزمام السلطة، فعندما أصبح رئيسًا للوزراء لأول مرة في عام 2003، كان لتركيا 12 سفارة في جميع أنحاء القارة، معظمها في الدول العربية، واليوم عدد السفارات التركية في قارة أفريقيا هو 43 سفارة، وارتفع مستوى التبادل التجاري أيضًا، من أقل من 6 مليارات دولار عندما كان أردوغان رئيسًا للوزراء، إلى 26 مليار دولار اليوم.

وفي السنوات القليلة الأولى من الاهتمام التركي بقارة أفريقيا، كان تركيز تركيا على البلدان الأفريقية المسلمة التي تجاهلتها بقية دول العالم، مثل السودان والصومال، وعندما زار أردوغان مقديشو في عام 2011، كان هو أول رئيس دولة غير أفريقي يزور ذلك البلد منذ 20 عامًا، ولكن، بمرور الوقت، مارست تركيا التبادل التجاري على نطاق أوسع في جميع أنحاء إفريقيا، لدرجة أن تركيا أصبحت هي الدولة التي يمكن للقادة الأفارقة اللجوء إليها لحل مشاكلهم.

وفي السنوات الأخيرة، تمثل التعاون الأفريقي التركي في شراء طائرات بدون طيار مسلحة، وقال أردوغان في زيارته الأخيرة للقارة: “في كل مكان أذهب إليه في إفريقيا، يسأل الجميع عن [الطائرات بدون طيار التركية]”.

ومنذ القمة التركية الأفريقية الأخيرة في عام 2014، تحسنت سمعة الطائرات بدون طيار التركية بشكل كبير وأظهرت تركيا أن طائراتها المسلحة بدون طيار من طراز “بيرقدار تي بي 2 ” يمكن أن تُحدث فرقًا حاسمًا في ساحات المعارك، حيث تم استخدام الطائرات بدون طيار لمنع اجتياح العاصمة الليبية بهجوم من خليفة حفتر، ومكنت تلك الطائرات أذربيجان من تحقيق نصر مفاجئ على أرمينيا في حرب ناغورني كاراباخ عام 2020.

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز، في هذا الأسبوع، أن الحكومة الإثيوبية تمكنت من قلب موازين الحرب التي كانت على وشك خسرانها في وقت ما، بسبب الطائرات بدون طيار التي قدمتها تركيا ودول أخرى.

ولم تؤكد أنقرة أنها باعت طائرات بدون طيار لإثيوبيا، لكن في الشهر الماضي، وقع رئيس الوزراء الإثيوبي، الذي يخوض حربًا مريرة ضد منطقة تيغراي في البلاد، اتفاقية تعاون عسكري، وظهرت بعد ذلك طائرات بدون طيار التركية “بيرقدار” في الصراع بعد فترة وجيزة.

وليس من المستغرب أن الدول الأفريقية مهتمة بشراء تلك الطائرات، والذي يتراوح سعرها من مليون إلى مليوني دولار لكل طائرة، فهي ليست أرخص بعشر مرات من الطائرات الرائدة الأمريكية “ريبر” فحسب، بل يسهل الحصول عليها أيضًا، حيث يقتصر بيع واشنطن لتكنولوجيا الطائرات بدون طيار على الحلفاء فقط.

وفي إطار المصطلحات العسكرية، تسمى التكنولوجيا التي تسمح للجيوش بزيادة قدرتها القتالية بـ “مضاعف القوة”، وبالنسبة لتركيا، كانت الطائرات بدون طيار عامل مضاعف لقوتها السياسية، مما أتاح لها الوصول إلى العديد من الحكومات، ولم تؤكد تركيا أسماء جميع الدول التي اشترت طائراتها بدون طيار، لكن تلك التي ذكرت أنها اشترت أو أعربت عن اهتمامها بشراء طائراتها تشمل أوكرانيا وبولندا وألبانيا، وكذلك المغرب وتونس ورواندا، وقد تسلمت قيرغيزستان الأسبوع الماضي أول شحنة لها.

وتكمن أهمية دبلوماسية الطائرات بدون طيار لتركيا في الفرص التي توفرها، إن مجرد إقامة علاقات مع البلدان الأفريقية قد منحت تركيا نفوذًا في أجزاء أخرى من العالم أيضًا.

خذ على سبيل المثال التقارب التركي الأثيوبي، حيث تعد تركيا ثالث أكبر مستثمر أجنبي في البلاد، وفي الواقع، ما يقرب من ثلث استثمارات تركيا في جميع أنحاء القارة تذهب إلى إثيوبيا.

وهذا التقارب التركي مع أديس أبابا يمنح أنقرة نفوذاً على مصر، وهي الواقعة على بعد عدة آلاف من الكيلومترات، ومع دخول مصر في نزاع مع إثيوبيا حول مياه النيل، فمن مصلحة القاهرة ألا تنحاز أنقرة بشكل كبير إلى إثيوبيا، وينطبق الشيء نفسه على ليبيا، حيث تؤثر العلاقة الجيدة مع طرابلس على علاقة تركيا بفرنسا وإيطاليا، وكلاهما لهما مصالح اقتصادية في ليبيا.

وبهذه الطريقة، فإن تمدد النفوذ التركي عبر القارة الأفريقية يمنحها أيضًا ثقل في شمال إفريقيا وأوروبا، وتركيا التي لا تزال دولة ذات دخل متوسط ​​وعالي، على الرغم من أنها تمتلك ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، إلا أنه يمكنها توسيع نفوذها من خلال علاقاتها.

ولكن لتركيا ميزة رئيسية أخرى، وهي ما يفسر زيارة العديد من القادة الأفارقة لإسطنبول، وتلك الميزة هي سوابقها التاريخية في القارة، أو بالأحرى قلة سوابقها التاريخية في القارة.

وفي خطابه الافتتاحي الأسبوع الماضي، عاد أردوغان إلى موضوع ناقشه من قبل، وهو أن على أفريقيا الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وقال للمندوبين، إنه لمن الظلم الشديد أن “تقرر خمس دول في الأمم المتحدة مصير العالم بأسره”.

وهذا هو الجزء من التواصل التركي الأفريقي الذي يصعب على الدول الغربية فهمه، فالعديد من مظالم الدول الأفريقية تجاه الغرب غامضة بالنسبة للدبلوماسيين الغربيين، أو تبدو وكأنها من مخلفات الماضي، وقد حرص أردوغان على التركيز على تلك المظالم، وشجب الاستعمار عندما تحدث إلى البرلمان الأنغولي في شهر أكتوبر، وسلط الضوء على جرائم فرنسا الاستعمارية في القارة.

ولا يزال هذا الموقف هو مفتاح النجاح التركي في القارة السمراء، ومثل الصين، كان القادة الأتراك قادرين على شق طريقهم إلى إفريقيا ليس فقط بسبب هدايا التكنولوجيا والتجارة التي يأتون بها، بل بسبب كونهم ليسوا من ضمن الدول الغربية ذات التاريخ الاستعماري.

 

يعمل فيصل اليافعي حاليًا على تأليف كتاب عن الشرق الأوسط وهو معلق منتظم الظهور على شبكات الأخبار التلفزيونية الدولية، وعمل لمنافذ إخبارية مثل ” الجارديان” و “بي بي سي” ، ونشر تقارير عن الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وآسيا وأفريقيا.

 

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: