دخلت إسرائيل وفلسطين في موجة جديدة من العنف تعُد الأسوأ على مدار سنوات طويلة، هذا الصراع الذي بدأ باحتجاجات اندلعت في ضواحي أحد أحياء القدس ثم انتشر ليشمل الدولة بأكملها، وقامت إسرائيل بتنفيذ غارات جوية ضد قطاع غزة كما انطلقت صواريخ من القطاع تستهدف الأراضي الإسرائيلية، ويعود مبعث جميع تلك التطورات إلى التطبيق الغير عادل للقوانين بين اليهود والفلسطينيين والتدخلات الأجنبية في المحاكم الإسرائيلية.

وقد اندلعت شرارة أحداث العنف الحالية بسبب معركة قضائية حول حقوق الملكية في حي تسكنه الطبقة المتوسطة يُسمّى الشيخ جرّاح، ويقع هذا الحي في القدس الشرقية، حيث تم نزع ملكية السكان الفلسطينيين لتلك المنازل تمهيدًا لطردهم منها وإحلال مستوطنين يهود محلهم، وهذا الأمر يعُد ضمن الأسلوب الذي يتم استخدامه في البلدة القديمة (قلب مدينة القدس)؛ حيث يسعى المستوطنين إلى زيادة حضورهم عبر إخلاء السكان العرب وبناء مساكن جديدة للمستوطنين.

وتعُد مشروعية بناء منازل للمستوطنين وإخلاء السكان العرب أمرًا مُتنازع عليه، ووفقًا للقانون الدولي فإن إسرائيل باعتبارها القوة التي تحتل القدس الشرقية غير مسموح لها بتعديل الوضع السكاني للمقيمين العرب، كما أنه غير مسموح لإسرائيل بتوطين مواطنيها في أراضِ محتلة، لكن المحاكم الإسرائيلية وبدعم من الشرطة والجيش طالما عملت على تجاهُل القانون الدولي ومن ثم المضي قدمًا في طرد السكان العرب.

والمبعث الرئيسي لهذا النزاع يعود إلى المنظومة القضائية الظالمة التي تسمح لليهود الإسرائيليين باستعادة الأملاك التي كانت في حوزتهم قبل العام 1948، لكن يُمنع هذا الحق على الفلسطينيين العرب.

والقانون الإسرائيلي يسمح لليهود بالمطالبة بالأملاك التي تقع في المناطق الفلسطينية؛ وذلك إذا ما نجح الشخص اليهودي في تقديم الدليل الذي يفيد ملكيته لتلك الأرض قبل العام 1948 (العام الذي تأسست فيه دولة إسرائيل)، وفي بعض الحالات كان هذا الدليل يتمثّل في وثائق تعود للقرن التاسع عشر.

وبناء على هذا القانون؛ يُسمح للمنظمات حتى التي لا تتواجد في إسرائيل برفع قضايا أمام المحاكم تُطالب بطرد الفلسطينيين وأن يحل المستوطنين اليهود محلهم، وفي حالة الشيخ جرّاح فإن الشركة التي تصدّت لهذا الأمر مسجلة في الولايات المتحدة باسم “نحلات شمعون الدولية”، حيث تمتلك الشركة خبرة عريضة تمتد لسنوات طويلة في مثل هذا النوع من القضايا.

وعلى أي حال فإن القانون الإسرائيلي لا يعطي ذات الحقوق للفلسطينيين، وهذا يعني أن أحفاد الشخص اليهودي الذي يمتلك شيئًا في القدس الشرقية منذ القرن التاسع عشر يمكنهم في القرن الحادي والعشرين استعادة تلك الملكية، لكن الفلسطينيين الذين عاشوا في بيوتهم في القدس الغربية إلى ما قبل العام 1948 غير مسموح لهم باستعادة تلك الأملاك.

وتطبيق هذا القانون يمتد إلى خارج القدس، وهناك مئات الآلاف من الفلسطينيين وأحفادهم الذين يمتلكون منازل أو مزارع أو أراضِ في أماكن مثل حيفا ويافا؛ هؤلاء ممنوع عليهم المطالبة باستعادة تلك الأملاك، وكما أشار نشطاء السلام مرارًا؛ فإنه لو باتت هناك مساواة في تطبيق القانون بين العرب واليهود سيؤدي ذلك إلى إعادة رسم خريطة إسرائيل.

والأمر لا يتعلق فقط بعدم المساواة في تطبيق القانون؛ بل يتعلق بالتنفيذ الإجباري الذي يحمل صبغة سياسية لهذا القانون، والقانون الدولي لا يعطي المحاكم الإسرائيلية السُلطة على المقيمين في القدس الشرقية، لكن المستوطنين يحظون بدعم الشرطة والجيش.

والمستوطنين لن يستطيعوا الاستيلاء على تلك الأملاك دون دفاع الجيش والشرطة عنهم، ومن خلال مقاطع فيديو من القدس ظهرت على مدار الأسبوع الماضي؛ ظهرت الشرطة الإسرائيلية وهي تقوم بطرد الفلسطينيين من بيوتهم، كما أن الشرطة الإسرائيلية هي من قام بحماية المستوطنين الذين كانوا يصرخون ويوجهون السباب للفلسطينيين الصائمين الذين جلسوا لتناول طعام الإفطار.

وخلال مقطع فيديو تداولته مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة على مدار الأسبوع الماضي؛ ظهر مستوطن غير مهندم الملابس وهو يحاول الاستيلاء على منزل إحدى الأسر الفلسطينية، وقد قال الرجل الذي كان يتحدث بهدوء شديد :”لو لم أسرق هذا المنزل سيقوم شخص غيري بسرقته“، (أما مقطع الفيديو الذي تبيّن أن تاريخه يعود لعشرة أعوام مضت؛ فقد سلّط الضوء على التاريخ الطويل لسلب ممتلكات الفلسطينيين)، ولن يستطيع المستوطنين التحرك ولديهم تلك الحصانة إلا في وجود الشرطة.

والألاعيب القانونية للمستوطنين والتي تمولها منظمات أمريكية تعُد مجهولة لغالبية الشعب الإسرائيلي؛ خاصة هؤلاء الذين يعيشون خارج البلاد، وذلك على الرغم من مواجهة الفلسطينيين للعنف الذي تمارسه دولة إسرائيل ضدهم.

وجزء من السبب يعود إلى حالة التصوير النمطي للأحداث التي تتبعها وسائل الإعلام، حيث تقوم بالتركيز على العنف دون التطرُق لمسألة طرد الفلسطينيين من بيوتهم التي تعُد الباعث وراء أعمال العنف، ويعود جزء من السبب أيضًا إلى الرقابة المفروضة على المحتوى الذي يتعلق بالمواجهات؛ حتى تلك المواجهات الحالية، وقد لاحظ جميع مستخدمي تويتر وفيسبوك وإنستجرام أن جميع المنشورات الخاصة بطرد الفلسطينيين قد تم حذفها، كما تم تعليق حسابات المستخدمين الذين يتحدثون عن تلك القضية، وقد اعتذرت منصة إنستجرام لاحقًا عبر نشر عبارات عامة، لكن إلى حد ما فإن الضرر قد تحقق: وقد باتت مقاطع الفيديو والتقارير في الوقت الراهن أحد أهم الوسائل القوية التي تساعدنا على فهم ما يحدث على مستوى العالم.

لكن هناك سبب آخر وهو أن أنشطة المستوطنين باتت طبيعية في سياق السياسة الإسرائيلية، وباتت تلك الأنشطة سببًا لخلافات بسيطة للغاية.

ولا زالت السياسة الإسرائيلية تواجه طريقًا مسدودًا منذ الانتخابات التي جرت في مارس الماضي، والتي حصل فيها حزب بنيامين نتنياهو على أكثر المقاعد لكنه فشل في الحصول على الأغلبية التي تؤهله لتشكيل الحكومة، وحتى الأسبوع الماضي فشل نتنياهو في أن يحصل على أغلبية برلمانية تؤهله لتشكيل الحكومة.

وأحد الاحتمالات يتمثّل في تشكيل تحالف ضخم يستطيع إزاحة نتنياهو من منصب رئيس الوزراء واستبداله ب”نافتالي بينيت” وزير دفاع نتنياهو الأسبق، ويترأس بينيت حزبًا صغيرًا متطرفًا داعمًا للمستوطنين يُسمّى “يامينا”، وهو الحزب الذي حصل على سبعة مقاعد فقط في انتخابات مارس، لكن ومع التعامل بشكل طبيعي مع الحركات الاستيطانية والسياسة القومية فقد بات من السهل على بينيت أن يفوز بمنصب رئيس الوزراء.

وخلال فترة الحكومات اليمينية المتعاقبة وضعت إسرائيل الجيش والشرطة في خدمة الحركات الاستيطانية، حيث منحت المستوطنين الحصانة وحصلت على المكافأة في صندوق الاقتراع، مما أدى إلى تحويل السياسة الإسرائيلية برمتها إلى اتجاه اليمين، كما أدّى إلى جعل نزع ملكية بيوت وأراضي الفلسطينيين أمرًا عاديًا.

يقوم فيصل اليافعي حالياً بتأليف كتاب حول الشرق الأوسط، كما أنه يظهر كمعلق بشكل متكرر على شبكات التليفزيون الإخبارية الدولية، وقد عمل بالعديد من وسائل الإعلام المعنية بالأخبار مثل غارديان و”بي بي سي” وعمل مراسلاً بالشرق الأوسط وشرق أوربا وآسيا وأفريقيا.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: