ما هي “المدينة الذكية” على وجه التحديد؟، يُستخدم هذا المصطلح كثيرًا وبإفراط كما أُسيء استخدامه كثيرًا، والآن بات هذا المفهوم مفيدًا في الحقيقة، وتستخدم المدن الذكية التكنولوجيا لتحسين البيئة المدنية، وتشمل المدينة الذكية تحديدًا الحكم الذكي – وهو من المصطلحات الشائعة الأخرى رغم إساءة فهمها حتى الآن، وباختصار؛ نظرًا لأن التكنولوجيا أصبحت قادرة على تخفيف الأعباء الناجمة عن الحياة العصربة عبر تقليل الروتين والموارد المهدرة (بما فيها الوقت)، فإن الحكم الذكي في المدينة الذكية (أو الدولة الذكية فيما يخص تلك الجزئية)، يمكنه تعزيز الأعمال الهامة التي تقوم بها الحكومات، الأمر بتلك البساطة.
ولهذ السبب، تبحث الأمم المتحدة عن شركاء لديهم خبرات مؤكدة وذات فائدة – فيما يتعلق بالجزء الصعب – في الحكم الذكي، للمساعدة في إنشاء أنظمة على مستوى أفريقيا، وهي منطقة من العالم في حاجة ماسة لأساليب تعمل على “تعطيل” الطريقة التي تعمل بها الحكومات حتى اليوم، وذلك بغرض تحقيق وعود لم تر النور على مدار عشرات السنين، وتُعد الإمارات العربية المتحدة من أولى الدول التي وصلت إليها الأمم المتحدة – وهي واحدة من الدول القليلة التي آمنت بتلك الفكرة مبكرًا، وقامت بتأسيس كفاءات مثيرة للإعجاب في تلك المنطقة، لكن بدلًا من أن يحصل طرف واحد على المنفعة؛ فإن الإماراتيين سيحصلون على منافع هائلة أيضًا.
وتُستخدم التكنولوجيا في تحسين الأداء الحكومي، حيث استُخدِمت في ترشيد المكاتب الحكومية وميكنة المهام العادية مثل جدولة عملية جمع القمامة، والذكاء الاصطناعي مما يعد عنصرًا حاسمًا فيما يخص ابتكارات المدينة الذكية، ولكن مع اختلاف معدل الإنجاز ي بشكل كبير من دولة إلى أخرى، وهذا يعود في جانب منه إلى أن توظيف حلول التكنولوجيا الحديثة من أجل حل المشكلات المدنية، أو تلك التي تواجه المواطن، يكلف الكثير من الأموال، ويتطلب ذكاءً من الموظفين، حتى يمكن مواجهة التحديات المحتومة بشكل سريع، وعلى أي حال، فهناك العديد من المدن التي لا تزال تصارع من أجل تحديث البنية التحتية الحيوية لشبكة الإنترنت، فضلًا عن اكتساب القدرة على تنفيذ أحدث البرامج الخاصة بالمدن الذكية.
لكن الأمر مختلف بالنسبة للإمارات العرية المتحدة، التي تُمثل موطنًا لأشخاص ينتمون ل200 دولة، كما أنها أول دولة بها وزارة للذكاء الاصطناعي، وعمل الوزارة بعيد عن العلاقات العامة، وتتلخص مهمتها في العمل الجاد، الذي يليق بدولة تتعامل بجدية مع أمور الذكاء الاصطناعي والكفاءة الذكية، وبما أن الأمر كذلك؛ فقد باتت الإمارات العربية المتحدة قادرة على متابعة أخر التطورات الذكية، خلال العمليات التي تجري على مدار اليوم، ومن بين الأمثلة العديدة، هو هيئة كهرباء ومياه دبي، فالهيئة تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد نقاط الضعف في المنظومة وزيادة الكفاءة، كما تستخدم شرطة دبي قاعدة بيانات ضخمة لتحسين الأمن المعلوماتي، وقامت أيضًا بتجارب للتنبؤ مبنية على الذكاء الاصطناعي، من أجل تحسين السيولة المرورية، وتحديد السلوكيات المحتملة التي تنطوي على خطورة في الطرقات، وتعُد كل من دبي وأبو ظبي بمثابة مكان لاختبار المدينة الذكية المستقبلية في كل مكان.
لذا لم يكن من المصادفة أن يقوم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بعمل شراكة مع الإمارات العربية المتحدة، لإنشاء منصات للحكم الذكي على مستوى قارة أفريقيا، والاتفاقية التي قام الطرفان بالتوقيع عليها والتي تحدد المجالات العامة في التعاون، بما فيها دعم مبادرات الاستعداد للمستقبل، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، مع التأكيد على تحسين الرفاهية ومستوى الحياة، وبناء كفاءات من الحكومات الذكية في الدول الأفريقية.
وبخصوص تلك الجزئية، سيبدأ المُشككون في السخرية من الأمر، وسيقوم هواة التهكم بالتكشير عن أنيابهم، ولكن الواقع يقول أن أية محاولة لتحسين حياة الملايين ليست بالمهمة السهلة.
واليوم، وبما لها من تاريخ حديث وموقع جغرافي، فقد باتت الإمارات العربية المتحدة الخيار الأمثل لتلك العملية، وبمثابة حلقة وصل بين الشرق والغرب، فقد اعتُبِرت لفترة طويلة عاصمة الأسواق الواعدة، وقد اثبتت الشركات الإماراتية أنها تملك خبرات واسعة خلال المشروعات التي تمت بالتعاون مع الاقتصادات الأفريقية، كما أن أبو ظبي لها سياسة خارجية نشطة في شرق أفريقيا، والذي برز من خلال الوساطة الأخيرة بين أثيوبيا وإريتريا، فإن الخطوط الجوية الإماراتية زادت من رحلاتها إلى المنطقة أكثر من أي شركة طيران أخرى، فضلًا عن تاريخ الإمارات في مجال الحكم الذكي، فإن الإمارات العربية المتحدة تساعد الأمم المتحدة على تحقيق أهداف الحكم الخاصة بزيادة فاعليته.
ولا تتعلق المسألة بالإيثار فقط ، بل تتأهب الإمارات العربية المتحدة بقوة للاستفادة من تلك الشراكة.
وتُعد العديد من مبادرات الحكم الذكي والمدن الذكية التي طبقتها أبو ظبي ودبي مستوردة من الغرب أو من الصين، ومع ازدهار أنظمة البيئة التكنولوجية، التي أنتجت بعض أفضل المشروعات الناشئة، تسعى الإمارات العربية المتحدة إلى تسريع عملية تاسيس منصات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها وتطبيقاتها، ولتحقيق هذا الهدف؛ تتطلب تلك التكنولوجيا الخاصة بها الحصول على كميات ضخمة من البيانات، وهي مسألة صعبة المنال في دولة صغيرة، لكن قارة كبرى يمكن لها أن توفر ذلك بكثرة، وقد تكون كل من دبي وأبو ظبي بمثابة أرضية جيدة للاختبار، لكنهما يفتقدان عمق البيانات التي تستطيع المدن الكبرى في الولايات المتحدة أو الصين تقديمها.
ومساعدة الحكومات الأفريقية على إنشاء منصات حكومية، سوف يعطي الإمارات العربية المتحدة الفرصة للوصول للأسواق المتوقع لها النجاح، كما سيجعلها قادرة على الحصول على البيانات الدفينة، وتلك البيانات يمكن استخدامها للوصول لحلول الذكاء الاصطناعي التي يمكن من خلالها التغلب على تحديات معينة في العالم الناشئ.
علاوة على ذلك، تنجذب العديد من الشركات الأفريقية الواعدة للأنظمة البيئية التكنولوجية في دبي، نظرًا لجودة البنية التحتية التكنولوجية ووفرة رأس المال، كما اتجهت أنظار الكثير من الشركات الواعدة على مستوى القارة الأفريقية طالما إلى دبي، باعتبارها مركزًا رئيسيًا يمكن له نشر الثقافة التكنولوجية في أفريقيا، وبما أن الإمارات العربية المتحدة تلعب دورًا نشطًا في تأسيس مبادرات الحكومات الذكية على مستوى القارة؛ فإن وضع الإمارات يزداد ثباتًا في هذا الإطار.
ولو أن الشركات الواعدة اتجهت لإنتاج الحلول التكنولوجية والمنصات الخاصة بها، من أجل مقاومة نفوذ الخيارات أو المميزات الغربية، فإن الشراكات مثل الشراكة بين الإمارات العربية المتحدة – الأمم المتحدة – الدول الأفريقية ستكون خطوة حاسمة للمضي للأمام.
يعيش جوزيف دانا بين جنوب إفريقيا والشرق الأوسط، ويشغل منصب رئيس التحرير بمؤسسة Emerge85، التي تعُد بمثابة مختبر لاكتشاف التغيرات في الأسواق الناشئة وتأثير ذلك على المستوى الدولي.