حققت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي مكاسب ضد القوات الإثيوبية والإريترية واستعادت السيطرة على العديد من المراكز الحضرية في إقليم تيغراي الإثيوبية، مما يشير إلى تحول كبير ليس فقط بالنسبة لإثيوبيا ولكن أيضا للمنطقة بشكل عام. وبالنسبة لرئيس وزراء أثيوبيا آبي أحمد فإن المكاسب التي حققها المتمردون تشكل أيضاً تحذيراً قوياً مفاده أنه ما لم يتعامل معهم فإن مستقبل بلاده سوف يصبح أكثر قتامة.
وتشكل سيطرة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تهديدا وجوديا لإسياس أفورقي، الرئيس الاستبدادي لإريتريا. وكانتا الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وإيسياس عدوين لدودين منذ أن قاد إسياس الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا للهزيمة أمام الجيش الإثيوبي الذي يسيطر عليه جيش تيغراي في الحرب بين إثيوبيا وإريتريا 1998-2000. وقد بلغت العداوة الآن حدا لم يعد فيه أي من نظام أسياس في أسمرة أو الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي على استعداد للقبول بوجود الآخر. وبالفعل، هدد عدد من قادة الجبهة بعبور الحدود إلى إريتريا والإطاحة بالرئيس.
وقد قامت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بالفعل بقصف العاصمة الآريترية أسمرة بقذائف صاروخية. وستلحق هزيمة أخرى على أيدي الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الضرر بإسياس الذي لا يحظى بشعبية كبيرة، وهو ما يفسر سبب دعوة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الجنود الاريتريين للانشقاق والانضمام إلى المعارضة ضد إسياس.
ومما لا شك فيه أن الصراع قد قوض فكرة تشكيل إثيوبيا وإريتريا لأي نوع من أنواع الاتحاد الكونفدرالي. وكان يعتقد منذ فترة طويلة أن هذه خطة مشتركة من قبل أبيي وإسياس لإعطاء إثيوبيا إمكانية الوصول إلى موانئ البحر الأحمر الإريترية والسماح لإيسياس بتحقيق طموحه في أن يصبح زعيما إقليميا.
وأعلنت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي أيضا عزمها على طرد ميليشيات أمهرة التي تسيطر حاليا على أراض في غرب تيغراي. وسيتيح ذلك أيضا للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الوصول إلى الحدود السودانية، وبالتالي الحصول على إمدادات الأسلحة. ووصولها إلى الحدود السودانية سيلاقي ترحيب مصري، خاصة بعد أن وقعت مصر مؤخراً اتفاقية تعاون عسكري مع السودان، للضغط على أديس أبابا بشأن مسألة سد النهضة الإثيوبي الكبير.
غير أن التدفق الحر للأسلحة عبر السودان لا يمكن إلا أن يزعزع استقرار بلد يمر بعملية انتقال سياسي. وقد كانت إثيوبيا في الماضي تدعم جماعات المتمردين السودانيين، والتي يمكن استخدامها لإثارة الفوضى، وهذا ما لا يحتمله النظام السوداني. وقد وقعت بالفعل مصادمات خلال العام الماضي على الحدود السودانية الإثيوبية، واستغل أبيي التوتر المتزايد مع السودان لشرح أسباب سحبه للقوات من تيغراي. وباعتبارها قضية قومية، فإن هذا هو ما يحتاج إليه أبيي لضمان بقائه على كرسي الحكم. أما بالنسبة للسودان، فقد يؤدي ذلك إلى تقويض عملية الانتقال السياسي الهشة وقد يمهد الطريق لتجدد الصراع.
كما تركت الحرب تداعياتها في الصومال، وهي جارة أثيوبيا الشرقية. ففي بداية الصراع، سحبت أديس أبابا ثلث وحدتها لحفظ السلام من الصومال. وقد لعبت هذه القوات دورا حاسما في دعم حكومة الرئيس محمد عبد الله فارماجو. ويمكن للفراغ الأمني الناتج في الصومال أن يزيد من جرأة جهادي حركة الشباب، ويزيد من زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي بأسرها. ومن المرجح بعد ذلك أن تتدخل تركيا، التي تحتفظ بعلاقات أمنية مع حكومة فارماجو، فتمهد الطريق أمام الصومال لكي تتحول إلى ساحة لمعركة أخرى بالوكالة لتكتل القوى المتنافسة في المنطقة.
وعلى صعيد السياسة الداخلية، فإن إقليم تيغراي الذي تسيطر عليه بالكامل الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي لن يؤدي إلا إلى تشجيع حركات التمرد العرقية الأخرى في إثيوبيا. وقد سعى أبي إلى الحصول على الدعم السياسي من ميليشيات أمهرة لمواجهة السخط المتزايد ضده من الجماعات العرقية الأخرى في إثيوبيا، بما في ذلك جماعة أورومو. ولكن إذا طردت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ميليشيات أمهرة من غرب تيغراي، فإن تحالف أبيي المفترض مع جماعات أمهرة يصبح في مهب الريح. والحقيقة هي أن سبب تورط ميليشيات أمهرة في حرب تيغراي في المقام الأول لا علاقة له بالقومية الإثيوبية بل هو محاولة لاستعادة ما يدعيه القوميون أنه أرض أمهرة الواقعة في مقاطعة تيغراي.
إن السياسة الديمقراطية، التي ينبغي لها أن تعمل كصمام أمان لبلد متعدد الأعراق قابل للاشتعال في أي لحظة مثل إثيوبيا، أصبحت الآن في حالة يرثا لها. فقد نظمت حكومة أبيي للتو انتخابات وطنية زائفة قاطعتها أغلب أحزاب المعارضة. وعشرون في المئة من الناخبين لم يتمكنوا من التصويت ولم تجر انتخابات على الإطلاق في خمس الدوائر الانتخابية البرلمانية. وقد جرت هذه الانتخابات الحرة غير العادلة على خلفية اعتقالات لبعض السياسيين المعارضين وحملة صارمة ضد وسائط الإعلام.
وفي واقع الأمر، لقد ماتت العملية السياسية الرامية إلى إعادة تشكيل الدولة الإثيوبية ــ وذلك هو الهدف الذي أعلنه أبيي عندما تولى منصبه. ولكن ما حدث بدلاً من ذلك هو أنه بمجرد التعرف أخيراً على نتائج الانتخابات المتأخرة حالياً، فسوف يتولى آبي وحزب الرخاء رئاسة دولة يحكمها حزب مهيمن واحد وأحزاب معارضة لا دور لها تلعبه سوى الجلوس على الكراسي. وسوف تتمتع حكومته بقدر ضئيل من الشرعية الانتخابية، وسوف تركز على الحفاظ على السلطة، بدلاً من التصدي للتحديات التي لا تعد ولا تحصى التي تواجهها البلاد.
ولضمان بقائه على كرسي الحكم، لجأ أبي إلى قضية سد النهضة الأثيوبي الكبير، وفي 6 يوليو، أعلنت أديس أبابا استئناف ملء السد، مما أدى إلى احتجاجات من مصر. وهذه الخطوة ليست أكثر من محاولة ساخرة لإثاره وتهييج القومية. ولكن من غير المرجح أن ينجح هذا؛ حيث إن أثيوبيا ممزقة للغاية بسبب التوترات العرقية المتصاعدة والاقتصاد المتدهور.
وبدلاً من ذلك، من المفيد للرئيس الأثيوبي أبيّ معالجة المخاوف بشأن انتهاكات حقوق الإنسان وحرمان سكان تيغراي المحاصرين من المساعدات. وهذا من شأنه على الأقل أن يفتح الباب أمام المساعدات المالية التي تحتاج إليها البلاد بشدة.
ولا تزال هناك فرصة صغيرة لأبي للمشاركة في مناقشات مجدية مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وجماعات المعارضة الأخرى حول مستقبل الدولة الإثيوبية. وأي شيء غير ذلك، سيؤدي إلا إلى كبت تلك صراعاتها المختلفة حيث تندلع أو يحدث الأسوأ وهو الانفجار. ويجب أن يغتنم (أبيّ) هذه اللحظة، من أجل مصلحه بلدة والمنطقة بأسرها.
دنيانيش كامات هو محلل سياسي يركز على قضايا الشرق الأوسط وجنوب آسيا. كما أنه يقدم الاستشارات للحكومة وكيانات القطاع الخاص في مجال التنمية الاجتماعية والاقتصادية.