اتفق إيران وروسيا والصين والمرشح الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الأمريكية جو بايدن على أمر واحد: الولايات المتحدة تحت حكم الرئيس دونالد ترمب باتت معزولة، حتى أن إيران ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك حين أعلنت انتصارها على الولايات المتحدة، وخلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قال الرئيس الإيراني حسن روحاني أنه بغضّ النظر عمن سيفوز في الانتخابات الأمريكية المقررة في نوفمبر القادم فإنه “لن يكون أمامه خيار سوى الخضوع أمام المرونة التي أبداها الشعب الإيراني”، لكن المؤشرات الاقتصادية على أي حال تأتي على عكس خطاب روحاني.
ومنذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني الذي تم التفاوض حوله بين طهران والقوى الدولية الكبرى وإعادة فرض العقوبات على إيران من جانب واحد في عام 2017؛ فقد تعرّض الاقتصاد الإيراني للانهيار بشكل سريع، وجاء في تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي في عام 2019 أن الناتج المحلي الإجمالي لإيران انخفض بنسبة 7.6% بينما ارتفعت نسبة التضخم بقيمة 41% وخلال العام الحالي فقد الريال الإيراني 49% من قيمته.
وقد تعهّدت الحكومات الأوروبية في برلين وباريس ولندن بالتحايل على العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، وسار كل من موسكو وبيجين أيضًا في ذات الاتجاه، واليوم وعلى الرغم من الجهود المضنية التي تم بذلها، فإن العواصم الخمس لم تستطع إضعاف القبضة الاقتصادية الأمريكية القوية، ونجحت واشنطن في خنق الاقتصاد الإيراني.
وهناك تطورات أخرى حدثت مؤخرًا منها الموعد الرئيسي الأخير الذي يلوح في الأفق، ووفقًا للاتفاق النووي من المُفترض أن ينتهي الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على تصدير الأسلحة إلى إيران في الثامنعشر من أكتوبر، وحينما تشاورت واشنطن مع العواصم الأوروبية الثلاث، أبدى قادة تلك الدول معارضة شديدة لإنهاء الحظر ووعدت بدعم واشنطن في الجهود التي تقوم بها من أجل مد فترة حظر تصدير الأسلحة داخل الأمم المتحدة.
ولم تضيّع طهران الوقت، بل هددت الدول الأوروبية الثلاث بأنه إذا ما تم انتخاب جو بايدن رئيسًا للولايات المتحدة ولم يتم رفع العقوبات الأمريكية عن إيران، فإنهم سيفقدون الصفقات الرابحة التي فازت بها الشركات الأوروبية بعد موافقة مجلس الأمن على الاتفاق النووي الإيراني، وتعتبر قيمة أكبر تلك العقود 25 مليار دولار وتم توقيعه بين طهران وشركة إيرباص المتخصصة في صناعة الطائرات، وتراجع الأوروبيون وأخبروا الولايات المتحدة أن موقفهم قد تغيّر بالكامل فيما يخص حظر تصدير الأسلحة إلى إيران.
وقد وجدت الولايات المتحدة تغيُر الموقف الأوروبي بمثابة فرصة من أجل “التراجع” عن آلية عمل الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات الأممية على طهران، ولم تكن واشنطن حتى ذلك الحين قد ألغت الاتفاقية على أمل أن ترضخ إيران لتلك الشروط للأبد، لكن اليوم بات الأوروبيون قلقين على العقود المبرمة مع طهران أكثر من الأمن، وقد اتهمت في البداية واشنطن الأوروبيين بالخداع بسبب طرحهم لقرار الحظر الأمريكي من أجل التصويت عليه، وهو القرار الذي رُفِض في مجلس الأمن كلية، ثم طالبت واشنطن الأوروبيين بتفعيل الآلية الجديدة التي تمثل تراجعًا عن الموقف السابق.
وما حدث بعد ذلك هو أمر كان يتوقعه الجميع. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أصرّت على تفعيل تلك الآلية بمجرد قيام الأطراف الموقعة على الاتفاق بإبلاغ مجلس الأمن، فإن الأوروبيين وروسيا والصين عارضوا تلك الخطوة بحجة أن الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاق النووي حين قامت بإعادة فرض العقوبات على طهران من جانب واحد، وكان رد واشنطن هو أن الاتفاق مستمر قانونًا ومن ثم كل ما يجب فعله هو إبلاغ الأمم المتحدة.
وبينما احتفلت إيران وروسيا بفشل تمرير القرار الأمريكي ووصفتا هذا الأمر بأنه بداية النهاية لعالم القطب الأوحد والهيمنة الأمريكية، وأنه إثبات على أن الولايات المتحدة باتت معزولة، فإن الولايات المتحدة اعتبرت العقوبات الأممية على إيران قد تم العمل بها مجددًا، وقامت بإصدار الأمر للوكالات الحكومية بالتعامل مع الملف النووي الإيراني على هذا الأساس.
وإذا ما نحيّنا جانبًا مناورات الأمم المتحدة والحوارات الدولية التي لا طائل من ورائها؛ فقد أثبتت العقوبات الأمريكية على إيران أنه حين تتخذ الأمم المتحدة موقفًا مناهضًا لواشنطن فإن الولايات المتحدة لن تعاني من العزلة، بل أن الأمم المتحدة ستخاطر بأن تصبح طرفًا لا علاقة له بالأمر.
وقد تسببت العقوبات التي فرضتها واشنطن على طهران من جانب واحد في انكماش الاقتصاد الإيراني بمعدلات غير مسبوقة، بينما لا تستطيع الأمم المتحدة فعل شيئ من أجل تخفيف تلك العقوبات ناهيك عن إلغائها، وإيران والأوروبيين يراهنون الآن على أن بايدن لو تم اختياره رئيسًا سيتم رفع العقوبات الأمريكية وستعود واشنطن مجددًا إلى الاتفاق النووي، لكن إذا لم يقم بايدن بإلغاء تلك العقوبات أو إذا ما تم إعادة انتخاب ترامب فإن الأمم المتحدة سيكون أمامها القليل لتفعله.
وبتحديها للأمم المتحدة، فإن الولايات المتحدة لا تعُد الدولة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تسعى لتحقيق مصالحها دون النظر للرأي الدولي أو الأمم المتحدة؛ حيث تتحدى روسيا الإجماع الدولي على رفض قيامها باحتلال أجزاء من جورجيا وأوكرانيا، أما الصين فقد تجاهلت العالم برمته حين أحكمت قبضتها على هونج كونج، حتى الأوروبيين أنفسهم عادة ما يتعاملون على أنهم أكثر أخلاقًا من غيرهم بينما يستهينون بعدد من القوانين الدولية، أما إيران، المعروف عنها رعايتها للإرهاب، فإنها تخالف عددًا من قرارات الأمم المتحدة.
وبالمناورة مع واشنطن في أروقة مجلس الأمن، فإن طهران وموسكو وبيجين والدول الأوروبية لم تنجح في هزيمة الولايات المتحدة، بل أن تلك الأفعال عملت على إضعاف مكانة الأمم المتحدة.
حسين عبد الحسين هو مدير مكتب صحيفة الرأي الكويتية اليومية في واشنطن وزميل زائر سابق في تشاتام هاوس في لندن.