بعد مضي أكثر من ثلاثة أشهر على مغادرة القوات الأمريكية من أفغانستان، بدأت روسيا التنافس على نيل قلوب وعقول الشعب الأفغاني. وقد وصلت الدفعة الأولى من المساعدات الإنسانية الروسية إلى أفغانستان في 19 نوفمبر، ولكن ما يحتاجه حكام حركة طالبان هو الدعم المالي والاستثمارات، وفي مقابل ذلك، هم على استعداد لتقديم كل ما تحتاجه موسكو لتحقيق أهدافها الجيوسياسية، لكن روسيا ليست في عجلة من أمرها وهي مستعده لجعلهم ينتظرون.
وقد حذرت الأمم المتحدة من أن أفغانستان على شفا الانهيار الاقتصادي حيث من المتوقع أن يتقلص الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 20 في المائة في غضون عام من حكم طالبان، وقد انقطعت المساعدات الخارجية التي دعمت الاقتصاد منذ سيطرة التنظيم على العاصمة في شهر أغسطس الماضي، كما تم تجميد احتياطيات العملات الأجنبية وتم إقصاء البلاد من المؤسسات المالية الدولية. وفي الوقت نفسه، فإن الأفغان على شفا كارثة إنسانية حيث يواجه أكثر من نصف السكان نقصًا في الغذاء.
وطالبان في أمس الحاجة إلى اعتراف رسمي من قبل الجهات الدولية والإقليمية الرئيسية، وهي روسيا والصين وباكستان وإيران، لتتمكن من البدء في الاستثمار، وهذا هو ما يدفع بالحكام الأفغان الجدد إلى تطوير علاقات ودية مع تلك البلدان، فضلاً عن تقديم الكثير من الوعود لها.
وقد قال محمد سهيل شاهين، وهو السفير الأفغاني المعين من قبل طالبان لدى الأمم المتحدة، إن الجماعة تريد من رجال الأعمال والمستثمرين ورجال الأعمال الروس القدوم إلى أفغانستان، ولهذا السبب تخطط طالبان لإدخال قوانين مشجعة للاستثمار في البلاد، التي دمرتها عقود من الحرب. لكن من المتوقع أن تأتي الأعمال التجارية الروسية فقط بعد اعتراف موسكو رسميًا بحركة طالبان كحاكم قانوني لأفغانستان، وتحذف أسم الجماعة من قائمة المنظمات الإرهابية. وفي خطاب ألقاه في نادي فالداي للحوار السنوي في سوتشي في شهر أكتوبر، شدد الرئيس فلاديمير بوتين على أنه يمكن اتخاذ مثل هذا القرار بمجرد أن يتخذ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة نفس الخطوة.
وستواصل طالبان الاعتماد على مساعدة روسيا لتسليم مقعد أفغانستان في الأمم المتحدة لممثلي الحركة المتطرفة، وللحصول على الدعم من موسكو، اقترح مسؤولو طالبان مؤخرًا أن بإمكانهم الاعتراف بدمج الكرملين لشبه جزيرة القرم في الاتحاد الروسي. وفي حديثه مع الصحفيين الروس في كابول، قال ذبيح الله مجاهد، وهو المتحدث باسم طالبان، إنه يحترم تمامًا اختيار من يعيش على شبه الجزيرة، التي ضمتها روسيا من أوكرانيا في عام 2014 وسط احتجاجات من الغرب.
وقال مجاهد: “نحن في صف كل من يعيش في القرم، ونحتاج إلى الاستماع إلى ما يريدون، لأن الناس لديهم الحق في التصويت، وإذا أراد الناس العيش في روسيا، فنحن نتفق معهم”
وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي قد دعم روسيا علنًا بشأن شبه جزيرة القرم في عام 2014، مما أغضب مؤيديه الأمريكيين. والآن وبما أن واشنطن لم تعترف بحكومة طالبان وهي في حرب باردة جديدة مع روسيا، فسيهدف الحكام الأفغان إلى تطوير علاقات وثيقة مع موسكو قدر الإمكان.
كما استضاف مجاهد في كابول صحفيين من منظمة أوكتقون للإعلام الروسية التي يديرها سيرجي ميخيف، وهو مستشار سيرجي أكسيونوف، زعيم شبه جزيرة القرم. وتشير مثل هذه الخطوة إلى أن الكرملين، على المدى الطويل، يعتمد على اعتراف طالبان الرسمي بشبه جزيرة القرم كجزء من روسيا. ولكن هذا لا يعني أن موسكو ستعترف بإمارة أفغانستان الإسلامية مقابل تلك المبادرة الطيبة من الحركة. ولاتزال طالبان تفتقر إلى الشرعية على الساحة الدولية، وبالتالي حتى يتم الاعتراف بحكم طالبان دوليًا، فمن المحتمل ألا تتسرع روسيا في عقد أي صفقة مع المجموعة فيما يتعلق بوضع شبه جزيرة القرم.
وكما أشار مجاهد، فإن طالبان تحاول حل قضية تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان، وهي جماعة تعتبرها موسكو تهديدًا وجوديًا لحلفائها في آسيا الوسطى. وتشير التقديرات إلى أن العديد من فصائل خراسان نشطة في أفغانستان وتمثل تهديدًا خطيرًا ليس فقط للدول المجاورة، ولكن لحركة طالبان نفسها.
ولقد أدرك الكرملين تمامًا أن طالبان ليست حركة متجانسة، كما أعلن الكرملين عدة مرات أنه مستعد لدعم جناحها المعتدل، ولكن إذا انتصر الفصيل المتشدد، فمن المتوقع أن تحمي موسكو حلفاءها في حال توغلت طالبان في الجمهوريات السوفيتية السابقة المجاورة. ولكن في هذه المرحلة، يبدو أن حركة طالبان تركز فقط على الشؤون الداخلية، وكما قال السفير الروسي في كابول دميتري جيرنوف، إن طالبان تواجه صعوبات في مكافحة الإرهاب بصورة فعالة.
وقال جيرنوف: “لا تملك السلطات الأفغانية أموال الآن، والحسابات المالية للبلاد جمدت من قبل الأمريكيين، والعقوبات الغربية أصابت النظام المصرفي الأفغاني بالشلل، وفي مثل هذه الظروف، من الصعب الحديث عن حرب فعالة ضد الإرهاب”.
وكان العديد من الأعضاء الأكبر سناً في حركة طالبان في يوم من الأيام أعداءً لدودين لروسيا، عندما قاتلوا كجزء من فريق المجاهدين ضد القوات السوفيتية، والآن تحتاج طالبان إلى الأموال الروسية لتطوير اقتصاد البلاد، كما تحتاج للدعم الروسي على الساحة الدولية، وكذلك لقاحات “سبوتنيك في” المصنوعة في روسيا لمحاربة جائحة كورونا، لكن هل روسيا التي تواجه التوترات المتزايدة مع أوكرانيا والعقوبات الغربية المحتملة، مستعدة حقًا لتقديم مثل تلك المساعدات للحركة؟
نيكولا ميكوفيتش هو محلل سياسي في صربيا، ويركز عمله في الغالب على السياسات الخارجية لروسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا، مع اهتمام خاص بالطاقة و “سياسات خطوط الأنابيب”.