في الشهر الماضي، ضبطت قوات الأمن العراقية في ثلاث مداهمات منفصلة ما يقرب من 16 مليون حبة من حبوب الكبتاجون، وهو منبِّه من نوع الأمفيتامين سرعان ما أصبح أحد أكثر المخدرات انتشارًا في منطقة الشرق الأوسط. وقد كانت تلك كمية هائلة بحق من المخدرات.

لكنها لم تكن سوى جزءًا بسيطًا من هذه التجارة غير المشروعة في المنطقة، التي تُعَد عملًا إجراميًّا ييسره الحشد الشعبي العراقي، وهو ميليشيات ترعاها الدولة، من خلال حماية المتورطين فيه.

تأتي أغلبية كمية الكبتاجون من سوريا المجاورة التي تُعَد المنتج الرئيسي لهذه الحبوب في بلاد الشام. ولمكافحة الزيادة الهائلة في تهريب الكبتاجون إلى داخل البلاد، كثفت السلطات العراقية جهود إنفاذ القانون، وهو تغيير مرحب به بعد سنوات من غضها الطرف عما كان يحدث. ومع ذلك، فمن شبه المؤكد أن هذه الجهود ستفشل إذا استمرت مشاركة الحشد الشعبي في صناعة هذه المخدرات دون رادع.

في الوقت الراهن، تزداد أزمة الكبتاجون سوءًا. فخلال شهر أبريل وحده، أبلغت قوات الأمن العراقية عن الوصول إلى مستويات قياسية في مضبوطات المخدرات. في 5 أبريل، قبضت شرطة الأنبار على مهرب كان قد عَبر الحدود السورية بشكل غير قانوني ومعه 1.8 مليون حبة. وبعد بضعة أسابيع، عثرت القوات العراقية على 8 ملايين حبة مخبأة في شاحنة متجهة إلى بغداد من سوريا. وفي 30 أبريل، داهمت قوات الأمن العراقية عصابة لتهريب المخدرات وصادرت 6.2 مليون حبة كبتاجون كان من المخطط توزيعها داخل البلاد.

لطالما اُستخدِم العراق، شأنه شأن لبنان والأردن، ممرًا لعبور الكبتاجون من سوريا إلى المملكة العربية السعودية. وقد نمت أهمية العراق للأعمال غير المشروعة في سوريا — التي تقدر قيمتها بأكثر من 5.7 مليار دولار — نموًا كبيرًا خلال العام الماضي بسبب زيادة صعوبة شحن المخدرات عبر لبنان. فالحظر الذي فرضته السعودية في أبريل 2021 على استيراد الفواكه والخضروات من لبنان دفع شبكات التهريب لزيادة اعتمادها على الأردن والعراق.

يتضح تصاعد عمليات التهريب الإقليمية في كم المخدرات التي صادرتها السلطات. ففي الأشهر الأربعة الأولى من عام 2022، صادر الجيش الأردني 17 مليون حبة كبتاجون، مقارنة بـ 15.5 مليون حبة في عام 2021 بأكمله و1.4 مليون في عام 2020. ودفع تصاعد ذلك النشاط غير القانوني، إلى جانب مقتل جندي أردني، الأردن إلى زيادة إجراءات مكافحة المخدرات على طول حدوده مع سوريا وإلى اتباع سياسة إطلاق النار بغرض القتل في هذا الشأن، ما زاد من المخاطر التي يواجهها المهربون.

نتيجةً لكل ذلك، يجذب العراق المزيد من أعمال حركة التهريب، الأمر الذي لا يُعَد البلد مستعدًا للتعامل معه. فيفتقر العراق إلى قوات مدربة على مكافحة المخدرات وإلى معدات حديثة لمعابره الحدودية ومطاراته. هذا فضلًا عن أن قوات الحشد الشعبي، التي لها وجود قوي على جانبي الحدود السورية العراقية، تشارك مشاركةً مباشرةً في تسهيل تهريب المخدرات إلى العراق. فإلى جانب فرض سيطرة قوية على معبر القائم الحدودي الرسمي، تدير قوات الحشد الشعبي العشرات من الممرات المؤقتة غير الرسمية بين البلدين، مثل المعابر في السكك والعكاشات والحويجة وسنجق.

بالإضافة إلى ذلك، ووفقًا لما شهدته خلال عملي الميداني الخاص بأبحاثي، يُشارِك العديد من الجماعات في تيسير عمليات تهريب المخدرات بين سوريا والعراق، مثل حركة الإبدال، ولواء الطفوف، وعصائب أهل الحق (المعروفة أيضًا باسم شبكة الخزعلي). ومع ذلك، فتشير التقارير إلى أن كتائب حزب الله لها التأثير الأكبر على أعمال التهريب.

لقد توصلت كذلك إلى أن معظم عمليات تهريب المخدرات تتم بالتنسيق مع المهربين، الأمر الذي يمنح الفصائل المسلحة إمكانية الإنكار في حال ضبط السلطات لهذه الشحنات. وبعد تأمين نقل المخدرات داخل سوريا، ينقل المهربون المواد غير المشروعة إلى الشاحنات العراقية بالتنسيق مع الجماعات المسلحة ذات الصلة. ومقابل المرور الآمن، تتقاضى الفصائل العراقية رسومًا بناءً على حجم الشحنة.

وصل الأمر كذلك إلى استخدام قوات الحشد الشعبي علاقاتها السياسية للترتيب للإفراج عن مهربى المخدرات وتجارها الذين أُلقي القبض عليهم. ورغم أن معظم هذه الأحداث تمر دون أن يلاحظها أيٌّ من وسائل الإعلام، فقد تصدرت إحدى القضايا بالفعل عناوين الصحف مؤخرًا. فأُدين جواد لؤي الياسري، الذي كان والده آنذاك محافظًا للنجف، بتهمة تهريب المخدرات عام 2018 حيث عُثر بحوزته على 5.6 كيلوجرامات من الحشيش و7 آلاف حبة مخدرة عند إلقاء القبض عليه. وعلى الرغم من الحكم على الياسري واثنين من المتهمين الآخرين في القضية بالسجن المؤبد، فقد حصلوا على عفو رئاسي وأُفرج عنهم في يناير.

في ظل هذه المحسوبية والفساد، من الواضح أن مشكلة المخدرات في العراق لن تُحَل دون معالجة لدور الحشد الشعبي في أعمال التهريب. فالفشل في كبح جماح هؤلاء المستفيدين سيجعل جميع جهود مكافحة المخدرات الأخرى في العراق بلا جدوى، ويؤدي إلى نمو صناعة الكبتاجون في سوريا نموًا هائلًا، ويشكل خطرًا صحيًا وأمنيًا متزايدًا على العراق والمنطقة وخارجها.

 

د. حايد حايد صحفي سوري وزميل استشاري في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد تشاتام هاوس.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: