وبينما تتطلع دول العالم إلى دولتي “روسيا وتركيا” لتحديد مصير إدلب، تحاول إحدى التنظيمات التابعة سابقًا لتنظيم القاعدة في سوريا، وهي هيئة تحرير الشام، تشكيل مستقبل المنطقة. وعقب المكاسب العسكرية التي حققتها هيئة تحرير الشام في غرة هذا العام في حربها ضد جماعات المعارضة المتصارعة في آخر جيب يسيطر عليه المتمردون في البلاد، أنشأت الهيئة إدارات مدنية وعسكرية جديدة لتعزيز سلطتها.

وبذلك، تحاول هيئة تحرير الشام زيادة شرعيتها وشعبيتها من خلال التشاور مع المجتمعات المحلية، وتشجيع تلك المجتمعات على المشاركة في الانتخابات المحلية. وتعتبر هذه الإستراتيجية ضرورية – لمنع معركة إبادة محتملة، ودمج هيئة تحرير الشام في المجتمع، وإعادة تشكيلها ميزان القوى في المنطقة بشكل دائم.

وطرح زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني أولاً مشروعًا جديدًا خلال ظهوره في إحدى البرامج الحوارية على قناة أمجاد الإعلامية في منتصف يناير. وقال الجولاني “إن هناك حاجة إلى إنشاء إدارات جديدة للفصل في الشؤون المدنية والعسكرية، لكنه لم يوضح كيفية تحقيق ذلك.

ومن ثم، وفي العاشر “10” من فبراير، نظمت حكومة الإنقاذ والتي أنشأتها هيئة تحرير الشام، وتدير معظم المنطقة، مؤتمراً لمناقشة كيفية تشجيع السكان الإقليميين على المشاركة المجتمعية. وخلال هذا المؤتمر، ناقش العشرات من المدنيين والمقاتلين فكرة إنشاء مجلس استشاري جديد لإدلب، وهو الأمر الذي سيؤدي نظرياً إلى تشكيل إدارة جديدة.

وبعد الموافقة على هذا الاقتراح، تم اختيار عشرة “10” أشخاص من المشاركين في المؤتمر لتشكيل لجنة انتخابية مهمتها الإشراف على العملية الانتخابية، وتحديد عدد مقاعد مجلس الشورى وتوزيعها. ورغم ذلك، وبدلاً من إجراء انتخابات مباشرة ، نظمت “هيئة تحرير الشام” استطلاعًا لعدد صغير من ممثلي المجتمعات المحلية، وتولى هؤلاء الممثلون مسؤولية ترشيح أعضاء المجلس وانتخابهم. ومكنت هذه العملية “هيئة تحرير الشام” من المشاركة في اختيار الممثلين والمرشحين، مما أعطاها تأثيرًا على كل من العملية الانتخابية ونتائجها.

وجرت الانتخابات المحدودة في 27 مارس، واختارت اللجنة الانتخابية “107” ممثل من “55” مجتمع محلي، و”23″ من المجتمعات الداخلية النازحة والتي تعيش في إدلب، و”29″ من الهيئات المدنية مثل القبائل والاتحادات المهنية كالأطباء ورجال الأعمال والمحامين. ومن المتوقع أن يشهد القريب العاجل الإعلان الرسمي عن تشكيل المجلس الجديد وما يليها من خطوات مقبلة. ومن المتوقع أيضًا أن يجتمع أعضاء المجلس في وقت لاحق من شهر أبريل لتشكيل حكومة جديدة يمكنها، من الناحية النظرية، أن تحل محل حكومة الإنقاذ الحالية، على الرغم من أن التخمينات لا تزال مهيمنة على هيكل الإدارة الجديدة.

وبالتوازي مع إنشاء مؤسسات جديدة حاكمة، يقود القادة العسكريون في هيئة تحرير الشام مشاورات مع قادة المتمردين في إدلب لإنشاء هيكل موحد يشمل جميع الفصائل المسلحة. ورغم ذلك، من غير الواضح في هذه المرحلة ما إذا كانت هيئة تحرير الشام ستتمكن من إنشاء شيء يشبه قوة موحدة، على الرغم من أنه ينبغي عليها أن تكون على الأقل قادرة على توسيع العمليات المشتركة عن طريق تشجيع المجموعات الأكبر، مثل الجبهة الوطنية، على الانضمام، واستخدام القوة في الوقت ذاته للمشاركة في اختيار المجموعات الأصغر. وفي ظل الإدارة المدنية المقترحة، يبدو أن هيئة تحرير الشام مستعدة للتنازل عن القيادة الرسمية للكيان العسكري المقترح، طالما أن هيئة تحرير الشام لا تزال قادرة على إدارة الأمور في الخفاء.

وعلى صعيد الجبهة الحكومية والعسكرية، تبذل هيئة تحرير الشام محاولات براغماتية لمواكبة الظروف المتغيرة، وضمان بقاء الهيئة على المدى الطويل، مع إدراكها الواضح أن السيطرة الكاملة على إدلب تتجاوز القدرات المالية والهيكلية الحالية للهيئة. وتدرك هيئة تحرير الشام أيضًا أن قوتها المتنامية في المنطقة ستدفع بالنظام السوري إلى الهجوم عليها، وهي معركة من غير المرجح أن تخرج فيها الهيئة منتصرة.

ونتيجة لذلك، تصمم هيئة تحرير الشام الهياكل الإدارية الجديدة، ويكون السكان المحليين في صدارة المشهد، مع احتفاظ الهيئة بحق الرقابة، أو على الأقل حق النقض، على القرارات الإستراتيجية. وبعد تصميم الهياكل الإداري الجديدة، تستطيع هيئة تحرير الشام تقاسم عبء الحكم، وإخلاء مسؤوليتها عن فشلها – العسكري والإداري على حد سواء. وتحاول هيئة تحرير الشام أن تتولى زمام الأمور من وراء الكواليس لزيادة شعبيتها، والتي يبدو أنها خطتها الثانية لضمان بقاء مشروعها وأيديولوجيتها حتى بعد هزيمتها المحتملة إقليميًا.

وتباينت ردود أفعال سكان إدلب بشأن الهياكل الإدارية الجديدة، ولكن يبدو أن ثمة شعور عام بالاستياء، حيث أعلن عدد كبير من المجالس والمجتمعات المحلية في إدلب الكبرى عن رفضها علنا للمجلس الاستشاري بسبب النفوذ الواسع الذي تتمتع به هيئة تحرير الشام. والدافع وراء رفض تلك الهياكل الإدارية الجديدة هو فشل حكومة الإنقاذ في توفير الخدمات الأساسية، ورفض أيديولوجية هيئة تحرير الشام، والمخاوف من عواقب هيمنة الهيئة، والذي قد يفضي إلى إنهاء المساعدات الغربية، أو مزيد من الصراعات العسكرية.

وهناك أيضًا غموض بشأن شرعية المجلس وأعضائه بسبب مشاركة هيئة تحرير الشام الواسعة في عملية يعتبرها الكثيرون أنها مخطط لها. وبالمثل، لا تزال معظم الجماعات المسلحة مترددة في المشاركة في الإدارة العسكرية المقترحة، وبالأخص غالبية الجماعات المرتبطة بتركيا. وعلى الرغم من تحقيق هيئة تحرير الشام انتصارات هامة في ميدان المعركة مؤخرًا، إلا أن صراع القوة بين جماعات المعارضة لايزال مستمرًا، والكثير من تلك الجماعات أصبح لا يرغب في الانتماء إلى جماعة مصنفة كإرهابية.

وعلى الرغم من هذه التحديات الجسام، يبدو أن هيئة تحرير الشام عازمة على إنشاء الإدارات للتصدي لأي جهود في المستقبل بخصوص الحد من نفوذها في الشمال الغربي. ويعتمد هذا النهج على اختيار المجتمعات المحلية. ولمواجهة نفوذ هيئة تحرير الشام، يجب على المجتمع الدولي التوصل إلى إستراتيجية شاملة لمواجهة هيمنة الهيئة وذلك بالتعاون مع هذه المجتمعات المحلية والعمل من خلالها.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: