مثلت زيارة نائب المستشار الألماني روبرت هابيك إلى الإمارات العربية المتحدة في تاريخ 21 مارس بداية تعاون جديد بين اثنين من الشركات الناشئة ذات الثقل الكبير في مجال الهيدروجين، ولكن الأهم من ذلك، أن تلك الزيارة سلطت الضوء على الدور الذي يمكن أن يلعبه “الوقود المستقبلي” في كبح جماح التغيرات المناخية وتحرير البلدان من الاختناقات الجيوسياسية الحالية.
ويمتلك الهيدروجين ثلاث ميزات رئيسية مقارنة بالوقود الأحفوري التقليدي وهي: إنه متعدد الاستخدامات، ولا يترك خلفه أي تلوث وغير سام ولا ينبعث منه عنصر ثاني أكسيد الكربون، كما يمتلك مصادر محتملة متنوعة. ويمكن له أن يحل محل الغاز الطبيعي في مجالات الطاقة والصناعة والصناعات الكيماوية، فضلاً عن النفط في النقل لمسافات طويلة، ومع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، ووصول أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا وآسيا إلى مستويات قياسية، يستمر الهيدروجين في جذب الانتباه نحوه.
ولا يزال الاستخدام الواسع للهيدروجين في مراحله المبكرة، وعليه تتباين التوقعات حول إمكانات استخدامه بصورة كبيرة، لكن التوقعات من هيئات مثل الوكالة الدولية للطاقة والوكالة الدولية للطاقة المتجددة ومجلس الهيدروجين والبنك الأمريكي تشير إلى أنه قد يلبي ما يصل إلى 22 في المئة من الطلب العالمي للطاقة، ونسبة 25 في المائة من إجمالي الطلب على النفط بحلول عام 2050.
ويشكل الهيدروجين أكثر من تسعة أعشار الذرات في الكون، ولكنه لا يتواجد على الأرض في شكله النقي بكميات كبيرة، وبدلا من ذلك، يتم صنعه من مواد أخرى تحتوي على الهيدروجين، مثل الماء، أو الهيدروكربونات مثل الغاز والنفط.
ولا يختلف عنصر الهيدروجين من حيث الاستخدام، ولكن يتم تصنيفه حسب طريقة الإنتاج إلى مجموعة متنوعة من “الألوان” والأنواع الأكثر شيوعًا هي “الرمادي” (المشتق من الغاز الطبيعي بدون احتجاز الكربون وتخزينه، مع كثافة الكربون العالية) و”الأزرق” (من الغاز مع احتجاز الكربون وتخزينه، والذي يزيل 90 في المائة أو أكثر من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المصاحبة أثناء الإنتاج) و”الأخضر” (والذي يتم إنتاجه من تقسيم المياه باستخدام التحليل الكهربائي ، مع الكهرباء التي يتم توليدها من مصادر الطاقة المتجددة أو غيرها من المصادر منخفضة الكربون).
وكل الهيدروجين حاليًا بالون “الرمادي” وهو مصنوع من النفط والغاز والفحم بدون التقاط الكربون وتخزينه، ونادرًا ما يتم التجارة به دوليًا ويتم إنتاج معظمه واستخدامه ضمن عمليات المصنع الخاصة، ومن الصعب نقله لمسافات طويلة لأنه منخفض الكثافة، ويتكثف ليتحول إلى سائل فقط في درجات حرارة شديدة البرودة، ويتكون من جزيئات صغيرة جدًا يمكن أن تتسرب بسهولة من أنظمة الاحتواء.
كما أنه باهظة الثمن، حيث يُكَلّف الهيدروجين الأخضر ما بين 20 دولارًا و50 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (أم بي تي يو) وسعر الهيدروجين الأزرق أقل من ذلك، حيث يتراوح متوسط سعره بين 11 دولارًا و15 دولارًا لكل وحدة حرارية بريطانية، وللمقارنة، يتراوح متوسط سعر الغاز الطبيعي في اليابان وأوروبا بين 7 دولارات و11 دولارًا منذ عام 2005، في حين أن الغاز المنتج في الولايات المتحدة كان أرخص بكثير، حيث يصل إلى حوالي 4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
ولكن ارتفعت أسعار الغاز العالمية مؤخرًا بسبب انتعاش الطلب بعد الجائحة، وقلة الاستثمار في مجال الإنتاج الجديد، وانخفاض الإمدادات الروسية في أوروبا. ومع وصول أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا وآسيا الآن إلى حوالي 35 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، فقد بدا الهيدروجين غال الثمن في الظهور كخيار جذاب.
وإذا كان للهيدروجين أن يحقق نجاح في مضمار مصادر الطاقة، فيجب أن يرتفع الإنتاج بشكل كبير، أي بمقدار ثمانية أضعاف أو أكثر بحلول منتصف القرن، ووفقًا لبعض التقديرات، هناك حاجة لاستثمارات تصل إلى 15 تريليون دولار في ذلك المجال، وسيحتاج الهيدروجين الجديد أيضًا إلى أن يكون منخفض الكربون، أزرق وأخضر، وأن يكون معتمدًا على هذا النحو. وفي هذه السنوات التكوينية لهذا القطاع، يجب إنشاء سلسلة قيمة تجارية كاملة، على غرار صناعة الغاز الطبيعي المسال العالمية التي تطورت من الستينيات فصاعدًا.
وبالإضافة إلى ذلك، يجب خفض تكاليف الإنتاج بشكل كبير، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال التوسع الكبير في تصنيع المحلل الكهربائي وهي: الأنظمة التي تفكك الماء إلى هيدروجين وأكسجين – فضلا عن تحسين أدائها، وتعزيز تخزين الكربون من أجل الهيدروجين الأزرق. وتشتمل المواد الخام لبعض أجهزة التحليل الكهربائي على معادن ثمينة مثل البلاديوم والبلاتين، والتي يجب تعدينها بكميات كبيرة أو استبدالها ببدائل.
وهناك حاجة لخيارات النقل بعيد المدى من مواقع الإنتاج إلى الأسواق، ويمكن أن تشمل هذه الأنابيب، على مسافات متوسطة، كما هو الحال بالنسبة للغاز الطبيعي، لكن معظم التجارة الدولية ستكون عن طريق الشحن البحري (السفن)، ربما في صورة هيدروجين مسال، على الرغم من أنه من المرجح أن تكون في شكل مشترك مثل ناقلات الهيدروجين العضوي السائل (ا لاو اتش سي) ، أو الأمونيا، أو الميثانول، ويمكن للبلدان أيضًا استخدام الهيدروجين لصنع مواد معتمدة منخفضة الكربون للتصدير، مثل الفولاذ، وإنشاء سلسلة قيمة محلية ونظام بيئي صناعي.
وكانت روسيا، وهي أكبر مالك لموارد الغاز الطبيعي في العالم، قد بدأت في تطوير إستراتيجية الهيدروجين قبل غزوها لأوكرانيا، ولكن تبخرت تلك الخطط الآن، وفتحت الباب أمام لاعبين آخرين للدخول في هذا المضمار. وتأمل أوروبا في توليد الكثير من الهيدروجين بنفسها، خاصة من خلال مزارع الرياح البحرية، لكن حتمًا، سيتعين على الدول الأوروبية – بالإضافة إلى اليابان وكوريا الجنوبية والعديد من الدول الأخرى – الاعتماد على الاستيراد. وتفضل ألمانيا الهيدروجين الأخضر لأسباب أيديولوجية في الغالب، بينما تقبل اليابان وبريطانيا ودول أخرى اللون الأخضر أو الأزرق.
وسيكون مصدرو الهيدروجين الرئيسيين دولًا ذات موارد غاز منخفضة التكلفة مثل دول الخليج وربما الولايات المتحدة، وتلك التي لديها طاقة متجددة رخيصة وفيرة مثل (طاقة الرياح، أو الطاقة الشمسية، أو الطاقة الكهرومائية) أو السواحل، والأنظمة الصديقة للأعمال. وقد ظهرت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان ودول شمال إفريقيا وأستراليا وتشيلي كمرشحين في إنتاج الهيدروجين الأخضر، ومشروع الهيدروجين الأخضر العملاق في المملكة العربية السعودية في نيوم، وهي المدينة المخطط لها في شمال غرب المملكة، وربما يكون المشروع الجديد هو الأكبر تقدمًا.
وهذا ما يفسر اهتمام ألمانيا الشديد بالعمل مع الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج الأخرى في إنتاج الهيدروجين ونقله.
ولن يكون نائب المستشار الألماني روبرت هابيك آخر سياسي بارز يظهر في الشرق الأوسط باحثا عن الهيدروجين، ونظرًا لأن ضرورات صافي الكربون وأمن الطاقة أصبحت أكثر أهمية، فقد ظهر الهيدروجين سريعا كفرصة هائلة للمنطقة لإضافة صناعة مستدامة جديدة إلى ثروتها الهيدروكربونية.
روبن إم ميلز هو الرئيس التنفيذي لشركة قمر للطاقة، ومؤلف كتاب “أسطورة أزمة النفط”.