تكشف “صفقة القرن” التي وضعها دونالد ترامب لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني عن بساطتها. حيث تذعن الصفقة بكل بساطة لكل رغبات إسرائيل متجاهلة فلسطين، وهذا ليس مفاجئًا. وأصبح دفع الطريق للأمام الآن يقع في يد الفلسطينيين وحدهم. فيجب عليهم أن يقروا بأن استراتيجية قادتهم الخاضعة لاتفاقيات أوسلو للسلام المبرمة في بداية التسعينيات قد فشلت منذ البداية، وأنه قد حان الوقت لانتخابات جديدة وقادة جدد.
هناك مشكلة أخرى ألا وهي أن أغلب الأفراد من طرفي الصراع أصبحوا يتقبلون زوال الحل القائل بوجود دولتين على النحو المتصور في اتفاقيات أوسلو. فبداية من الإسرائيليين العلمانيين الذين يعيشون في تل أبيب وصولًا إلى الفلسطينيين الذين يتعرضون لمضايقات المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، عدد قليل جدًا من الناس يؤمنون بإمكانية تطبيق حل الدولتين في ظل الظروف الراهنة. فقد دمر عدم التوازن الشديد بين قوة إسرائيل وقوة فلسطين وتوسع إسرائيل المستمر لمستعمراتها في الضفة الغربية جميع الآمال بشأن إمكانية تطبيق حل الدولتين. بيد أنه لا يزال هناك عامل واحد كبير يحارب من أجل تحقيق هذا الهدف الذي لا يمكن الوصول إليه وهو منظمة التحرير الفلسطينية (PLO) التي تعمل عبر السلطة الفلسطينية (PA).
ففي عهد رئيس السلطة الفلسطينية الرئيس محمود عباس، الذي يحكم للعام الخامس عشر من المدة التي يفترض أن تدوم لأربع سنوات فقط، عاد المتفاوضون الفلسطينيون إلى اتفاقيات أوسلو التي تم توقيعها لأول مرة في عام 1993 باعتبارها الوسيلة الأساسية للوصول إلى السلام. وقد خدمت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بشكل مطيع المصالح الإسرائيلية عندما سحقت الاحتجاجات الفلسطينية وسجنت مئات الذين احتجوا على مطالبة السلطة الفلسطينية بالشرعية. وبالطبع أحرزت منظمة التحرير الفلسطينية PLO انتصارًا واحدًا لصالح حل الدولتين وهو طلبها من الأمم المتحدة الاعتراف بها كدولة في عام 2012 الذي حصل على دعم دولي على الرغم من محاولات إسرائيل القصوى لعرقلة هذه الحملة.
إلا أن هذه الحملة لم تجدي نفعًا للفلسطينيين في الواقع. فقد استثمرت إسرائيل كامل قوتها الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية لضمان عدم إقامة دولة فلسطينية أبدًا. فقد أدخلت مئات آلاف المستوطنين إلى عمق الضفة الغربية بحيث أصبح من المستحيل الآن اقتلاعهم من مكانهم. حيث أنهم سيطروا على الموارد الطبيعية الحيوية بما في ذلك أكبر مستودع للمياه الجوفية في الضفة الغربية الذي أقيمت فوقه الآن مستوطنة آرييل الإسرائيلية الضخمة. ويعتبر احتلال الضفة الغربية هو أفضل مشروع دولة ممولة وذات موارد في تاريخ إسرائيل.
في ظل هذه السخرية الإسرائيلية، لماذا يعود القادة الفلسطينيون باستمرار إلى طاولة المفاوضات؟ ولماذا لا زالوا ملتزمين بحل أثبتت استحالته على مدار سنوات؟ الإجابة على هذه الأسئلة هي أن وظائفهم تعتمد على ذلك. حيث أن السلطة الفلسطينية PA، التي تحصل على ملايين الدولارات من المساعدات الخارجية كل عام، تأسست نتيجة لاتفاقيات أوسلو. وبالرغم من أنها كان من المفترض أن تكون شكلًا مؤقتًا من أشكال الحكم الذاتي، إلا أنها ظلت مصدرًا مستمرًا للإيرادات للقادة الفلسطينيين. فقد نجحت الحيلة الاستعمارية القديمة المتمثلة في إثراء مجموعة مختارة من السكان الأصليين وجعلهم يديرون النظام الاستعماري بشكل جيد في فلسطين.
والآن، يجب أن تكون “خطة السلام” التي وضعها ترامب بمثابة القشة الأخيرة. تحتاج فلسطين قادة جدد يبتكرون أفكارًا جديدة. وسوف يتطلب ذلك إجراء انتخابات جديدة وأخيرًا. إلا أنه من الضروري أيضًا التفكير بشكل واقعي: فلن يكون من السهل حمل منظمة التحرير الفلسطينية على إجراء انتخابات جديدة، وبالمثل لن يكون من السهل التأكد من أن هذه الانتخابات حرة وعادلة نظرًا لمصلحة إسرائيل في استمرار قيادة السلطة الفلسطينية المتعاونة. ولهذا فإن الفلسطينيين بحاجة إلى كل الدعم الذي يمكنهم الحصول عليه من الوسطاء الصادقين في المجتمع الدولي.
وفي حالة تمكنوا من الوصول إلى هذا الحد، ما الذي يجب على القادة الجدد فعله؟ فالإجابة هي التطلع إلى الجيل القادم. فعلى مدار العقد الماضي، نمي شكل من أشكال قاعدة المقاومة السلمية للاحتلال الإسرائيلي ضمن الشباب في الضفة الغربية. ونظرًا لاختلال موازين القوة الهائل بين طرفي الصراع، فإن العودة إلى الصراع العنيف لن يخدم مصالح أي طرف من الطرفين. وحان الوقت لتقبل السلمية بشكل تام.
ومع ظهور القيادة الجديدة، توجد العديد من الخطوات السلمية التي يمكن للفلسطينيين اتخاذها والتي أسفرت عن نتائج رائعة في الماضي. أولًا وقبل أي شيء، من الضروري إنهاء التعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. فلا يوجد أي سبب عملي أو منطقي يبرر مساعدة الفلسطينيين في إدارة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. وردًا على ازدراء الفلسطينيين لصفقة ترامب، التي تمس قدرته على الحفاظ على سلطته، دعا عباس إلى إنهاء جميع أشكال التعاون مع إسرائيل بما في ذلك التعاون الأمني. بيد أنه لم يصرح بأي شيء يخص حل السلطة الفلسطينية، التي تعتبر العامل الأساسي المتيح للتعاون مع إسرائيل، حتى الآن. ومع الزمن سوف نرى إذا ما كانت هذه حركة سياسية أم أنه جاد في محاولته لتغيير الوضع الراهن.
عندئذ، ما الذي يجب على القادة الجدد فعله غير ذلك؟ يمكنهم أن يشجعوا أعمال التمرد المدني واسعة النطاق التي قمعتها السلطة الفلسطينية الحالية. حيث يمكن أن تسفر الاعتصامات عند نقاط التفتيش الإسرائيلية ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية وغيرها من الأعمال السلمية عن نتائج فورية وقوية. وبمجرد أن يجذب ذلك اهتمام واعتراف المجتمع الدولي، ستكون الخطوة التالية هي التفكير في الشروط الضرورية للوصول إلى حل قابل للتطبيق لإنهاء هذا الصراع بناءًا على حقوق جميع الأطراف. وسوف يتطلب ذلك محكمًا عادلًا أكثر مما كانت عليه الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب.
لقد ثبتت فعالية التقنيات الموضحة بالأعلى بشكل استثنائي خلال الانتفاضة الأولى التي دفعت إسرائيل للجلوس على طاولة المفاوضات في بداية التسعينيات. وبعد مرور عقود من العناد الإسرائيلي والبيت الأبيض المستعد لمنح إسرائيل كل ما تريده، لا يمتلك الفلسطينيون ما يخسرونه بالعودة إلى المقاومة السلمية. والعائق الوحيد الذي يقف في طريقهم هو القيادة القديمة الفاسدة التي لا يمكن التواصل معها. وتعتبر الانتخابات الحرة والعادلة هي الرد الأمثل على “صفقة القرن” الحمقاء التي وضعها ترامب، ولإعادة تحديد شروط ما هو مرغوب وما هو قابل للتحقيق فعليًا.
جوزيف دانا، المقيم ما بين جنوب إفريقيا والشرق الأوسط، هو رئيس تحرير موقع emerge85، و يعتبر هذا الموقع قاعدة لكشف التغييرات التي تطرأ على الأسواق الناشئة وتأثيرها العالمي.