يُعتبر الطريق والمسار الذي تم اتباعه للتعامل مع التغيرات المناخية والحد من الانبعاثات الكربونية مسارا خاطئا، وعلينا مواجهة الحقائق، فقد فشلت الحكومات والمنظمات الدولية حتى الآن في تغيير المسار الذي يسلكه كوكبنا وهو نفس المسار الذي يأخذنا لمزيد من الحرارة والاحتباس الحراري، وقد حاولت الحكومات مرارا وتكرارا، ولكن الحقيقة المحزنة هي أن الحكومات والمنظمات الدولية فشلت في كبح جماح الطلب العالمي المتنامي للوقود الأحفوري، ومع ذلك، فهناك طريقة واضحة ومربحة للخروج من هذه المعمعة.
ويتمثل مفتاح الحل للتعامل مع هذا الخلل في الأسواق العالمية نفسها، حيث تتسارع وتيرة التطور التكنولوجي للطاقة النظيفة والمتجددة بشكل كبير، مع انخفاض تكاليفها بشكل حاد، ونتيجة لهذه التطورات، ستصبح الطاقة النظيفة قريبًا أرخص من الوقود الأحفوري التقليدي بكافة المقاييس. ونظرًا لأن هذه التطورات الجيدة تحدث بفضل القوة التي تتمتع بها الأسواق، فإن أفضل ما يمكن عمله من طرف الحكومات هو الاستثمار بشكل هادف في البنية التحتية لتكنولوجيا المناخ والشركات في هذا القطاع.
وقرار المملكة العربية السعودية بالحد من الانبعاثات الكربونية إلى الصفر الصافي بحلول عام 2060 هو قرار مرحب به، ومع ذلك، فإن الفرصة الحقيقية لالتزام المملكة لم تر النور بعد، فبصفتها أحد المنتجين الرائدين في العالم للهيدروكربونات، تتمتع المملكة العربية السعودية بنفوذ ضخم على انبعاثات الكربون العالمية من خلال قدرتها على الحد من إنتاج النفط. ولكن التحول الدراماتيكي في إنتاج النفط ليس واقعيا، لأن العالم لا يزال يعول على الوقود الأحفوري، ولن يسمح السوق بذلك في هذه المرحلة، لكن مسار الأمور في تغير سريع، وعندما يكون الحصول على الكهرباء من الطاقة الشمسية وقيادة السيارة الكهربائية أرخص وأسهل، فلن يكون هناك مجال للمنافسة من قبل للوقود الأحفوري. وإلى جانب الدول الرائدة الأخرى في الخليج، تتمتع المملكة العربية السعودية بفرصة فريدة للاستثمار في مستقبل الطاقة، بالتزامن مع التحول إلى اقتصاد المعرفة الإقليمي، من خلال الالتزام بتلك التصريحات التاريخية عن طريق ضخ استثمارات كبيرة في تكنولوجيا المناخ.
ولا تقتصر الخطوات القادمة على خفض الانبعاثات أو غرس الأشجار فحسب، بل تتعلق بالاستثمار الجاد في تكنولوجيا المناخ، وقال “لاري فينك” مؤخرًا، وهو الرئيس التنفيذي لصندوق التحوط “بلاكروك”، إن 1000 شركة ناشئة أحادية القرن وجديدة والتي ستبلغ قيمتهن مليار دولار على الأقل ستعمل في مجال تكنولوجيا المناخ. علاوة على ذلك، تحتاج المنظمات الدولية إلى ضمان استثمار رأس المال في تكنولوجيا المناخ في الدول النامية. وليس فقط أن السوق يشهد انتعاش منقطع النظير، بل إن هناك مجال كبير للحكومات للمساعدة في توجيه الطاقة إلى الدول الناشئة والنامية. ونظرًا للعلاقات الخليجية القوية مع دول الأسواق الناشئة في إفريقيا وشبه القارة الهندية وآسيا، فهي في وضع مثالي لتكون مُصدِّرًا لتكنولوجيا المناخ.
وستنتشر الطاقة النظيفة في كافة نواحي المعمورة في المستقبل القريب، وهذا أحد أسباب تفاؤل “لاري فينك”، وتشير اتجاهات السوق والتكنولوجيا الحالية إلى إمكانية حدوث ذلك في وقت أقرب بكثير مما توقعناه، لنأخذ سعر الطاقة الشمسية كمثال على مدى سرعة تغير السوق، فعلى مدى العقد الماضي، انخفض سعر الكهرباء التي يتم توليدها من مشاريع الطاقة الشمسية بمقدار خمسة أضعاف، وهذا يعادل انخفاضًا في الأسعار بنسبة 80٪، ويعني هذا الانخفاض الملحوظ أن بناء محطة جديدة للطاقة الشمسية يعد منافسًا من حيث التكلفة مع محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم أو الغاز. والأمر الأكثر إثارة للإعجاب هو أن التكاليف تنخفض بسرعة كبيرة بصورة تفوق التوقعات، فالكهرباء الشمسية في عام 2020 تقارب ربع السعر الذي توقعته وكالة الطاقة الدولية في عام 2010.
ستحول حركة وديناميكية السوق الوقود الأحفوري إلى مادة عتيقة وغير ذا أهمية، والسؤال هو متى سيحدث ذلك وما إذا كان لدينا الوقت للانتظار. وتجري التغيرات على قدم وساق حيث يقوم السوق بتصحيح مساره من خلال التبني الحقيقي للطاقة المتجددة، وما عليك سوى إلقاء نظرة على ارتفاع سعر سهم شركة تسلا موتورز والانفجار في مبيعات السيارات الكهربائية عالمياً. وهناك أمثلة على هذا التحول في كل مكان حولنا، ويمكن للحكومات التسريع من وتيرة هذا التحول من خلال الاستثمار السياسي الذكي في تكنولوجيا المناخ و (نأمل) تجنب التنبؤات المروعة حول نتائج التغيرات المناخية.
وهذا هو الدور الذي يُمكن لدول الخليج لعبه، فقد وضعت دول الخليج الرائدة مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بالفعل أهدافًا طموحة للطاقة الخضراء، وتخطط المملكة لبناء أكبر محطة هيدروجين خضراء في العالم تعمل بطاقة الرياح والطاقة الشمسية في مدينة نيوم، وتعتبر المشاريع طويلة الأجل أهدافًا جيدة، لكن الاستثمارات الصغيرة في الشركات الناشئة يمكن أن تشكل الحافز للتغيير الحقيقي.
ومع توفر رأس المال للاستثمار وتواجد الظروف المثالية للبحث والتطوير، فإن دول الخليج في وضع يمكنها من دعم الجيل القادم من الشركات الناشئة في مجال تكنولوجيا المناخ، ولا يقتصر ذلك على مشاريع الطاقة المتجددة، ولكن يمكن التركيز على التكنولوجيا الزراعية وتطوير المدن الذكية، فضلاً عن طاقة الهيدروجين الخضراء. كما لا تعتبر هذه الاستثمارات مفيدة في الكفاح العالمي ضد تغير المناخ فحسب، بل إنها ضرورية أيضًا لبناء قوة اقتصاد المعرفة في المنطقة، علاوة على ذلك، يمكن لدول الخليج تصدير هذه التكنولوجيا إلى الأسواق الناشئة حول العالم. فعندما نفدت المياه تقريبًا من مدينة كيب تاون في جنوب إفريقيا في عام 2018، كانت الإمارات العربية المتحدة على وشك تصدير تكنولوجيا تحلية المياه لتخفيف أزمة المدينة، وهذا مثال يشير إلى كيف يمكن لدول الخليج نشر صناعتها المناخية في جميع أنحاء العالم.
تُعتبر الوعود التي قطعتها الحكومات على نفسها بالحد من الانبعاثات الكربونية خطوة عظيمة، لكنها ليست كافية، حيث تعد الثورة الصناعية وانتصار الرأسمالية المتعطشة للموارد والطاقات سببًا كبيرًا في أزمتنا المناخية الراهنة، فبدلاً من إعادة اختراع العجلة، نحتاج إلى تبني الرأسمالية نفسها لتعزيز التغيير الحقيقي في صناعة الهيدروكربون والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة.
جوزيف دانا هو كبير المحررين في “أكسبونانشال فيو”، وهي نشرة إخبارية أسبوعية عن التكنولوجيا وتأثيرها على المجتمع، وقد شغل سابقًا منصب رئيس تحرير “إميرج 85” ، وهو مركز يستكشف التغيير في الأسواق الناشئة وتأثيره العالمي.