كانت احتفالات عيد الميلاد الخمسين لدولة الإمارات العربية المتحدة مثيرة للإعجاب، وهي البلد التي لا تعرف المساومة في كسب الإنجازات والنجاحات، وخفقت الأعلام، واشتعلت الألعاب النارية، وقام الفريق التابع لسلاح الجو الإماراتي باستعراض جوي، وزين السماء باللون الأحمر والأخضر والأبيض والأسود، وانتشرت صور القائد المؤسس في كل مكان وهو ينظر إلى شعبه بعين الرضى.
وقد مرت ما كان يُعرف سابقاً بالإمارات المتصالحة بتحولات وتغيرات مذهلة، ففي مدة نصف قرن منذ أن اغتنم المغفور له الشيخ زايد حاكم أبوظبي الفرصة التي خلقتها بريطانيا بقرارها المفاجئ بإنهاء التواجد الإمبراطوري في الخليج، وهو التواجد الذي يعود تاريخه إلى أكثر من قرن ونصف.
ونرى اليوم الأدلة على نجاح نهضة البلد في كل مكان حولنا، بدءًا من التحول السريع وغير المعقول لمستوطنات التجار وصيادي الأسماك المتواضعة في دبي وأبوظبي لتصبح اليوم مدنا متلألئة، إلى تحويل الصحراء القاحلة غير المضيافة، والتي كان يتحاشاها الجنود الغربيون وأصحاب شركات النفط على حد سواء، لتصبح إحدى الوجهات السياحية الرائدة في العالم.
توقف، وتذكر أن كل هذا قد تم إنجازه في مدة زمنية أقل من متوسط عمر شخص واحد.
لكن ماذا عن الخمسين سنة القادمة؟
وقد يكون طرح مثل هذا السؤال عشية الاحتفال باليوبيل الذهبي فظًا وغير لائق، ولكن الآن بعد انتهاء تلك الاحتفالات حان الوقت لدولة الإمارات لتنظر في التحديات الكبيرة التي ستواجهها خلال نصف القرن المقبل.
وسواء كانت غير لائقة أو لائقة، فقد اختارت إحدى أكبر ثلاث وكالات تصنيف ائتمان دولي الأسبوع الذي سبق الاحتفال باليوبيل الذهبي لدولة الإمارات لإصدار تقرير كان من الممكن أن يُعكر صفو الاحتفال بتلك المناسبة.
في ظل الوضع الحالي، فإن وكالة فيتش للتصنيف الائتماني هي من محبي دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي شهر نوفمبر الماضي، أكدت تصنيفها الافتراضي طويل الأجل لـ (IDR) للدولة عند “AA-” – وهو تصويت كبير على الثقة في الإمارات باعتبارها “خطر منخفض للغاية للعجز عن السداد” للمقرضين الدوليين.
ولكن التقرير الذي لا يوحي بالاطمئنان، والذي يعكس الحقائق الواضحة التي تلوح في الأفق لدولة الإمارات، هو تقرير “المخاطر المادية للتغيرات المناخية التي تشكل تهديدًا متزايدًا على البلاد”، والذي نشرته وكالة فيتش قبل أربعة أيام فقط من نشر تقريرها الإيجابي حول التصنيف.
ويعرض التقرير قائمة تضم 15 دولة تم تقييمها على أنها الأكثر عرضة لخطر تأثيرات درجات الحرارة الشديدة والجفاف الناتج عن التغيرات المناخية، وكانت دولة الإمارات على رأس تلك القائمة.
وقد تم توضيح ما يمكن أن يعنيه ذلك في سلسلة من الدراسات حول التغيرات المناخية على مدى السنوات الخمس الماضية، والتي توصلت جميعها إلى نفس النتيجة المثيرة للقلق
وبحسب أحدث الدراسات، والتي نُشر في مارس في مجلة “Climate and Atmospheric Science” حول دولة الإمارات العربية المتحدة، فإن استمرار وتيرة التغيرات المناخية على ما هي عليه يعني أنه “في النصف الثاني من هذا القرن، ستشهد البلد ظروف مناخية شديدة الحرارة وموجات ساخنة غير مسبوقة وشديدة التطرف ” حيث تصل درجات الحرارة إلى 56 درجة مئوية وأعلى لأسابيع متتالية”.
وفي أبوظبي ودبي “من المتوقع أن يصل التأثير المشترك لارتفاع درجة الحرارة والرطوبة حدود القدرة البشرية على التكيف أو قد يتجاوزها.”
وبعبارة أخرى، بعد أن صعدت دولة الإمارات من رمال الصحراء في 50 عامًا فقط، لتصبح إحدى عجائب الدنيا، فقد تعود إلى تلك الرمال بفضل أسوأ سيناريو مناخي محتمل خلال نصف قرن من الزمان.
وليست الإمارات بغافلة عن تلك التحديات المحدقة بها.
فهي تدرك جيدًا أنها في أمس الحاجة لاستبدال اعتمادها على الوقود الأحفوري بخبرات في مصادر الطاقة المتجددة وغيرها من التقنيات التي ستسمح لها بالبقاء شريكًا أساسيًا في مجال الطاقة.
لكن دولة الإمارات عالقة في مأزق، فكل التطورات والنمو التكنولوجي الذي يغنينا عن الوقود الأحفوري يكلف الكثير من المال، وفي الوقت الحالي، يأتي الجزء الأكبر من تلك الأموال من نفس احتياطيات النفط والغاز، وهي الاحتياطيات النفطية التي دفعت العالم إلى حافة الكارثة، وهي نفس الاحتياطيات التي ساعدت دولة الإمارات في نهضتها في مثل هذا الوقت القصير.
وهنا يكمن التحدي الذي على دولة الإمارات مواجهته خلال العقود القادمة، فيتعين عليها إيجاد طريقة لموازنة حاجتها إلى المكاسب قصيرة الأجل بفضل الوقود الأحفوري مع الحاجة الوجودية لتقليل إنتاجها من الغازات التي تغير المناخ بما يتماشى مع الطموح العالمي لإبطاء ووقف ظاهرة الاحتباس الحراري.
وهي ليست بالمهمة السهلة، ولكن دولة الإمارات تبدو واثقة من قدرتها على أداء تلك المهمة.
وفي شهر أكتوبر الماضي، أصبحت الإمارات أول دولة خليجية تضع هدف صفري للحد من الاحتباس الحراري، وتعهدت بإزالة عنصر الكربون من اقتصادها بحلول عام 2050.
وفي الشهر التالي، جاء قرار استضافة الإمارات العربية المتحدة لمحادثات المناخ COP28، المقرر عقدها في نوفمبر 2023، كهدية مبكرة للذكرى الخمسين لتأسيسها، وإن كانت تلك الهدية حافلة بالتحديات والصعاب.
ويعكس ذلك ثقة دولة الإمارات وعدم خوفها من التدقيق الحتمي الذي ستخضع له أوراق اعتمادها الخضراء خلال العامين المقبلين.
ولا يوجد أي شك في أنه عندما تبلغ الإمارات العربية المتحدة عامها المئة في عام 2071، فإن وجه المغفور له الشيخ زايد سوف يطل لينظر إلى شعبه، ولكن سيكون الشعب مختلفا تمامًا عن ذلك الشعب الذي احتفل بعيده الخمسين.
ويتم الآن بناء ذلك المستقبل، ولكن سيكون ملامح وشكل ذلك المستقبل في أيدي الجيل الصاعد من الإماراتيين، الذين وهم أطفال، نزلوا بكل فخر إلى الشوارع للاحتفال في اليوم الوطني في عام 2021
وستكون المهمة التي سيواجهها جيل ما بعد النفط خلال العقود القادمة صعبة بقدر صعوبة المهمة التي واجهها الشيخ زايد ورفاقه قبل 50 عامًا.
جوناثان جورنال صحفي بريطاني، عمل سابقًا مع التايمز، وعاش وعمل في الشرق الأوسط وهو الآن مقيم في المملكة المتحدة