تستهل الصين عام 2022 بموجة من اللقاءات الدبلوماسية والشراكات في إفريقيا والشرق الأوسط، ويُثير ذلك الاستهلال استياء البعض.

وقد أنهى وزير الخارجية الصيني وانغ يي للتو جولته في شرق إفريقيا في حملة مصممة لتعزيز الوجود الصيني على ساحل البحر الأحمر وترسيخ دور بكين في القرن الأفريقي. وفي الوقت نفسه، تعمل الصين على ترسيخ مكانتها كلاعب كبير في الشرق الأوسط وتهدد الهيمنة الأمريكية طويلة الأمد في المنطقة.

ويقوم الصينيون بتوسيع دائرة مساعدتهم العسكرية لمزيد من دول الشرق الأوسط في وقت يتصاعد فيه التوتر بين المملكة العربية السعودية وإيران، ومع استمرار الولايات المتحدة في إعادة تقييم مبيعاتها من الأسلحة إلى الحلفاء الإقليميين مثل المملكة العربية السعودية، تعمل الصين على زيادة صادراتها من التكنولوجيا والمعدات العسكرية، وهذا التحول التاريخي هو جزء من إعادة صياغة الخطة الجيوسياسية للشرق الأوسط.

ولا يُعد الاهتمام الصيني طويل المدى بالشرق الأوسط بالشيء الجديد، ولطالما نظرت بكين إلى المنطقة كهدف استراتيجي، باعتبار الصين أكبر مستورد للنفط الخام من الشرق الأوسط في العالم، وأثناء المناقشات الساخنة حول الطرح العام الأولي لشركة أرامكو السعودية، أعربت الصين عن اهتمامها بأن تصبح مستثمرًا رئيسيًا في أكبر شركة في العالم، وكان من المحتمل أن يسمح هذا الموقف للصين بإحداث تغيير في تجارة النفط العالمية القائمة على الدولار، ولم يُبرم ذلك الاتفاق، لكن النية كانت واضحة.

والتحول الحاصل الآن هو في مجال التكنولوجيا العسكرية والشراكة، فوفقا للمنظور التاريخي، اعتمدت دول الخليج وإسرائيل على المعدات والتكنولوجيا العسكرية الأمريكية، لكن هذا يتغير أمام أعيننا، مما يثير استياء واشنطن، فمع مراجعة الولايات المتحدة لمبيعات أسلحة معينة بسبب الصراع الدائر في اليمن، غيرت السعودية والإمارات حساباتهما وأصبحا يفكران في مد جسور مباشرة مع الصين.

وفي الشهر الماضي، ذكرت شبكة “سي إن إن” أن المملكة العربية السعودية بدأت في تصنيع صواريخ باليستية بمساعدة الصين، وقد اشترت المملكة العربية السعودية صواريخها الباليستية من الصين أكثر من مرة ، لكنها لم تحاول بناء صواريخها بنفسها إلى الآن.

 

ولم يؤكد الصينيون أو ينفوا ما إذا كانوا ينقلون أي تكنولوجيا صاروخية باليستية حساسة إلى المملكة العربية السعودية، وبدلاً من ذلك، أشاروا إلى حقيقة أن البلدين يتمتعان “بشراكة استراتيجية شاملة ” منذ فترة طويلة، و أن لهما ” تعاون ودي في جميع المجالات، بما في ذلك مجال التجارة العسكرية”.

ومن المحتمل أن يكون التحول نحو التعاون العسكري المفتوح في المملكة العربية السعودية قد دفع إسرائيل إلى “وعد” إدارة بايدن بإخطار الولايات المتحدة بأي صفقات جديدة مهمة مع الصين، وتتمتع إسرائيل بتاريخ طويل من التعاون العسكري مع الصين، لكنها كانت تحت “عين الرقيب” حتى وقت قريب، على الرغم من أن الصين هي ثالث أكبر شريك اقتصادي لها.

وبينما تعمق الصين علاقاتها مع دول الشرق الأوسط، تواجه إسرائيل حسابات معقدة، فهل تفتح علاقتها مع الصين أو تحاول مواصلة العمل معها وفق النمط المعتاد.

ويبدو أن خيار إسرائيل هو فتح العلاقات مع الصين، ففي العام الماضي، رفضت إسرائيل عرضًا قدمته الولايات المتحدة لتفتيش ميناء حيفا. حيث شاركت الشركات الصينية في توسيع ذلك الميناء، وكانت الولايات المتحدة قلقة من أن الصينيين يستخدمون مواقعهم لمراقبة العمليات العسكرية الإسرائيلية الأمريكية المشتركة، وذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أنه “تم إبلاغ المسؤولين الإسرائيليين أن الأسطول السادس الأمريكي سيتوقف عن الرسو في ميناء حيفا نتيجة التواجد الصيني” وعلى الرغم من الضغط المكثف من الولايات المتحدة، إلا إن إسرائيل رفضت عرض التفتيش.

ولا تتوقف المصالح القائمة على الجغرافيا السياسية عند أي بلد، وسواء أحبت الولايات المتحدة ذلك أم لا، فإن البصمة الصينية في الشرق الأوسط آخذة في التوسع بسبب عقود من التخطيط الدقيق وربط العلاقات بطريقة هادئة، ومع ارتفاع مشتريات الصين من النفط الخام من الشرق الأوسط وانقسام الولايات المتحدة بشأن طريقة تعاملها مع المنطقة في المستقبل، سوف يتعمق النفوذ الصيني في المنطقة ثم يظهر للعالم.

ولا يزال مفتاح النجاح الجيوسياسي للصين يكمن في تطوير البنية التحتية، وسواء كان توسيع الموانئ في حيفا أو توفير البنية التحتية لصناعة الصواريخ في المملكة العربية السعودية، فقد حقق الصينيون نجاحًا لا يُصدق في تصدير صناعة البنية التحتية إلى المنطقة وإلى معظم دول العالم. فإذا كانت تلك السياسة غير خاطئة، فلماذا نُصلحها؟

والسؤال هو كيف ستستجيب الولايات المتحدة لهذا التحول العميق الذي يحدث أمام أعين الجميع، فقد أعطت إدارة ترامب إسرائيل كل ما كانت ترغب فيه منذ فترة طويلة، من نسف عملية السلام مع الفلسطينيين إلى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وبالنظر إلى عدم قدرة أمريكا الواضحة على وقف المساعدات العسكرية لإسرائيل، فما هي خيارات الترهيب والترغيب الأخرى التي يتعين على الولايات المتحدة استخدامها مع إسرائيل لمنعها من تعميق تعاونها مع الصين؟

ومنذ أن بدأت الولايات المتحدة في مراجعة نمط مساعداتها العسكرية للمملكة العربية السعودية، يمكن للمرء فهم دافع الرياض لتعميق شراكة المملكة العسكرية مع الصين، وهي الشراكة التي تأتي من دون أي قيود أو التزامات تقريبًا.

ويجب ألا نتوقع أن تفقد الولايات المتحدة مركزها المهيمن بين عشية وضحاها، لكن اتجاه المد يتغير، وما لم تتوصل إدارة بايدن إلى طريقة إبداعية جديدة لإشراك الحلفاء الأمريكيين في الشرق الأوسط، فإن ظلال سور الصين العظيم ستستمر في تغطية المنطقة عن طريق خلق شراكات أعمق وتعاون أكبر، لقد بدأ التحول بالفعل.

  

جوزيف دانا كاتب مقيم في جنوب إفريقيا والشرق الأوسط، ومراسل من القدس ورام الله والقاهرة وإسطنبول وأبو ظبي، وقد شغل سابقًا منصب رئيس تحرير “إميرج 85” ، وهو مشروع إعلامي مقره الإمارات العربية المتحدة يستكشف التغيير في الأسواق الناشئة.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: