أعلن رجب طيب أردوغان عن رؤيته في إعداد جيل متفتح دينيًا في تركيا في خطابه الذي ألقاه أمام كلية الفقه الإسلامي بجامعة أنقرة في شهر نوفمبر، حيث قال أنه ينوي تربية شباب متدين وجيل متدين إن شاء الله. وهذا يعد طموحًا كبيرًا سعى إليه الرئيس التركي بكل السلطات المتاحة تحت تصرفه . و علي الرغم من ذلك، نجد الشباب التركي يتخلفون بعيدا عن اللحاق بمعايير التعليم العالمية.
و لقد حاول النظام الحاكم في عهد أردوغان – عبر خطى بطيئة- التخلص من نظام التعليم العلماني في تركيا. فعلى سبيل المثال، في عام 2017، قام النظام الحاكم بمحو نظرية داروين حول التطور من المناهج الدراسية الوطنية في المرحلة الثانوية، و من بعد ذلك تم محو أي فصول دراسية تتناول موضوع التطور وأصل الحياة من مناهج علم الأحياء المدرسة في المدارس. ودافع نعمان كورتولموس نائب رئيس الوزراء في ذلك الوقت ( ووزير الثقافة حاليًا )، عن ذلك التوجه الأردوغاني، فوصف الداروينية بأنها قديمة وفاسدة. وأضاف أن العام الدراسي 2017-2018 سوف يدور حول (القيم التركية)، وهو مصطلح لا علاقة له من قريب ولا من بعيد بمفهوم العلمانية التي تأسست عليها تركيا الحديثة.
والأمر الهام بشكل خاص هو ازدياد أعداد الطلاب الملتحقين بالمدارس الاسلامية للإمام خطيب. فبموجب القانون، يجب أن تتبع هذه المدارس المناهج القومية، لكن القيم الأساسية لها متجذرة بشدة في تعاليم القرآن. ففي عام 2003، كان هناك 71,000 طالب مسجلين في مدارس الإمام خطيب الثانوية. وبحلول عام 2019، وصل عدد الملتحقين إلي نصف مليون طالب. وقبل وصول حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان إلى السلطة في عام 2002، كانت هناك 450 مدرسة ثانوية للإمام خطيب؛ والآن وصل عدد هذه المدارس في البلاد إلى أكثر من 1500. و في عام 2018، تجاوز عدد المدارس الثانوية الدينية المدارس غير الدينية في 61 مقاطعة.
ثم كانت نقطة التحول في عام 2012 عندما تم إصدار مشروع قانون يقضي بتمديد التعليم الديني إلى التعليم الابتدائي والثانوي، بل وحتى في مرحلة ما قبل المدرسة. ومنذ ذلك الحين، ازداد انتشار المدارس الدينية بسرعة مذهلة. ففي العام الماضي، تحولت مدرسة الدكتور كمال ناتشي إيكسي الثانوية العامة في منطقة باجيلار في إسطنبول إلى مدرسة ثانوية للإمام خطيب بين عشية وضحاها من دون إخطار مسبق للطلاب أو لأولياء أمورهم ــ على الرغم من وجود ثمان مدارس دينية في باجيلار بالفعل.
وباعتباره خريج من مدرسة الإمام خطيب ، يتضح انحياز أردوغان الكامل في التعامل مع هذه المؤسسات، و يؤكد ذلكالتمويل الضخم الذي قدمه لهم وإنفاقه 11 مليون دولار لإعادة تطوير مدرسته الثانوية القديمة التي أعيد تسميتها على اسمه. وعلي الرغم من أن 11% فقط من طلبة المدارس الثانويّة يدرسون في المدارس الدينية، إلا أنهم يتلقّوا تقريبا ربع ميزانية مدارس التعليم الثانوي الوطنيّة. ففي عام 2019، تلقت مدارس الإمام خطيب الثانوية تمويلاً يزيد عن خمسة عشر ضعف ما تلقته “المدارس الثانوية العلمية” (المدارس العامة التي تركز على موضوعات العلوم) التي تنافسها بشدة.
إلا أنه بالرغم من ضخ ميزانية كبيرة للتعليم، إلا أن طلاب المدارس الدينية يحصلون على تعليم متدني المستوي. ففي العام الماضي ، سجل واحد فقط – من مدارس الإمام خطيب – من بين سبعة متقدمين درجة عالية إلى الحد الذي يؤهله لاجتياز الامتحان الخاص بالالتحاق بالجامعة.
ولا تتلقى الطالبات التعليم بالمستوى المطلوب في هذه المدارس؛ حيث يتوجه مجهود التدريس في مدارس الإمام خطيب على تخريج رجال الدين – وهو منصب لا يقره الإسلام للمرأة. كما أن فرص العمل للفتيات المتخرجات من مدارس الإمام خطيب تكاد تكون معدومة ما لم يتمكنوا من دخول الجامعة. و على الرغم من ذلك، فقد زاد عدد الفتيات في مدارس الإمام خطيب عشرة أضعاف منذ عام 2002، بل وتخطى عدد الطلبة الذكور.
تسير التغييرات التي تعطي أفضلية للمدارس الدينية بخطى سريعة. ففي السبعة عشر عاما الماضية، تغير نظام التعليم اكثر من خمسة عشر مرة وتغير نظام امتحانات القبول بالمدرسة الثانوية خمس مرات وذلك في عهد سبعة وزراء تعليم مختلفين. كما أوضح مدير اتحاد عمال التعليم والعلوم ، فيراي إيتكين أيدوغان، “لم يتخرج أي طالب من المدرسة الثانوية على نفس ذات النظام الموجود عند دخوله”.
وقد ظهرت آثار عدم الاستقرار هذا على كل من الطلاب و كذلك المدرسين، حيث أن تلك التغييرات المستمرة جعلت المدرسين يشعرون بالإجهاد و ازدياد ضغط العمل لذلك لا عجب في أن تصل جودة التعليم إلي أدنى مستوياتها على الإطلاق. و في عام 2017 ، قام مركز أبحاث اليونيسيف بوضع تركيا في المرتبة الأخيرة من بين 41 دولة من حيث التصنيف العالمي للتعليم.
في عام 2003 ، شاركت تركيا لأول مرة في برنامج تقييم الطلاب الدولي(PISA) التابع لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية(OECD) ، والذي يختبر المهارات الأكاديمية للأطفال في سن 15 عامًا. وقد حققت في عام 2015 أقل نقاط: فمن حيث الترتيب القائم بين 70 دولة ، احتلت تركيا المرتبة 52 في العلوم، والمرتبة 49 في الرياضيات والمرتبة 50 في القراءة.
و علي الرغم من ارتفاع معدلات التعليم منذ ذلك الحين، إلا أن الأطفال الأتراك في عمر الخمسة عشر عامًا ما زالوا متخلفين عن نظرائهم من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأخرى. فقد صرح تقرير نشرته مؤسسة الديمقراطية الاجتماعية هذا الشهر أن 86 في المائة من الآباء يعتقدون أن أطفالهم لا يتلقون تعليماً على مستوى عالمي وأن 80 في المائة يعتقدون أن نظام التعليم التركي لا يؤهل أطفالهم لسوق العمل في الخارج – ولهذا السبب نجد أعداد كبيرة من خريجي المدارس الثانوية يكملون تعليمهم العالي في الخارج.
ففي عام 2019 ، التحق 94 في المائة من خريجيDeutsche Schule في إسطنبول بالجامعات الأجنبية. واختيار أكبر عدد من طلاب مدرسة إسطنبول الثانوية التي تحظى باحترام كبير منذ أكثر من 136 عامًا (والتي خرجت ما لا يقل عن ثلاثة رؤساء وزراء سابقين) السفر إلى الخارج لإكمال تعليمهم العالي بدلا من الاستمرار في الدراسة في تركيا
لا يمكن إنكار العلاقة بين ازدياد عدد المدارس الدينية وبين تدني مستوى التعليم. فقد أصبحت أسلمة نظام التعليم التركي واقع مقلق، بل وهي السبب الرئيسي وراء تدني جودة التعليم الذي تقدمه دولة تركيا لصغارها.
بغض النظر عن مسألة التدين من عدمه، نتج عنطموح أردوغان في الفترة الماضية في خلق جيل متعمق في “القيم التركية” ظهور جيل متدني تعليمياً وغير مؤهل- بأي حال من الأحوال – ليكون رائدًا للنهضة التركية.
بيجوم توبراك هي صحفية تركية، تعيش في إسطنبولو كانت من ضمن ال74 صحفي الذين تم اعتقالهم لمدة عامين في تركيا – وفقا لتقرير المجموعة الدولية المستقلة للجنة حماية الصحفيين.
–النهاية–