أصبحت أوروبا على وشك إحداث تحول كبير في الصراع الطويل في الشرق الأوسط، بفضل سعيها لتأمين إمدادات طاقة جديدة، حيث دفعت الحرب في أوكرانيا وقضية ايقاف الاعتماد الأوروبي على الغاز الطبيعي الروسي كافة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى البحث بشكل محموم عن مصادر جديدة للطاقة، وتعد الأخبار الأخيرة التي تفيد بأن ألمانيا بدأت في تشغيل محطات تعمل بالفحم بمثابة نكسة كبيرة لسنوات من النمو الإيجابي في قطاع الطاقة النظيفة، وهي تلك المحطات التي كانت خاملة لفترة طويلة، وسوف يخفف الفحم من بعض المخاوف المتعلقة بالطاقة، لكنه لا يمكن أن يحل محل حاجة أوروبا للغاز الطبيعي، وتتطلع القارة إلى بدء استيراد الغاز الطبيعي الإسرائيلي، وهذه الثروة النقدية المفاجئة لإسرائيل قد تغير علاقتها مع الفلسطينيين إلى الأبد.

واكتشفت إسرائيل العديد من حقول الغاز الطبيعي الضخمة في شرق البحر الأبيض المتوسط منذ أكثر من عقد من الزمان، وكانت حقول الغاز مصدر للجدل المستمر وللمؤامرات الجيوسياسية منذ ذلك الحين، كما كانت تركيا أول دولة أبدت اهتمامًا جادًا بالغاز الطبيعي الإسرائيلي، على الرغم من حديث أنقرة الطويل عن معاملة إسرائيل للفلسطينيين، وأرادت تركيا أن تصبح قناة رئيسية للغاز الإسرائيلي والذي يمر من أراضيها إلى أوروبا، في سعي منها لإعادة تقديم نفسها كدولة مركزية للنفط والغاز.

وتطلبت الصفقة التركية الإسرائيلية خط أنابيب معقد، والذي كان يجب أن يمر بالمياه اليونانية والقبرصية وربما اللبنانية، وبحلول نهاية عام 2018، انهار المشروع وتم استبداله بسرعة بمشروع “خط أنابيب شرق البحر المتوسط” الجديد بقيمة 7 مليارات دولار والذي سيربط الحقول البحرية الإسرائيلية باليونان عبر قبرص وكريت.

وقد كتبت في عام 2019، أنه من المفترض أن ينقل خط الأنابيب 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنويًا إلى الأسواق المتعطشة للطاقة في الاتحاد الأوروبي “مما سيجلب مليارات الدولارات لإسرائيل واليونان وقبرص مع توفير رسوم غاز أقل لـ العملاء الشماليون الذين اعتمدوا على روسيا ودول الشرق الأوسط الأخرى إلى الآن، وأنهت الولايات المتحدة دعمها لخط أنابيب “شرق البحر المتوسط” في شهر يناير، لكن يبدو أن أساس الصفقة تشكل الأساس لاتفاقية جديدة بين أوروبا وإسرائيل ومصر.

وقد أدى الصراع الأوكراني إلى تسريع تلك الجهود لإيجاد مخرج، ففي الأسبوع الماضي، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين” إن الاتحاد الأوروبي يعد مشروعين “رئيسيين” للبنية التحتية حول الطاقة لزيادة روابط الطاقة مع إسرائيل، وتشمل المشاريع خط أنابيب غاز وهيدروجين في شرق البحر المتوسط ​​وكابل طاقة تحت الماء يربط إسرائيل بقبرص واليونان.

وجاء الإعلان وسط زخم من النشاط، بما في ذلك زيارة قام بها رئيس الوزراء الايطالي “ماريو دراجي” إلى إسرائيل لإجراء محادثات حول الطاقة مع نظيره الإسرائيلي، وإبرام مذكرة تفاهم تاريخية بين إسرائيل ومصر وأوروبا، وستشهد الصفقة تصدير إسرائيل للغاز الطبيعي إلى مصر، حيث سيتم تسييله وإرساله إلى أوروبا، وتمهد مذكرة التفاهم الطريق لأول صادرات الغاز الإسرائيلية إلى الاتحاد الأوروبي.

ولا يزال هناك العديد من التحديات الكبيرة في مشهد الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث يمثل حقل غاز “كاريش” بين إسرائيل ولبنان بؤرة ساخنة، وتزعم إسرائيل أن الحقل يقع في المنطقة الاقتصادية الخالصة التي حددتها الأمم المتحدة، لكن لبنان يقول إن المنطقة متنازع عليها، وفشلت المحادثات التي توسطت فيها الولايات المتحدة بين إسرائيل ولبنان في التوصل إلى تسوية، حيث قالت جماعة حزب الله المسلحة هذا الشهر إنها ستقوم باتخاذ خطوات إذا بدأت إسرائيل الحفر في المنطقة المتنازع عليها قبل التوصل إلى اتفاق.

وبعيدًا عن مسألة النزاعات الإقليمية، فإن الوصول الوشيك للغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى أوروبا سيعيد إشعال مخاوف كبيرة بشأن علاقة الاتحاد الأوروبي بإسرائيل، فالاتحاد هو الشريك التجاري الأكثر أهمية لإسرائيل، ويرى النشطاء الذين يدعمون المقاطعة التي يقودها الفلسطينيون للشركات الإسرائيلية أن أوروبا ساحة معركة حاسمة.

ونجح نشطاء المقاطعة على مدى العقد الماضي، في الضغط على الشركات الأوروبية لإنهاء العلاقات التجارية مع إسرائيل، فعلى سبيل المثال، انسحبت شركة “سيسترا” الفرنسية من مشروع القطار الخفيف في القدس، بينما أنهت شركة الأمن البريطانية “جي فور أس” أعمالها في إسرائيل، ومثل تلك الانتصارات لا معنى لها في مواجهة صفقة الغاز الطبيعي الهائلة التي ستشهد ارتفاع ثروات إسرائيل، فهل سيحتدم الصراع بسبب صفقات الغاز الطبيعي الإسرائيلية الجديدة مع المجتمع المدني الأوروبي؟ ومع التركيز الشديد على الإجراءات الروسية في أوكرانيا وما تلاها من توقف إمدادات الغاز الطبيعي الروسي، فمن غير الواضح ما إذا كانت هناك مناقشات جديدة حول ما يعنيه الغاز الطبيعي الإسرائيلي بالنسبة لالتزام أوروبا بحقوق الإنسان.

إسرائيل على وشك تحقيق مكاسب نقدية لا مثيل لها على مدى تاريخها القصير، وسيؤدي ضخ رأس المال هذا إلى تغيير جذري في علاقتها مع المجتمع الدولي حول الاحتلال المستمر للأراضي الفلسطينية، ومع اتفاقيات التطبيع الأخيرة في العالم العربي، تُظهر إسرائيل للعالم أنها تستطيع الحفاظ على هيمنتها الوحشية على الفلسطينيين بينما تصنع حلفاء جدد وتزداد ثراء بفضل احتياطاتها الوفيرة من الغاز الطبيعي، وسيكون الأثر قريب المدى هو الحفاظ على الوضع الراهن وتوسيع المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية، أما الأثر بعيد المدى لتلك التطورات، فسيكون قاتماً، على الأقل من المنظور الفلسطيني.

 

جوزيف دانا هو رئيس التحرير السابق لـ ” إكسبونانشال فيو” وهي نشرة إخبارية أسبوعية حول التكنولوجيا وتأثيرها على المجتمع، كما شغل منصب رئيس تحرير “إميرج 85” ، وهو مركز يستكشف التغيير في الأسواق الناشئة وتأثيره العالمي.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: