يتزامن بداية شهر سبتمبر عادة مع انهماك مربي النحل الأتراك القاطنين فيي المناطق الساحلية الغربية في العمل، كون هذا الشهير يُصادف الحصاد الأول لموسم عسل الصنوبر الشهير في المنطقة، ويحدث هذا عندما يتم نقل مملكات النحل من السهول العليا الداخلية، حيث يتم وضعها خلال فصل الصيف في الغابات بالقرب من السواحل. ولكن حرائق الغابات في هذا العام دمرت مساحات شاسعة من أشجار الصنوبر في تركيا، وقضت على صناعة تركية امتدت لقرون، ولم يدمر الحريق جزءًا ثريًا من التراث التركي فحسب، بل ولّد ضغوطات على الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه السياسي، حزب العدالة والتنمية الذي اتُهم منذ فترة طويلة بتفضيل مشاريع التنمية الشاملة على الحفاظ على البيئة الطبيعية التركية.
واندلعت حرائق الغابات في أواخر يوليو، وفي غضون أسبوعين فقط دمرت 160 ألف هكتار من الغابات وأزهقت ثمان أرواح، وتعرضت حكومة أردوغان لانتقادات كبيرة بسبب ردة الفعل غير المتكافئة، والتي سمحت باشتعال النيران في البلدات الساحلية، مما أدى إلى تدمير العديد من المنازل. وقد وعدت الحكومة بإعادة البناء، لكن من غير المرجح أن تحاول إعادة زراعة أشجار الصنوبر، التي كانت ضرورية للنحل لإنتاج عسل الصنوبر الذي يمتاز بشهرة عالمية.
وتمتد غابات أشجار الصنوبر الحمراء التي تضررت من الحرائق، من ساحل الشرقي البحر الأبيض المتوسط على طول الطريق إلى شمال بحر إيجة، وتعود جودة العسل إلى حشرة مارشلينا هلنكا التي تتغذى على عصارة الأشجار. ويجمع النحل إفرازات تلك الحشرات ثم يأخذها إلى ممالك النحل ليصنع منها العسل، ويأتي أكثر من 90 في المئة من عسل الصنوبر في العالم من تركيا، ويتم إنتاج معظمه في مقاطعة موغلا في الجنوب الغربي.
وكان النحالون في كل خريف يضعون حوالي 3.5 مليون مملكة نحل في غابات المقاطعة، ويتم إحضار 2.5 مليون من تلك الممالك من خارج موغلا، وأدى فقدان 66000 هكتار من الغابات بسبب الحرائق إلى نهاية سريعة لإنتاج العسل في موغلا، واعتاد ما يصل إلى 10000 مربي من مربي النحل حصاد أكثر من 20000 طن من العسل، و الآن قُضي تماماً على مصدر رزقهم. وسوف يستغرق الأمر عقودًا حتى تصل الأشجار الجديدة إلى مرحلة النضج اللازم لتعيش فيها حشرة مارشلينا هلنكا.
وليست موغلا هي المنطقة الوحيدة المتضررة، فقد عانت مدن مثل عثمانية وباير وتورجوت، والتي يُعد العسل فيها أحد الصناعات الرئيسية، من نفس المصير.
وقد وزعت وزارة الغابات بعض المعونات المالية على مربي النحل لإبقائهم واقفين على أقدامهم. ومع ذلك، رسم صاميل تونكاي بستوي، رئيس جمعية حماية البيئة والنحل، صورة مستقبلية حالكة السواد، حيث يعتقد أنه سيكون من المستحيل تقريبًا إبقاء ممالك النحل على قيد الحياة، وقال: “إن الموت البطيء ينتظرهم”. فلا يمكن إطعام النحل كما هو الحال مع حيوانات المزرعة، فالنحل يعيش على النظام البيئي للغابات، ووفقًا لحسين سنجول، رئيس جمعية تربية النحل في إزمير، سيستغرق عسل شجرة الصنوبر التركي 50 عامًا للعودة إلى سابق عهده.
وستؤدي الحرائق أيضًا إلى حذف أسم تركيا من قائمة منتجي العسل العالميين، ففي عام 2020، كانت ثاني أكبر منتج عسل، حيث أنتجت أكثر من 110000 طن.
ومن المهم الآن دعوة علماء البيئة ذوي الخبرة في إدارة الغابات إلى تلك المناطق للمساعدة في إعادة نمو الأشجار، حيث تفتقر الحكومة التركية لمثل تلك الخبرات، فضلاً عن أن تعاملها مع الحرائق بشكل عام أظهر عدم استعدادها للاستماع إلى الخبراء. وما يثير قلق سكان موغلا بشكل أكبر هو الاقتراح القائل بأن الحكومة قد تستغل الأرض المحروقة مؤخرًا لفتح سلسلة من المناجم في نفس المنطقة.
وقد تم منح تراخيص التعدين منذ عام 2018 لمساحات كبيرة كانت في الأصل غابات، ويعد ذلك تهديد دائم للنظام البيئي، أشد خطورة من حرائق الصيف. وسوف تتلاءم خطوة مثل تلك مع سجل أردوغان الحافل بمشاريع واسعة النطاق، والتي تكون على حساب الطبيعة والبيئة. وفي عام 2013، اندلعت احتجاجات ضد خطة التنمية الحضرية لمنتزه تقسيم جيزي في إسطنبول، وتحولت تلك الاحتجاجات إلى أسابيع من المظاهرات المناهضة للحكومة.
وفي الآونة الأخيرة، طرح الرئيس خطة لإنشاء قناة تصل البحر الأسود ببحر مرمرة، على الرغم من وجود مخاوف من أن يكون لتلك الخطة عواقب وخيمة على البيئية.
وبالنسبة للغابات التركية المتفحمة، فإن عودة النحل ضرورية لإعادة بناء النظام البيئي، لكن لا توجد ضمانات بتعافيها وعودتها إلى ما كانت عليه من قبل دون إشراف جيد. وتبدو احتمال التعافي البيئي في المستقبل القريب ضئيلة، خاصة مع وجود صانعي القرار الذين يرفضون باستمرار نصيحة الخبراء.
ألكسندرا دي كرامر هي صحفية مقيمة في إسطنبول، كتبت عن الربيع العربي من بيروت كمراسلة الشرق الأوسط لصحيفة ميلييت.
و تتراوح أعمالها من الشؤون الحالية إلى الثقافة، وقد ظهرت في منكل و كارير مجزين وميشن فرنسون إسطنبول ارت اند نيوز.