يعتبر الأردن من أكثر البلدان التي تعاني من شح المياه في العالم، ويوشك مياهه على النضوب، وتعارك المملكة مع أزمة شح المياه الشديدة بسبب النمو السكاني وتغير المناخ والجفاف ونضوب طبقات المياه الجوفية. ولكن من ضمن أكبر العوامل المساهمة في شح المياه في الأردن هي أسباب بسيطة وخالية من التعقيد وهي:  تمديدات أنابيب المياه، والمياه المهدرة وهي  المياه المفقودة بسبب التسرب من المواسير، وسرقة المياه، والتلاعب  بعدادات المياه، والإدارة غير الصحيحة للمياه، وتلك الأسباب هي ما  استنزف  مصادر المياه في المملكة.

وأخبرني حازم ناصر، وهو وزير المياه والري السابق، إن السبب في معظم ذلك الهدر “يرجع إلى سرقة المياه وإلحاق الضرر المتعمد بشبكات المياه” حيث يضيع 50% من موارد المياه الصالحة للشرب في الأردن بسبب المياه المهدرة، والتي تكلف البلاد مئات الملايين من الدولارات سنويًا.

وأجبرت سرقة المياه وتقلص الموارد المائية السلطات المعنية في السنوات الأخيرة، على تقنين إمدادات المياه، حيث تتوفر المياه العامة مرة أو مرتين في الأسبوع في الوقت الحالي. واضطرت الحكومة في عام 2021 إلى شراء المياه من إسرائيل لتعويض العجز المائي.

ونظرا للمبالغ الضخمة التي خُصصت لقطاع المياه في العقود الأخيرة في شكل منح وقروض، يصعب فهم سبب بقاء البنية التحتية المائية في الأردن في حالة يرثى لها، ولماذا تستمر سرقة المياه بلا انقطاع. وأشار تقرير صادر عن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في شهر مايو 2022 أنه لم يتم استبدال مواسير المياه القديمة وأن الطرق المتبعة لاكتشاف التسرب غير كافية، وخلص التقرير إلى أن “العديد من أصول نظم المياه في حالة سيئة، والتي قد تمثل مشكلة كبيرة حتى في ظل توفير إمدادات المياه المستمرة”.

وتحاول الجهات المانحة الدولية – بما في ذلك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وبنك الاستثمار الأوروبي وبنك إعادة الإعمار والتنمية الألماني – تلافي ما يمكن تلافيه في أزمة موارد المياه من خلال توفير الدعم الفني والمالي، فعلى سبيل المثال منحت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الأردن في العام الماضي منحة قدرها 22.6 مليون دولار لتقليل الهدر في المياه وتجديد الشبكات المائية في منطقة عمّان والزرقاء وتغليف مواسير المياه.

وفي حين أنه قد تم إحراز بعض التقدم الملموس في تحسين البنية التحتية وتقليل الهدر من المياه، لكن لا تزال هناك تحديات كبيرة ولا تزال عمليات سرقة المياه منتشرة بشكل كبير.

وتدرك السلطات خطورة الوضع على الورق، وتعتبر المياه أحد مجالات التركيز الرئيسية في رؤية التحديث الاقتصادي في الأردن للعشر السنوات القادمة، وهي استراتيجية طموحة تم إطلاقها العام الماضي لتحول اقتصاد البلاد. وكجزء من الخطة، تهدف الحكومة إلى تقليل المياه المهدرة بنسبة 2% سنويًا، وخفضها إلى 25% أو أقل من إجمالي الخسائر بحلول عام 2040.

كما وضعت عمّان خطط لإطلاق مشاريع وطنية لتحلية المياه وذلك لتوفير إمدادات المياه بشكل مستقر وخلق فرص للقطاع الخاص لتحسين توفير المياه.

على سبيل المثال، من المتوقع إنجاز واستكمال المشروع الوطني لنقل المياه في غضون أربع سنوات، وسيوفر هذا المشروع 300 مليون متر مكعب من مياه الشرب سنويًا للعاصمة والمناطق المحيطة بها، وربما يوفر المياه للمناطق الواقعة على طول خط مواسير المياه. ويساهم بنك الاستثمار الأوروبي بمبلغ 200 مليون يورو في هذا المشروع لمساعدة الحكومة الأردنية على تنفيذه.

كما وافق الأردن على صفقة المياه مقابل الطاقة مع إسرائيل. وبموجب الاتفاقية التي تم التوصل إليها بوساطة الإمارات، سيوفر الأردن 600 ميغاوات من الطاقة الشمسية لإسرائيل، وفي المقابل ستزود إسرائيل الأردن بـ 200 مليون متر مكعب من المياه كل عام.

وقد أثار هذا التعاون غضب الكثير من الأردنيين الذين شعروا أن بلادهم أصبحت تعتمد على إسرائيل، لكن الأردن في وضع حرج للغاية، حيث  تبلغ الموارد المائية المتجددة السنوية في الأردن 64 مترًا مكعبًا فقط للفرد، وهو أقل بنسبة 500 متر مكعب للفرد فقط من مستوى شُح المياه الشديدة.

ومع ذلك، لا تستطيع المشاريع الضخمة وحدها حل مشاكل الأردن، ويجب أن يكون الحدّ من هدر المياه وحمايتها من السرقة على رأس الأولويات الوطنية، ويجب التعامل مع موضوع المياه بنفس الأهمية التي تتعامل معها الحكومة مع قضايا الأمن القومي الأخرى مثل الإرهاب.

ومن أهم الأمور الواجب تطبيقها بشكل أكثر صرامة في الوقت الراهن هي الأطر القانونية القائمة، فعلى الرغم من القوانين الصارمة، حيث يُعاقب بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات وغرامة مالية تصل إلى 10,000 دولار كل من سرقة المياه من المواسير بشكل غير قانوني، إلا أن السلطات كانت مترددة في إنفاذ تلك القوانين خشية رد فعل شعبي عنيف، وأدت الحملات السابقة لمنع سرقة المياه لوقوع اشتباكات مسلحة بين قوات الأمن والأشخاص الذين يقومون بحفر آبار المياه بشكل غير قانوني.

ومن الممكن أن تكون الخطة التي وضعتها وزارة المياه مؤخرًا لاستخدام الطائرات بدون طيار لمراقبة عمليات سرقة المياه من خطوط نقل مياه الديسي أكثر فعالية، والديسي هو أحد الموارد المائية الاستراتيجية للبلاد، لكن واجهت تلك الخطة الكثير من العقبات، وكانت إحدى الطائرات بدون طيار معطلة وحتى بعد استخدام عدة طائرات أخرى بدون طيار في وقت لاحق قامت الوزارة بوقف عمليات المراقبة عندما ثبت أنه من الصعب للغاية مراقبة خط المواسير البالغ طوله 325 كيلومترًا والذي يربط الديسي بعمّان.

وليست المملكة وحدها من يعاني من ويلات هذا الصراع مع شح المياه،  فالعديد من البلدان تواجه مستقبلاً ينطوي على صعوبة توفير المياه النظيفة الصالحة للشرب، وسوف تفاقم التغيرات المناخية تلك التحديات، وعلى عكس العديد من المناطق التي تعاني من الجفاف، فأزمة المياه التي تواجه الأردن لديها خطة لمواجهتها ومعالجتها وكل ما ينقصنا هو الرغبة في التنفيذ.

يجب على الأردن إيلاء الأولوية لتعزيز البنية التحتية وإدارة المياه، ويجب فرض عقوبات على سرقة المياه ويجب إطلاق المزيد من حملات التوعية العامة لتشجيع الناس على توفير المياه، كما ينبغي أن يفهم طلاب المدارس قيمة المياه من عمر مبكر.

وبدون الماء سينهار المجتمع، مثل انهيار الجسد الظامئ من العطش، وكما قال لي ناصر “الماء هو كل شيء”.

والسؤال هنا متى ستبدأ الحكومة الاردنية في العمل على هذا النحو؟

 

سهى معاوية صحفية مقيمة في عمّان، الأردن، ويتم نشر أعمالها في مجلة فورين بوليسي ومجلة سي تي سي سينتنيل، كما تقوم بكتابة تقارير لصحيفة وول ستريت جورنال وكتابة منشورات أخرى عن الأردن وجنوب سوريا.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: