نشرت إحدى رائدات قنوات التواصل الاجتماعي، أمريكية الجنسية وهي في إجازة في جنوب إفريقيا مؤخرًا مقطع فيديو “والذي انتشر على الانترنت بسرعة” سلط ذلك المقطع الضوء على المفاهيم الخاطئة للمسافرين حول القارة السمراء، وأعربت في الفيديو عن دهشتها من عدد المعاملات غير النقدية. وقالت بطلة التكتوك: “تستخدم جنوب إفريقيا خدمات “أبل باي”Apple Pay أكثر مما تستخدمه الولايات المتحدة” وباعتبار جنوب أفريقيا من أكثر البلدان الصناعية في القارة، كانت أنظمة الدفع غير النقدية شائعة فيها لعدة سنوات. ولكن لا تزال بقية القارة تعمل بأموال ورقية في الغالب وهذا هو التحدي الرئيسي للتوسع الكبير للتكنولوجيا المالية في جميع أنحاء أفريقيا.

وتوقع ماكينزي في تقرير جديد أن ينمو قطاع التكنولوجيا المالية الأفريقي بشكل كبير على المدى القريب، ويمكن أن تصل عائدات التكنولوجيا المالية إلى 30.3 مليار دولار بحلول عام 2025، وهو أعلى بثمانية أضعاف من الإيرادات في عام 2020، وذلك بفضل وصول المزيد من الأفارقة إلى خدمات الإنترنت. ولا يملك ما يقرب من ثلثي سكان إفريقيا “البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة” حساب مصرفي أو وصول كامل للخدمات المالية وفقًا لماكينزي، وأكثر من 90 في المئة من جميع المعاملات المالية تعتمد على النقد، مما أوجد فرصة كبيرة لشركات التكنولوجيا المالية والحكومات.

ويبدو أن تجاوز إدمان القارة على الأموال النقدية هو العائق الأخير أمام ثورة رقمية كاملة بالنظر إلى النمو السكاني السريع في إفريقيا وتغلغل الهواتف الذكية، لكن تسجيل حساب بنكي ليس بالأمر السهل، ويتطلب الانتقال إلى مجتمع غير نقدي معايير تعريف متقدمة مثل القياسات الحيوية.

وكان تقديم تلك الأنظمة بطيئًا ومجزئًا في إفريقيا، وفي كثير من الحالات تكون تكلفة إنشاء قاعدة بيانات المقاييس الحيوية وصيانتها باهظة الكلفة، وتم حل هذه المشكلة مؤخرًا في الهند، التي تبنت طموحًا لا يقوم على الأموال النقدية، فمن خلال خصخصة نظام الهوية الوطنية البيومترية المعروف باسم “أدهار” Aadhaar، والذي يمكن استخدامه في العديد من الخدمات المختلفة في كافة الجوانب الاقتصادية، مثل فتح الحسابات المصرفية وسحب الأموال من أجهزة الصراف الآلي والتقدم بطلب للحصول على رخصة قيادة وتلقي الإعانات الحكومية. لكن نظام “أدهار” لم يكن يسلم من سهام النقد، حيث إن هناك العديد من العيوب الخطيرة حول الخصوصية والأمن السيبراني في قاعدة البيانات.

واتخذت الهند خطوات رئيسية أخرى لتحفيز مستقبلها غير النقدي، ففي شهر نوفمبر من عام 2016، ألغت الحكومة ومن دون سابق أنذرا الأوراق النقدية عالية القيمة (حوالي 86 في المائة من الأوراق النقدية المتداولة)، وخلقت هذه الخطوة مشاكل غير مسبوقة للهنود الذين احتفظوا بمدخراتهم لما بعد التقاعد في شكل أوراق نقدية كبيرة تحت مراتبهم، بينما شهدت المنصات غير النقدية مثل PayTm إقبال كبير حيث اندفع الهنود إلى تقنيات جديدة لتخزين أموالهم، ويشهد تداول العملات الورقية في الهند انخفاضا مستمرا عامًا بعد عام حيث يحتفظ المزيد من الناس بأموالهم في صورة رقمية.

ويؤكد النجاح النسبي لبرنامج “أدار” وإلغاء الأوراق النقدية على الدور الحيوي الذي تلعبه الحكومات في أي تحول غير نقدي، وسوف يتشكل الابتكار في مجال التكنولوجيا المالية دائمًا من خلال التطورات التكنولوجية، ولكن هناك حاجة إلى شراكة بين القطاعين العام والخاص لتحويل ذلك القطاع، ويجب أن تكون الوظيفة الأساسية للحكومة هي إنشاء وصيانة نظام تحديد الهوية القائم على المواصفات الحيوية بالإضافة إلى توفير البنية التحتية.

وتعد البنية التحتية للهواتف الذكية أمرًا بالغ الأهمية لأي تحول غير نقدي في إفريقيا، ووفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال، فإن الاستخدام الواسع النطاق للهواتف المحمولة في إفريقيا قد مكّن من إنشاء خدمات تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول والتي تتيح للعملاء إجراء المعاملات المالية دون الذهاب لأي بنك، وساعدت تلك المنصات كينيا على مضاعفة نسبة البالغين الذين يملكون الأموال عبر الهاتف المحمول إلى 82 في المائة منذ عام 2011، وبمجرد أن يكون لديك عميل جديد في القطاع المالي الرسمي، يصبح من الأسهل بكثير توفير الوصول إلى الرعاية الصحية وخدمات التأمين، والتي بدورها  ستفتح مجالات جديدة أخرى لتحقيق نمو مثير للإعجاب.

إن الصورة الكاملة لمستقبل غير نقدي لا تخلو من النقد، حيث تتيح الأموال النقدية قدرًا معينًا من إخفاء الهوية، والذي تكشفه خدمات الدفع الرقمية. ويعني التكامل الأعمق بين القطاع المالي وأنظمة تحديد الهوية الحيوية أن الحكومات سيكون لديها قدر إضافي من السيطرة على المواطنين، وهو أمر يمكن أن يكون شيئًا جيدًا أو سيئًا بناء على نوع الحكومة.

ومع كل ذلك، فإن مستقبل المعاملات المشتركة غير النقدية هو أمر حتمي إلى حد ما، ويُظهر نجاح منصات الدفع مثل ” أبل باي” Apple Pay وظهور العملات الرقمية للبنك المركزي الاتجاه (الذي لا مفر منه) الذي يتجه إليه العالم، وتنتظر المغانم الناتجة عن تحول إفريقيا إلى الأنظمة غير النقدية، أن تجنيها شركات التكنولوجيا المالية التي لديها خبرة في السوق الأفريقية مثل تلك الموجودة في الشرق الأوسط والصين.

ونظرًا لخبرتهم الخاصة مع قواعد البيانات القائمة على المواصفات الحيوية والخبرة في المنصات غير النقدية، فإن الشركات في الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل مهيئة بشكل خاص للمساعدة في ذلك الانتقال، ولكي يحصل ذلك الانتقال في الدول المنسية في القارة السمراء، ستحتاج البلدان الأفريقية إلى الاعتماد على البلدان الأخرى التي لديها خبرة واسعة في إنشاء برامجها الخاصة، وتعد دول الشرق الأوسط هي الأنسب لتلك المهمة نظرًا لاقتصاديات المعرفة المتنامية وخبرتها في القياسات الحيوية، وفي حين أن إفريقيا قد تكون آخر قارة تفتح ذراعيها للمستقبل غير النقدي، إلا أنها ستكون واحدة من أكبر محركات النمو في مجال التكنولوجيا المالية في أي مكان في العالم. يجب أن يولي المستثمرون والشركات المحيطة بقارة أفريقيا اهتمامًا كبيرا بهذا الأمر.

 

جوزيف دانا هو رئيس التحرير السابق لـ ” إكسبوننشال فيو”، وهي جريدة إخبارية أسبوعية حول التكنولوجيا وتأثيرها على المجتمع، وعمل أيضًا كرئيس تحرير “إميرج 85”  وهو مركز يستكشف التغيير في الأسواق الناشئة وتأثيره العالمي.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: