هو سؤال لم يحظَ بالطرح المناسب؛ علنًا على الأقل. لكن هل الطرح العام المبدئي لأسهم في شركة “أرامكو” هو حقًا الوسيلة المثلى لتحقيق الأهداف التي تحاول البلاد تحقيقها؟ هل يمكن لنهج أكثر تطورًا أن يجلب للمملكة قيمةً أكبر، وأن يساعد في تحفيز حيوية مُضاعفة في أنحاء الشركة؟

القيمة التقديرية، التي يتحدث عنها باستمرار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان منذ كشف عنها في لقاء إعلامي عام 2016، تصل إلى ملياريْ دولار أمريكي. لكن ماذا سيحدث حين تقترب الشركات من تحقيق نصف هذا المبلغ؟ حتمًا سيدور حديث حول حجم الزيادة في القيمة المُستحقة إذا تم تقسيم ذلك المبلغ إلى أجزائه الرئيسية.

لنتخِذ مثالُا من شركة “ألفابيت Alphabet”، الشركة الأم لشركة “غوغل”، والتي تقارب قيمتها الإجمالية في السوق هذا العام 800 مليار دولار أمريكي؛ بما يضعها في نفس مستوى شركات “مايكروسوفت” و”آبل” و”أمازون” كصاحبات أعلى قيمة مُقدَّرة بين الشركات المطروحة للتداول العام على مستوى العالم. حتى حين ننحي جانبًا الحديث عن التفكيك الإجباري لشركة “ألفابيت” وبعض العمالقة الآخرين في المجال التقني من جانب الحكومة الأمريكية، باسم مكافحة الاحتكار، فثمّة حجّة جيدة يمكن طرحها هي أن قيمة الشركة سترتفع كثيرًا إذا اتجهت طوعًا إلى تجزئة نفسها.

“لورا مارتن”، المحللة ببنك “نيدهام وشركاه” الاستثماري بنيويورك، أشارت في ملاحظة بحثية لها إلى أن المستثمرين يفضلون أسهم “الاستثمار الخالص” على الشركات المركبة، وعادةً ما يقدِّرون للأولى قيمةً أكبر. وخمَّنت “لورا” أن “ألفابيت” قد انقسمت إلى ثلاث شركات منفصلة، وهذا من شأنه أن يزيد قيمتها بنحو 50 بالمئة عن القيمة التي كانت تُقدَّر بها إذا ظلت على حالتها الأولى. على سبيل المثال، ستُقدَّر منصة “يوتيوب” القائمة بذاتها بقيمة 200 مليار دولار، أو بزيادة قدرها 30 بالمئة عن قيمتها المُستحقة كجزء من “ألفابيت”.

هل ينطبق هذا على شركة “أرامكو” كذلك؟ وفي إطار محاولة بيع حصة في الشركة للتداول لن تكون أكبر حصة مطروحة للتداول العام في العالم، وإنما ستمثل ضعف حجم الحصة التالية لها في الترتيب، ألا يعني ذلك حتمًا التخلي عن قدر هائل من القيمة لمجرد تحقيق ذلك اللقب؟

يكمن المكوِّن الأعظم للقيمة في “أرامكو” في احتياطياتها النفطية الهائلة، المُقدَّرة بحوالي 268 مليار برميل، أو نحو 18 بالمئة من إجمالي احتياطي النفط في العالم. لكن، ولأسباب متنوعة، لطالما كانت تلك الاحتياطيات النفطية ضمن كبري العقبات فيما يتعلق بتقدير قيمة “أرامكو”. يرجع ذلك إلى سبب واحد، هو أن القيادة السعودية قد أوضحت أن احتياطيات النفط والغاز الطبيعي ستظل ملكًا للمملكة، ومن ثمّ ففي الواقع لن تبيع المملكة حصة من أسهم تلك الاحتياطيات.

على أية حال، لا يجري تقييم شركات النفط على أساس النفط الكامن بباطن الأرض؛ وإنما على أساس حجم الإنتاج الذي يُرجَّح أن تقدمه على مدار 10 سنوات مثلًا، ومدى قدرتها على استخراجه بأرخص طريقة ممكنة.

قد تكون إحدى طرق الوصول إلى أقصى قيمة لأعمال “أرامكو” التجارية الأساسية هي وضع قيمة الإنتاج في مشروعها التجاري الناشئ، أي شركة “أرامكو للتجارة”. لطالما كانت “أرامكو” فيما مضى، كمثل سائر منتجي النفط في منطقة الخليج العربي، متحفظة للغاية فيما يخص إنشاء مشروعات تجارية مماثلة للمشروعات التي تنشئها الشركات الدولية الكبرى المنتجة للنفط. إلا أن شركات النفط الخليجية المحلية قد اتخذت جميعًا، خلال السنوات القليلة الماضية، خطوات نحو إنشاء ذلك النوع من المشروعات المتقدمة التي من شأنها أن تجلب مزيدًا من الدولارات من كل برميل.

وجود ذراع تجارية مستقلة لشركة “أرامكو”، تتمتع بحق حصري في استغلال النفط الخام والمنتجات الفرعية لـ “أرامكو”، كان ليمنحها ميزة هائلة في مواجهة شركات النفط الأخرى وكذلك شركات تجارة السلع. كذلك كان من الممكن أن يساعد في التعامل مع الغموض المحيط بمسألة فرض الضرائب ورسوم حقوق الملكية على الإنتاج، وأن يساعد أيضًا في الامتثال للحصص التي تقررها منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، من خلال استغلال تلك العناصر في صفقات تقوم على المنفعة الذاتية.

من المؤكد وجود عقبات يتعيّن التغلب عليها، مثل حقيقة أن “أرامكو” تعتمد بالأساس في بيع النفط الخام خاصتها على تعاقدات طويلة الأجل مع العملاء مباشرةً. لكن كثيرًا من خبراء المجال قد دفعوا إلى ضرورة تغيير هذا النهج على أية حال. إذا كان ذلك النهج ملازم لوجود مشروع، ففي إمكان القادة السعوديين أن ينشئوا واحدة من شركات تجارة السلع الأعلى ربحًا في العالم، بقيمة مُقدَّرة عملاقة بالمقارنة بقيمة الشركات الرائدة حاليًا في هذا المجال، كشركة “جلينكور” المُقدَّرة قيمتها بنحو 30 مليار دولار. بالفعل أصبح الهدف المعلن لشركة “أرامكو للتجارة” أن تصبح “إحدى أكبر ثلاثة مراكز للنفوذ التجاري”، حيث ركَّزت الشركة نشاطها على تجارة المنتجات الفرعية. كل ما يلزم لتحقيق هذا الهدف هو رفع سقف ذلك الطموح.

ثمّة مزايا أخرى لنهج الانقسام تتفق مع الأهداف الرئيسية للمملكة. يقول الخبراء بأن الشركة التجارية يمكن لها أن تتمركز خارج المملكة؛ بل وينبغي عليها ذلك حسبما يجادل الخبراء. هذا من شأنه أن يتيح للشركة أن تتمتع بشفافية وحيوية أكبر بكثير مما اعتادت “أرامكو” طويلًا أن تكون عليه. الفحص الدقيق لشركة “أرامكو للتجارة” عند طرحها للتداول العام من شأنه أن يضعها تحت ضغط فيدفعها إلى العمل، ومن ثم تنضم إلى نمط المنظمات الذي يجذب رواد الأعمال السعوديين النشطين.

كذلك يمكن أن يسري هذا التقسيم على الأعمال الفرعية لشركة “أرامكو”، حيث تتبع الشركة بالفعل استراتيجية عالمية طموحة تركّز على صناعة البتروكيماويات، تجلَّت في دمج أصول الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) العام الماضي. تهدف هذه الاستراتيجية إلى تطوير تلك الأعمال كي تصبح الشركة الرائدة عالميًا في مجال التكرير وصناعة البتروكيماويات خلال الأعوام القليلة القادمة. كما أن احتمالية وجود مشروع عالمي فرعي منفصل يتمركز أيضًا خارج المملكة تخلق بدورها بعض الفرص التي تخلقها الذراع التجارية للشركة، بهدف تعزيز شفافية الشركة وحيويتها.

السؤال الرئيسي المطروح أمام القيادة السعودية هو ما إذا كانت تلك الاستراتيجية تتفق مع الهدف المالي النهائي للمملكة؛ وإن لم تنشأ عنها “أكبر شركة مطروحة للتداول العام في العالم”.

ويتمثل ذلك الهدف النهائي في بيع حصة نسبتها 5 بالمئة من أسهم شركة تبلغ قيمتها 2 تريليون دولار، وهي تعادل 100 مليار دولار. لكن ألم يكن من الأفضل بيع نسبة 30 بالمئة مثلًا من الأسهم مُقسمةً على وحدتين أو أكثر، بحيث تساوي تلك الدفعات مجتمعةً 600 مليار دولار أو أكثر، بما يجلب ربحًا قدره 180 مليار دولار على الأقل وينتج عنه شركات أكثر شفافية وقابلية للتداول في البورصة؟ سيكون ذلك الحل أقل مبالغةً في التكلفة؛ في حين ستكون كل وحدة من تلك الوحدات رائدة عالمية في مجالها، وستظل المملكة محتفظة بملكيتها وسيطرتها الكاملتين على أصولها المحلية الأساسية.

أيضًا ستكون الأقسام الصغيرة أكثر قابليةً إلى حدٍ بعيد لتشجيع التغيير في ثقافة الشركة، والتي تعد سببًا رئيسيًا في زعزعة استقرارها في المقام الأول.

“أنطوني مكولي” صحفي مالي شملت وظائفه العديدة، على مدار 30 عامًا من الخبرة، عمله مراسلًا لصالح وكالة “رويترز” في منظمة “أوبك”، ثم مديرًا لتحرير الموقع الرسمي التابع للوكالة والخاص بشركة “أمريكاز إنرجي” الكائنة بمدينة “نيويورك”. وفي شركة “الإيكونوميست” الإعلامية البريطانية، كان “مكولي” المحرر المسؤول عن إطلاق وحدة الطاقة في قسم بيانات الصناعة بوحدة التحريات في الشركة. يقيم “مكولي” حاليًا بمدينة “نيو أوليانز” الأمريكية، حيث يكتب عن الأعمال التجارية لصالح الصحيفة المحلية “تايمز بياكيون – نيو أورليانز أدفوكيت”.

 

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: