تمر لبنان بأزمة اقتصادية متفاقمة، وانخفاض في قيمة العملة، وازدياد في معدلات التضخم. وبات الوضع خطيرًا بالنسبة للسكان والحكومة، مع الحاجة إلى طلب تمويل طارئ من صندوق النقد الدولي.
إلا أن صندوق النقد الدولي ليس جهة الإقراض الوحيدة التي يتطلع إليها بعض اللبنانيين. حيث تروج جماعة حزب الله المتشددة، والتي تتولى منصبًا في الحكومة، لإمكانية وجود ممولين بديلين لتخفيف الضرر الاقتصادي الذي تعاني منه لبنان. فقد قال زعيم حزب الله “حسن نصر الله” في منتصف حزيران/ يونيو أن الصين مستعدة لاستثمار مليارات الدولارات في البنية التحتية اللبنانية. وأثار اجتماع عُقد في 30 حزيران / يونيو بين وفد صيني ورئيس الوزراء اللبناني، إلى جانب وزراء الصناعة والأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه والسياحة والبيئة، المزيد من التكهنات المثيرة حول استعداد الصين للاستثمار في لبنان كجزء من مبادرة الحزام والطريق.
فالاستثمار الصيني في لبنان ليس مضمونًا بعد، وقد تحجم بكين عن فكرة استثمار الأموال في واحدة من أسوأ أزمات الديون في العالم. ولكن سلط هذا الوضع الضوء على حقيقة أن الدول الأفقر أو الأصغر في الشرق الأوسط قد تتطلع للحصول على قروض من الصين لتمويل استثمارات البنية التحتية أو تخفيف الأزمات الاقتصادية. وبدت بكين راغبة في التفكير في مثل هذا السيناريو: ففي عام 2018، في منتدى التعاون الصيني العربي، ذكر الرئيس “شي جين بينغ” أن الصين كانت مستعدة لتقديم قروضًا بقيمة “20” مليار دولار أمريكي إلى العالم العربي. وبصرف النظر عن لبنان، غالبًا ما يُشار إلى دول أخرى على أنها المستفيد الأكبر من سخاء الصين ومنها سوريا والأردن واليمن.
وستؤدي تلك القروض حتمًا إلى زيادة نفوذ الصين: فمن الطبيعي أن يحافظ المرء على علاقة جيدة مع جهة الإقراض الخاص به، وعلى هذا ستزيد الديون من نفوذ بكين. وباتت الصين، على سبيل المثال، تمتلك أكثر من 70 في المائة من ديون جيبوتي، وهي دولة ارتفع فيها الدين العام والذي يضمنه القطاع العام إلى أكثر من 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ومن الجدير بالذكر أيضًا أن الصين اختارت جيبوتي كموقع لقاعدتها العسكرية الخارجية الوحيدة، على الرغم من اعتراضات واشنطن.
ورغم ذلك، هناك مخاطر أخرى يجب على دول الشرق الأوسط النظر إليها عند تحمل الكثير من الديون الصينية. وتكون القروض الصينية مضمونة في الغالب بمشاريع البنية التحتية، وعند تعثر سداد القروض، تكون مشاريع البنية التحتية تلك معرضة لخطر التخصيص.
وهناك أمثلة كثيرة على ذلك في إفريقيا وجنوب آسيا، والتي قد تكون بمثابة دروسًا مفيدة. ففي سريلانكا، استولت بكين بطريقة بغيضة على ميناء “هامبانتوتا” في عام 2017 بموجب عقد إيجار مدته 99 عامًا، وهكذا استحوذت الصين فعليًا على الاستثمار الفعلي الذي كان ضمانًا للدين. وتقع “هامبانتوتا” على طريق ملاحي استراتيجي عبر المحيط الهندي، وهناك مخاوف شديدة في نيودلهي وواشنطن من أن الصين قد تسعى إلى الاستفادة من مرافق الموانئ المختلفة في المنطقة لأغراض عسكرية.
وفي زامبيا، التي تمتلك الصين “30%” من ديونها، أوردت التقارير أن بكين سعت للسيطرة على أصول التعدين في الدولة الغنية بالنحاس أثناء إعادة التفاوض على الديون، وهناك تقارير بأن مفاوضات مماثلة تنطوي على امتلاك أجزاء من المطار الرئيسي للبلاد ومصنع لتوليد الطاقة الكهربية. وتسيطر الصين بالفعل على “60%” من مشروع مشترك مع هيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومية، والتي منحت تراخيص حصرية لتوفير خدمة المحتوى وتوزيع الإشارات.
وقد جرت مفاوضات مماثلة حول مطار أوغندا الرئيسي وميناء مومباسا المربح في كينيا، والذي قيل بأنه وسيلة للصين لضمان الحصول على عائدات من استثمارها في السكك الحديدية الكينية.
قد يكون الاستثمار في البنية التحتية وسيلة فعالة لتعزيز النشاط الاقتصادي الحالي من خلال قطاع البناء، والنشاط المستقبلي من خلال تسهيل التجارة أو السفر. ولكن تحمل ديون كبيرة لتنفيذ تلك الاستثمارات قد يعرض تلك المشاريع للخطر، وخاصة عندما تكون الديون مضمونة بالمشروع ذاته. وعند تنفيذ تلك المشاريع بواسطة الشركات الصينية والتي تستخدم العمالة الصينية، فستكون الفوائد هامشية بالنسبة للبلد المضيف.
وبالنسبة لدول الشرق الأوسط والتي تفكر في طرق لإنعاش الاقتصاد بعد جائحة فيروس كورونا “كوفيد-19″، أو مجرد الحفاظ على خطوط الائتمان والتمويل بعد سنوات من النمو الضعيف و/أو الاقتراض المفرط، قد يبدو الدين الصيني خيارًا جذابًا. حيث يمكنهم الحصول على الدين بدون شروط، مع قليل من الضغوط لإدخال إصلاحات على الحكم. واعتادت الصين التفاوض بشأن الديون لمنع التخلف عن السداد، مع مصادرة الأصول، كما هو الحال في ميناء “هامبانتوتا”، وهو أمر نادر الحدوث.
ويكمن الخطر في أن القروض لن تقدم سوى القليل من الفوائد للدولة المدينة. وفي الوقت نفسه، ستحرص بكين، والتي لها تاريخ في تقديم قروض لمشاريع غير مجدية تجاريًا للحصول على منافع سياسية، على ضمان استرداد أي خسائر متكبدة من خلال وسائل أخرى إذا لزم الأمر.
وبالنسبة للبلدان التي تمر بأزمة، قد لا يمكنها مقاومة الإغراء المتمثل في الحصول على تمويل فوري لمشاريع البنية التحتية، ولكن العلاج قد يكون قصير الأجل. وفي الواقع، فإن دولة ممزقة سياسياً مثل لبنان – وتعج باللاجئين، ولها حدود مشتركة مع دولة فاشلة في سوريا، وتتخبط في الأزمات الاقتصادية والمالية – تقدم فرصاً هائلة لدولة مثل الصين لتغير شكل البلاد بطرق قد لا يعترف بها مواطنوها أو يريدونها.
وأدت أنشطة الصين في دول مثل زامبيا إلى انتقادات لهذا النوع الجديد من الاستعمار القائم على الديون. فبدلاً من السيطرة العسكرية المباشرة كما هو الحال في عهد الاستعمار الأوروبي، فإن البلدان العظمى مثل الصين قادرة على كسب النفوذ، والسيطرة في بعض الأحيان على أهم الموارد أو أصول البنية التحتية لخدمة مصالحها من خلال أدوات التمويل. وبخصوص لبنان، ودول الشرق الأوسط الأخرى التي تفكر في الحصول على قروض صينية، فعليهم الحذر.
كريستيان لامير، مؤسس شركة آرسيبل، وهي شركة استشارات استراتيجية مقرها لندن ولاهاي. عمل “لامير” في وقت سابق ككبير المستشارين في إحدى الشركات بأبو ظبي، وأحد كبار الباحثين في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن.