في خريف عام 1995، لدى حضوري إحدى المحاضرات الدراسية في الجامعة الأمريكية في باريس، بدأ أستاذنا في مناقشة المؤتمر العالمي الرابع للمرأة والذي كان قد انعقد في بكين آنذاك. وراح يعرض في الخلفية صوراً عن ردود الفعل التي برزت حول العالم. وكانت إحدى ردود الفعل هذه كاريكاتير مخزية باللغة العربية صدرت في صحيفة شهيرة ظهر فيها المشاركين وهم يهتفون مطالبين بالحق في الإجهاض والسحاق والبغاء. وأذكر أني غرقت في مقعدي حتى نهاية المحاضرة وكان ذلك صعباً للغاية نظراً لجلوسي في الصف الأمامي كما عادتي. ولربما كان السبب وراء غضب الصحافة العربية تجاه قضية تعتبرها الحكومات الإقليمية مسألة ثانوية هو حقيقة أن المؤتمر عُقد في وقت كان فيه الدبلوماسي المصري بطرس بطرس غالي أمين عام الأمم المتحدة، بينما ألقى الكلمة الافتتاحية في المؤتمر الكردي العراقي عصمت كتاني، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة.

وتذكرت تلك اللحظة بمناسبة الذكرى الثانية عشرة لتأسيس مجلس حقوق الإنسان في شهر مارس. كنت في السابعة عشر وكانت تلك هي المرة الأولى التي أواجه فيها نظرة العالم العربي لحقوق الإنسان، وبدأ نزاعي مع تلك القضية منذ ذلك الحين. إنه لأمر مؤسف حقاً أنه وفي أجزاء كثيرة من هذه المنطقة ما زال الإنسان يفتقر إلى حقوق يتعين أن تكون مكتسبة بحكم الفعل.

قبل عام من تلك المحاضرة في باريس، قدمت مجموعة من خبراء حقوق الإنسان العرب إلى الجامعة العربية مسودة وثيقة للميثاق العربي لحقوق الإنسان. وطُرحت فكرة هذا الميثاق في عام 1970، عندما شكلت جامعة الدول العربية لجنة من الخبراء المكلفة بصياغتها. وغني عن القول إنها واجهت تحديات عديدة على مر العقود واعتمدت نسخة 1994 فقط من قبل دولة واحدة (العراق)، ولم يتم اعتماد النسخة النهائية إلا في اجتماع للجامعة العربية عقد في تونس عام 2004، وبعد أن تم إدخال بعض التعديلات عليها في عام 2008.

وتكمن أهمية هذا الميثاق أنه لم يفرض من الخارج، وأنه صدر عن المنطقة. وعلى الرغم من مشاركة الدبلوماسي اللبناني شارل مالك في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تم تبنيه في عام 1948، لطالما اعتبر للميثاق بشيء من الارتياب والشك والغضب حيث تزامن تصديقه مع إنشاء دولة إسرائيل، مما أدى إلى تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين.

إنه لمن سابع المستحيلات أن يحلل المرء وثيقة كهذه في بضعة أسطر من مقالة رأي قصيرة كهذه. ولذلك لن أذكر سوى البنود الثلاثة التي تغطي عقوبة الإعدام وحرية التعبير وحقوق الجنسية حيث إنها رمز للنضال الحقوق لتصبح مكتسبة بأكملها.

في النسخة الأولية من الميثاق، تنص المادة 12 على أنه “لا يجوز توقيع عقوبة الإعدام على شخص يقل عمره عن 18 عامًا”. ومع ذلك، وفي نسخة عام 2004 على سبيل المثال لا الحصر، فإن المادة 7 تنص على أن “الجملة” لا يجوز فرض عقوبة الإعدام على الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا، ما لم ينص على خلاف ذلك في القوانين السارية وقت ارتكاب الجريمة”. وتصبح هنا عبارة “ما لم” جوهرية.

وتنص المادة 26 في نسخة 1994 من الميثاق على أن “لكل شخص حق مضمون في حرية المعتقد والفكر والرأي” دون أي وصف. بينما تنص المادة 32 في نسخة عام 2004 “تضمن الحق في المعلومات وحرية الرأي والتعبير”، لكنها تنص على أن حرية الرأي تخضع لقيود مثل “احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم أو حماية الأمن القومي، والنظام والصحة العامة أو الأخلاق.”

وذكرني وصف حرية التعبير هنا بقول مقتبس من برنامج “ليتل بريتن” أي بريطانيا العظمى، حيث تقول شخصية فيكي بولارد: “نعم ، ولكن لا.”

فيما يتعلق بحقوق الجنسية، تقدم نسخة 2004 تحسيناً طفيفاً على نسخة 1994 من حيث نصها على أنه يجب على الدول “السماح للطفل بالحصول على جنسية الأم” (المادة 29)، على الرغم من أن كلا النسختين الأولى والثانية تسمح للدول بتجريد المواطنة وفقا لقوانينها الخاصة.

وتنص ديباجتي النسختين على “رفض جميع أشكال العنصرية والصهيونية”، بيد أن نسخة 2004 أضافت عبارة “التي تشكل انتهاكًا لحقوق الإنسان وتهديدًا للسلم والأمن الدوليين”. وهذه الإضافات فضلاً عن التغيير المتعلق بعقوبة الإعدام للأطفال وحقوق النساء وغير المواطنين دفعت المفوضة السامية لحقوق الإنسان لويز أربور إلى الإعلان أن الميثاق “لا يتوافق مع المعايير الدولية”.

يمكن اعتبار التغييرات التي أدخلت على الميثاق العربي لحقوق الإنسان بين عامي 1994 و2004 بمثابة مقياس لتراجع حقوق الإنسان في المنطقة. نشأت نقاط القوة في الوثيقة الأصلية عن أنها كتبت بالتشاور بين مجموعات تابعة للمجتمع المدني العربي والتي تم تهميشها أو إغلاقها منذ ذلك الحين. أما بعد، فلا يعني اعتماد أي ميثاق لحقوق الإنسان بالضرورة أنه يتم تطبيقه. ومع ذلك وعلى الرغم من تخفيف النسخة النهائية، فهناك بعض الشروط الهامة التي يمكن تنفيذه قد تسهّل في إحداث تحسينات بحقوق الإنسان يبقى العالم العربي بأمسّ الحاجة إليها. أفلا يرتقي العالم العربي إلى رؤيته الخاصة؟

AFP PHOTO/IAKOVOS HATZISTAVROU

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: