بعد أسبوع واحد من تطبيق قرار السماح للنساء بقيادة السيارات في المملكة العربية السعودية بدت المملكة بشكل مختلف عن ذي قبل، وكانت نساء المملكة في صدارة هذا التغيير، حيث بدأن بنشر الصور ومقاطع الفيديو على شبكات التواصُل الاجتماعي وهن جالسات أمام عجلة القيادة، وبدأت تظهر نقاشات عامة حول ماركات السيارات التي ستقوم النساء بشرائها، والواقع أن القانون الجديد الذي سمح للنساء بقيادة السيارات؛ ليس سوى غيض من فيض. إن قرار السماح للنساء بقيادة السيارات وضع المملكة على نفس خُطى باقي الدول الخليجية بل والعالم أجمع، كما أن القرار كان بمثابة رسالة قوية بأن المملكة تشهد تغيُرات جذرية، لكن هذا التغيير لن يقتصِر على ظهور سيارات جديدة على طرق المملكة، فقرار السماح للنساء بالقيادة هو أحد التحولات الهامة التي تشهدها المملكة، وهي تحولات اجتماعية وثقافية – وإلى حد أبعد بكثير – اقتصادية، وتلك التحولات كان لها تأثير على العائلات كما كان لها أيضاً تأثير على قرارات الشركات الكبرى، أي أن التأثير الحقيقي لقرار حكومة المملكة ستتخطّى آثاره السيارات وطرق المملكة.

وقد كان هناك حظر في المملكة على قيادة السيدات للسيارات استمر لعشرات السنين، وكان عبء هذا الحظر يقع بالأساس على عائلات الطبقة دون المتوسطة، فالعائلات القادرة كانت تجلب سائقاً لأجل مساعدة السيدات على التنقُل، وكل سيدة في تلك العائلات غالباً ما يوجد لديها سيارة خاصة وسائقاً خاصاً.

لكن تلك العائلات التي لا تستطيع تعيين سائق أو تلك التي تنجح في ذلك بالكاد، كانت من أكثر الطبقات التي تُعاني من قرار حظر قيادة السيدات للسيارات، وهناك عائلات أخرى في المملكة العربية السعودية، ودول أخرى عديدة، عليها أن توازن بين نفقات الأطفال وبين الراتب الذي يتقاضاه الأب، لذا فإن تلك العائلات في المملكة العربية السعودية كان عليها أن توازن بين تلك الرواتب المتواضعة وبين نفقات إحضار سائق بما سيترتّب على تلك العملية من تكبيد الأسرة نفقات جديدة، لذا فإن هذا الحظر كان يُكلِف العائلات السعودية نفقات إضافية، وتلك هي المشكلة التي لم تنل حظها من تسليط الضوء عليها، لذا فإن هذا الحظر كانت له أضراراً ليست بالهيّنة.

وفيما يخُص الأثر الاقتصادي لقرار رفع الحظر عن قيادة السيدات للسيارات، فإنه سيجذب اهتمام الشركات والمحللين، ويمكن لنا أن نقسم هذا الأثر الاقتصادي إلى عنصرين، عنصر مباشر وآخر غير مباشر.

والواقع أن التأثير المباشر لهذا القرار سيشمل مبيعات السيارات، فضلاً عن أن النساء السعوديات اللاتي يقدن السيارات سيكونن أكثر عدداً من نظرائهن في باقي دول مجلس التعاون الخليجي، ومعنى هذا أنه في خلال وقت قصير، شهور وليس سنوات، ستكون هناك مليونيّ سيدة سعودية يسعين لشراء سيارة، وحتى إن لم تكن جميع تلك السيارات جديدة، فإن الرقم في حد ذاته (مليونيّ سيارة) كفيل بأن يسيل له لعاب جميع شركات السيارات في المملكة، (والاستفادة هنا لن تقتصِر على شركات السيارات وإنما ستشمل البنوك حيث ستحاول الكثير من النساء الحصول على قرض لشراء سيارة، وكذا شركات التأمين).

وهناك تغيُرات أخرى غير مباشرة، ولكن آثارها ستكون أكثر قوة، ولكيّ نفهم تلك التغيُرات علينا أن نستوعب أولاً كيف تأقلم المجتمع السعودي مع كون المملكة هي الدولة الوحيدة في العالم التي تفرض حظراً على قيادة النساء للسيارات.

وفي البداية، يجب أن نعلم أن نسبة كبيرة من النساء السعوديات لا يعملن، وذلك يعود في الأساس إلى ارتفاع تكاليف تعيين سائقين لهن، والحقيقة أن نسبة النساء العاملات تصل إلى 20% من مجموع النساء على مستوى المملكة، وهي نسبة قليلة مقارنة بدول مثل الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة التي لا تقل ثراءً عن المملكة العربية السعودية والتي تصل نسبة النساء العاملات فيها إلى 40%، وهذا يعني أن نسبة كبيرة من القوة العاملة من النساء على مستوى المملكة لا يزلن من ربات البيوت حتى الآن.

وتأمل حكومة المملكة في زيادة نسبة النساء العاملات لتصل إلى 28% في غضون العامين القادمين، والحقيقة أن زيادة نسبة النساء العاملات ولو بقدر ضئيل نسبياً ستؤثِر على الناتج المحلي الإجمالي بصورة كبيرة، ويأتي هذا في وقت تقوم المملكة فيه بتنفيذ خطط تهدف إلى توفير مزيد من فرص العمل للمواطنين السعوديين عبر تدريب العِمالة الوطنية، وكذا فإن زيادة نسبة النساء العاملات سيجبر الحكومة على توفير وظائف للسيدات اللاتي كن خارج سوق العمل لسنوات عديدة وربما لعقود.

وبالطبع فإن النساء السعوديات العاملات يقمن بتعيين سائقين، وإجمالي عدد هؤلاء السائقين وفقاً لتقرير حكومي بلغ مليون سائق، وجميع هؤلاء يحتاجون لتقاضي رواتب وتوفير إقامة ونفقات إضافية خاصة بتأشيرة الدخول… إلخ، والآن لم تعُد هناك حاجة لنسبة كبيرة من هؤلاء السائقين، وعلى هؤلاء العودة إلى بلادهم، وتلك النقطة لم تتم مناقشتها بالشكل الكافي، حيث أن هناك عشرات الآلاف من السائقين مُعظمهم من جنوب آسيا سيجدون نفسهم عُرضة للبطالة إذا ما فشلوا في الحصول على عمل بديل، ومن ناحية أخرى، فإن توفير مرتب السائقين سيرفع من مستوى دخل العائلات، (وهذا الفائض من المال سيدور في فلك الاقتصاد السعودي ولن يذهب إلى خارج البلاد في شكل حوالات مالية، وهو ما يضُرّ بالاقتصاد السعودي بلا شك).

والحقيقة أنه سيكون هناك تغيُرات أخرى، فقد كانت بعض الشركات تعطي للنساء العاملات بدلاً مالياً لنفقات السائق، والآن سيتوقّف العمل بهذا النظام، مما يعني تقليل تكلفة تعيين النساء في تلك الشركات، وسوف يؤدي ذلك بالتبعية إلى زيادة تعيين النساء في الشركات ولو بصورة نسبية، حتى أن بعض الشركات باتت تفتتح فروع لها في المراكز الحضرية لذات الغرض.

وعلى الصعيد الاجتماعي سيؤدي ذلك إلى بعض التغييرات الاخرى مع مرور الوقت، وتلك التغييرات لن تتم بشكل فوري وإنما على المدى الطويل، فقد اعتادت العائلات على أن النساء لا تقود السيارات، والآن تغيّرت تلك الفكرة، وسيكون هناك العديد من الخيارات فيما يتعلّق بمن يقوم بشراء حاجات المنزل أو توصيل الأطفال إلى المدرسة، ومن الممكن أن يؤدي هذا إلى ابتعاد السكان عن المناطق الحضرية، أو أن يقرر هؤلاء إلحاق أطفالهم بمدارس مختلفة.

والواقع أنه من أهم شكاوى النساء بالمملكة؛ فيما يتعلّق بمنعهن من قيادة السيارات؛ هي أنهن كن مُجبرات على الاعتماد على الغير، فالأمهات يحتجن أبنائهن لقيادة السيارة، وكذا فإن الفتيات كن يطلبن العون من أشقائهن، تلك الظواهر الاجتماعية ستشهد تحولاً خلال الفترة القادمة.

وبمرور الوقت؛ ستؤدي تلك التغييرات البسيطة إلى تحولات ضخمة على مستوى مدن المملكة، كما ستشمل تلك التحولات الأيدي العاملة والعلاقات الأسرية.

وعلى مدار سنوات، كانت هناك ضغوطاً من داخل وخارج المملكة من أجل التغيير، ودُعاة التغيير يرون أن فكرة السماح للسيدات بقيادة السيارة ستكون رمزاً للتغيير على مستوى المملكة، والآن وبعد أن باتت تلك المسألة حقيقة واقعة، فإن آثارها لن تقتصِر على الطرق والسيارات، بل أنها ستطال مجالات أخرى عديدة.

AFP PHOTO/Amer HILABI

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: