يعيش العالم العربي مرحلة فاصلة، فبعد أن تمتع هذا العالم بالبترول والأموال والتطور التكنولوجي في مرحلة مبكرة، يتطلع الجيل الجديد في هذا العالم العربي إلى الالتحاق بركب باقي دول العالم من خلال الحصول على أكثر الأشياء أهمية في تلك الفترة التي تشهد تطورات مفاجئة على صعيد الفرص والتعلم، وهذان الأمران كفيلان معًا بفتح الآفاق نحو المستقبل.
وتلك هي الكلمات التي قالها أول عربي ومسلم يصعد إلى الفضاء وهو الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وصرح الأمير بقوله هذا في العام 1985 وذلك بعد أن أقلعت طائرته الحربية التابعة لسلاح الجو السعودي إلى الفضاء الخارجي من مركز كيندي للفضاء من على متن مكوك الفضاء ديسكفري. وكان الأمير في مهمة تستغرق سبعة 7 أيام من أجل نشر قمر صناعي تابع ل منظمة الاتصالات الفضائية العربية وتُعرف أكثر باسم عرب سات بالإضافة الى بعض المهام الاخرى. ومن هنا أصبح الملك بطلاً ليس في المملكة العربية فحسب بل في جميع أنحاء المنطقة. وقطع الأمير خلال رحلته مسافة 4,67 مليون كيلومتر، وذهب إلى مكان لم تطأه قدم شخص عربي من قبل.
وفي مقابلة شخصية لي معه في العام 2008، قال الأمير سلطان، ابن الحاكم الحالي للملكة العربية السعودية وهو الملك سلمان، ستدرك كم أنت صغير، إننا مجرد بقعة في هذا الكون.
وفي هذا الشهر، وبعد مرور ثلاثة وثلاثين 33 عامًا، يتردد صدي نفس كلمات الأمل والطموح، ولكنها هذه المرة في دولة الإمارات العربية المتحدة والتي كشفت عن أول رائدي فضاء لها، وهما هزاع المنصوري و سلطان النيادي، وقد تم اختيارهما من بين أكثر من 4,000 متقدم لبرنامج الفضاء. ورغم ذلك، فسينطلق أحدهما خلال العام المقبل على متن مركبة الفضاء الروسية سويوز والتي ستتوجه إلى محطة الفضاء الدولية، وسيكون الآخر بديلاً له.
وبالطبع، لا تمثل السماء والفضاء والكون شيئًا جديدًا إلى العالم العربي. لقد كان الأمر فقط مجرد مسألة وقت قبل أن تجد المنطقة مكانها الصحيح مرة أخرى في سعيها نحو إجراء دراسات علمية خاصة بالفضاء واكتشاف حدودنا الخارجية. وبالفعل، وكما توقع أحد الشخصيات البارزة في سباق الفضاء بين خصوم الحرب الباردة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي القديم أثناء مقابلة لي معه في العام 2006، أصبح العالم العربي مستعدًا للعودة مرة أخرى إلى مجال الفضاء. لديهم التاريخ والموهبة والأموال للقيام بذلك، هكذا صرح رائد الفضاء الروسي أليكسي ليونوف والذي أصبح في العام 1965 أول رجل يسير في الفضاء.
وبالفعل، وصل العرب مجددًا إلى القمر أو على الأقل تركوا بصمتهم على هذا الجرم الهلالي. وهناك بعض الفوهات البركانية على سطح القمر تحمل اسم علماء من العالم الإسلامي. وفي السياق نفسه، بلغت منطقتنا أيضًا سطح المريخ، وعلى ظهر هذا الكوكب، هناك منطقة يتباين فيها الضوء والظلام – وتسمى ظاهرة ألبيدو – وكانت تسمى أرض العرب نسبة إلى شبه الجزيرة العربية. وتحدث تلك الظاهرة في منطقة تسمى المربعات العربية، وهي إحدى المناطق الثلاثون التي تشكل سطح كوكب المريخ.
ورغم ذلك، ربما أن الأمر الأكثر أهمية من العلامات الاسترشادية في الفضاء الخارجي هو أن دخول العالم العربي مجال الفضاء يرتبط ارتباطًا وثيقًا برؤية لأمير سلطان بعيدة النظر عندما أبدى اهتمامه بهذا المجال منذ ثلاث عقود مضت. ورغم أن العالم العربي يستثمر في الفضاء منذ عقود، إلا إن استثماره في هذا التوقيت هو استثمار فعلي وحقيقي. وفي العام 1997، أسست دولة الإمارات العربية المتحدة أول شركة اتصالات ذات أقمار صناعية في العالم العربي وهي شركة الثريا. والثريا هو اسم للعنقود النجمي الثريا أو ما يُعرف أيضًا بـ الشقيقات السبع، وهو نجم هام يًستخدم في التقويم القديم في دول الخليج، ويُعرف التقويم باسم الدرور. ويعد اختفاء هذا النجم من سماء الليل، في أواخر الأسبوع الأخير تقريبًا من شهر أبريل، انذارا باقتراب بدء فصل عاصف في شبه الجزيرة العربية.
وفي المملكة العربية السعودية، تولت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا مسؤولية تصميم وبناء ثلاثة عشر 13 قمرًا صناعيًا حتى الآن. وتتولى المدينة أيضًا مسؤولية العديد من المراكز البحثية عن الفضاء وعلوم الطيران وذلك بالتعاون مع الشركاء الدوليين. وتتخذ منظمة عرب سات من الرياض مقرًا لها، وتأسست المنظمة في 1976 من خلال الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية والبالغ عددهم 21 دولة، وكان الأمير سلطان قد قدم يد العون للمساعدة في إطلاق أول قمر صناعي لمؤسسة عرب سات.
كما انخرطت الإمارات العربية المتحدة هي الأخرى في بناء الأقمار الصناعية الخاصة بها، وأنشأت أول مركز لأبحاث الفضاء في المنطقة. وتخطط دولة الإمارات العربية المتحدة لإرسال مسبار إلى المريخ في العام 2020. وعندما تنطلق سفينة الفضاء التي تحمل اسم الأمل إلى الكوكب الأحمر، فسيكون على متنها مجموعة من المهندسين والعلماء والرياضيين الذين ترعرعوا في الوطن العربي ويمضون قدمًا في عملهم حاملين إرث الخبرات العربية في مجال دراسة الكون.
لقد شق الفضاء الغبار عن فرص جديدة في اقتصاد المعرفة لدول الشرق الأوسط، ويأتي ذلك في الوقت الذي تعيد فيه المنطقة اكتشاف تراثها الممتد عبر الاف السنين. والآن يتجه العالم العربي نحو المستقبل من خلال اتباع المسار القديم الذي حدده أسلافنا، فلقد عدنا الى الفضاء بالاعتماد على تاريخنا.
AFP PHOTO/KARIM SAHIB