بعد مرور فترة وجيزة على تجنبه أحد المواجهات المسلحة، يستعد الرئيس التركي لمواجهة أخرى. فبعد عدة دقائق من انتهاء الاجتماع الهام الذي جمع بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلادمير بوتين هذا الشهر في سوتشي، نشرت الحكومة التركية عبر منصة التواصل تويتر رسالة منسوبة إلى الرئيس التركي تكشف فيها النقاب عن اتفاق حول إنشاء منطقة منزوعة السلاح في سوريا. كما أوضحت الرسالة أمرين آخرين، أولهما أن حزب الاتحاد الديمقراطيووحدات حماية الشعب الكردية هي التنظيم الأساسي الذي يهدد بتدمير السلام الإقليمي في سوريا، وأن تلك الأوكار الإرهابية الموجودة في شرق نهر الفرات، وليس محافظة إدلب، هي الخطر الأكبر على مستقبل سوريا.

وفي الوقت الذي يراقب فيه العالم الأزمة في إدلب والتي تتكشف أوراقها يوم بعد الآخر، لم ينسى الرئيس التركي أكراد سوريا – وأعلن بوضوح عن نيته في مواصلة الهجوم عليهم. وعبر تلك السنوات من النزاع الدائر في سوريا، أصبح المجتمع الكردي داخل سوريا غير معروف الهوية إلى حد كبير، وقصد هذا المجتمع وجهات متنوعة ما بين إخوتهم الأكراد المقيمين على طول الحدود الشمالية للعراق، ورفقائهم من المواطنين السوريين، والمجتمع الكردي الأكبر الممتد على الحدود التركية.

وبعد مرور عام على رفض رفقائهم من أكراد العراق إقامة دولة لهم، يواجه الآن أكراد سوريا لحظة حاسمة مماثلة، ويحاولون الموازنة بين رغبتهم في الاستقلال وحاجتهم إلى الاعتماد على دمشق لحمايتهم من تركيا، وبهذا وقع أكراد سوريا بين المطرقة والسندان، وهم الآن على حافة الهاوية السياسية، ويعلمون أن زلة واحدة قد تقضي على حلمهم القديم بإقامة دولة كردية منفصلة.

ويعيش أكراد سوريا أوقات عصيبة، بسبب ضعف دمشق وقوتها على السواء، فمنبع قوتها هو أن حكومة الأسد تستعد، باستثناء محافظة إدلب وبعض المناطق المعزولة والخارجة عن سيطرة النظام، أقرب من أي وقت مضى لسحق المتمردين والقضاء على الثورة. وينبع ضعفها في أن النظام السوري، المستنزف بعد سبع سنوات من الحرب، غير مرغوب للحكومة التركية والتي عزمت عزمًا أكيدًا على منع الوجود الكردي على طول حدودها.

إن الحزبين اللذين كان أردوغان يشير إليهما هما حزب الاتحاد الديمقراطي السياسي ويدير المناطق الجنوبية الشمالية في سوريا، ويحظى بحماية الولايات المتحدة الأمريكية، وجناحه المسلح وهو وحدة حماية الشعب. وتؤمن تركيا بأن تلك المجموعات الكردية داخل سوريا تتحالف مع حزب العمال التركي، وهي جماعة كردية مسلحة داخل تركيا وتعتبرها معظم الدول جماعة إرهابية، وتخشى تركيا أن إقامة دويلة كردية على حدودها سيوفر لهم ملاذًا آمنًا إن تمكنوا من هذا.

إن ابتعاد الأكراد عن دمشق سيجعلهم في مواجهة الأتراك بمفردهم، كما أن التقرب إلى النظام سيعرضهم لخطر العودة إلى سيطرته، وفقدان مكاسب الاستقلال، وهذا ما جناه الأكراد من تلك الحرب الأهلية.

وقد منحت الانتخابات التي جرت من فترة قصيرة أول بارقة أمل للأكراد نحو ما يصبون إلى تحقيقه. ففي يوم الأحد الموافق السادس عشر من سبتمبر العام 2018، نظمت سوريا أول انتخابات محلية لها منذ العام 2011، غير أن الأكراد في المناطق الشمالية والشرقية يرفضون إجراء الاقتراع. لأن موافقة الأكراد على إجراء الاقتراع لصالح النظام معناه أن الأكراد موافقون على أن تكون دمشق هي المسؤولة عن مناطقهم، حيث انهم يسعون نحو الحكم الفيدرالي ليكون لهم الاستقلالية الكاملة.

وحتى بعد الإعلان عن رغبتهم في الانفصال عن دمشق، فان هناك استعداد لدى الأكراد بأن يتصدروا خط المواجهة للدفاع عن النظام، وفي هدوء، التحقت الميليشيات الكردية بقوات النظام لمهاجمة محافظة إدلب. ويثير الانضمام إلى النظام بهذا الشكل جدلاً واسعًا داخل سوريا والغرب.

ويرى الغرب أن الأكراد، بعد أن استفادوا من الحماية والتدريب والسلاح الذي تقدمه لهم الولايات المتحدة الأمريكية في معاقلهم في المناطق الشمالية الشرقية، يستخدمون الآن تلك الأسلحة لمساعدة النظام السوري رغم مناوئة الولايات المتحدة الأمريكية لهذا النظام.

وبالنسبة للسوريين الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها الثوار، يمثل التحاق السوريين الرفقاء بالنظام خيانة لهم فهذا النظام قد سلبهم أرضهم وقتلهم.

ورغم ذلك مازال المجتمع الكردي وفقًا لحساباته يرى أن هذا الطريق هو الأفضل لاستعادة معاقله.

وفي وقت سابق من هذا العام، طرد الجيش التركي المقاتلين الأكراد من مدينتهم الحيوية والإستراتيجية ألا وهي عفرين، تلك المدينة الواقعة بين حلب والحدود السورية التركية. ويأمل المجتمع الكردي ان يسترد تلك المدينة وذلك من خلال تقديم الدعم للنظام السوري في الوقت الحالي لتمكينه من استعادة إدلب مقابل الحصول على دعم النظام لاحقًا لاستعادة عفرين. وأعلن القادة الأكراد صراحة عن هذا التحالف. ويبقى أنه بغض النظر عن مباركة النظام لهذه الصفقة من عدمه، فلم يعرف حتى الآن مصيرها.

وفي الوقت الراهن، نجد أن الأكراد أضعف ما يكون عسكريًا لمواجهة الدولتين التركية أو السورية، فضلاً عن ضعفهم السياسي. وتعيش الحركة الكردية في سوريا توترات داخلية بين جماعاتها المتنوعة، فضلاً عن الخلافات المتعلقة بآلية التعامل مع المجتمعات الكردية في تركيا والعراق.

والأهم من ذلك هو أن الأكراد يسعون لتفادي الأخطاء التي ارتكبها أكراد العراق في العام الماضي وذلك بعدما دفع أكراد العراق بقوة في اتجاه الاستفتاء آملين بذلك إجبار بغداد على تقديم المزيد من التنازلات. وكان الرد من بغداد مدمرًا، إذ بعثت بغداد بقوات إلى الشمال لتأمين كركوك، تلك المدينة متعددة الأعراق والغنية بالنفط والتي سيحتاج إليها أكراد العراق للخروج بدولتهم إلى عالم الأحياء، وانسحبت القوات الكردية من كركوك، وبعدها أصبح الأكراد أضعف مما كانوا عليه قبل ذلك – بالفعل حيث أصبحت أراضي الأكراد أقل مما كانوا يسيطرون عليه في العام 2003 وذلك بعد سقوط صدام حسين.

ومثلت خسارة عفرين مطلع هذا العام لأكراد سوريا دمارًا مماثلاً، لأنها اللحظة التي بدأت فيها خططهم نحو الاستقلال في الانهيار، وبهذا فإن الانضمام إلى النظام السوري يمنحهم فرصة لاسترداد ما فقدوه.

وبعيدًا عن جميع التحالفات والإستراتيجيات، وجميع الحسابات المتعلقة بآلية إحداث توازن بين النظام السوري والولايات المتحدة الأمريكية، فان هناك مشكلة أساسية السير بدون وعي عبر المشهد السياسي، بمعنى أن أكراد سوريا يرغبون في دولة لم يعدهم بها أحد حتى الآن.

AFP PHOTO/DELIL SOULEIMAN

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: