تشتهر أسواق النفط بتأرجح أسعارها بشكل سريع، وفي هذا العام، عوضت أسعار النفط خسائرها التي منيت بها بسبب الكساد الذي أصابها منذ أربع سنوات. والآن، هناك مقتل جمال خاشقجي، والانتخابات الأمريكية، والعقوبات الأمريكية على إيران، والحرب التجارية بين الصين وأمريكا وتأتي جميعها في شهر نوفمبر وهو ما يجعل المرحلة القادمة مرحلة هامة لأسعار النفط. ولكي يدرك الشخص العادي إلى أين قد تتجه أسعار النفط، فعليه تقييم ديناميكيات تحديد أسعار النفط بالإضافة إلى تاريخ تلك الأسعار.

وتتسم أسواق النفط بتقلب أسعارها وقصر ذاكرتها ودورتها، والسبب في تقلب أسعار النفط هو أن العرض والطلب “غير مرن” بدرجة كبيرة – حيث يتسم العرض والطلب بالاستقرار، حتى أن الزيادة الكبيرة في أسعار النفط لا تشجع على زيادة جديدة وعاجلة في المعروض لأن اكتشاف حقول النفط وتطويرها يستغرق سنوات عدة، فضلاً عن أن تلك الزيادة في أسعار النفط لن تقلل بدورها كثيرًا من الطلب، والشعوب ما تزال في حاجة إلى وسائل المواصلات للذهاب إلى العمل، وإلى شحن البضائع واستخدام المواد البلاستيكية. وحتى مع شراء المزيد من السيارات التي تتسم بالكفاءة، نجد أن متوسط أعمار أسطول السيارات – وهو “11,5” عام في الولايات المتحدة الأمريكية – يشير إلى أن تأثير الطراز الجديد من السيارات على استهلاك النفط تأثيرًا بطيئًا.

والمعروض أيضًا من النفط عرضة للتوقف بسبب الصدمات غير المتوقعة – مثل الغزو العراقي للكويت في العام 1990، والثورة الليبية في العام 2011، واستمرار انهيار الاقتصاد الفنزويلي، والعقوبات الأمريكية على صادرات النفط الإيراني في العام 2012-2015 وآخرها هذا العام. ويتناسب الطلب على النفط طرديًا مع حالة الركود الاقتصادي، مثلما هو الحال عندما تهاوت أسعار النفط من سعرها القياسي والذي بلغ “143” دولار للبرميل في يونيو 2008 لتصل إلى 34 دولار للبرميل في ديسمبر من نفس العام، وذلك في أعقاب الأزمة المالية العالمية.

ويقترن قصر الذاكرة بقصر النظر. وتبلغ أسعار النفط الحالية “80” دولار للبرميل وهو سعر يبدو منخفضًا مقارنة بالسعر “العادي” البالغ “100” دولار للبرميل والذي كانت تطبقه صناعة النفط خلال الفترة من 2011-2013، ورغم ذلك يبقى هذا السعر مرتفعًا مقارنة بشعار “منخفض لفترة أطول” والذي تبنته صناعة النفط من الفترة 2014 حتى 2016، والأسوأ من ذلك، هو وصول سعر البرميل إلى “10” دولار أثناء الأزمة المالية التي ضربت الصين. وفي العام 1998، وأثناء تهاوي أسعار النفط، انخفض الاستثمار بدرجة كبيرة. وفي فترات الازدهار، ارتفعت أسعار النفط بدرجة كبيرة في ظل تنافس الشركات على جذب العمالة الماهرة وشراء المعدات والاستثمار في مشروعات في مناطق بعيدة وتمثل تحديًا كبيرًا على الصعيد التقني.

والجانب الدرامي في الأمر هو أن بعض الشركات تشعر بالقلق من مستقبل الطلب طويل الأجل على النفط والسبب في ذلك هو ظهور السيارات التي تعمل بالكهرباء. ومؤخرًا، رأت شركة “بريتش بتروليوم” أن الطلب على النفط سيبلغ ذروته في فترة الثلاثينات من القرن الحالي، وهو فترة قريبة من عمر أنابيب النفط والمنصات البحرية والتي تمتد لعدة عقود، بل إن هناك توقع أن ثم ارتفاع كبير في الطلب قد يؤدي إلى انخفاض الاستثمارات في الوقت الحالي، وفي النهاية تنخفض أسعار النفط قبل أن يبلغ الطلب على النفط ذروته.

وبالنظر إلى عدم مرونة العرض والطلب والاستثمارات طويلة الأجل والرؤية المحدودة للقائمين على صناعة النفط سابقًا ولاحقًا، نجد أن كل تلك الأمور مجتمعة تؤدي إلى تكرار ما سبق، الا انه يجب ان تستثنى الدول التي يوجد فيها رقابة على أسعار النفط والتي بدورها تمنع أي تغيير في ظروف سوق النفط، وكذلك الدول التي لا يحدث فيها أي نقص في المعروض من النفط أثناء حدوث الكوارث الطبيعية التي تضرب البلاد.

وكثيرًا ما يتعرض المضاربين للانتقاد بسبب تغير أسعار النفط والتي لا تبدو متوافقة مع وجهة نظر القائمين على صناعة النفط في السوق الفعلي، غير أن المستثمرين في “أسهم” شركات النفط عادة ما يضاربون استنادًا إلى وجهات النظر المسببة، حتى وإن كان يشوبها بعض الاخطاء، المتعلقة بعوامل العرض والطلب والمخاطر والاقتصاد الكلي في المستقبل، الا انه على الرغم من ذلك، قد تستمر تلك المستويات التي لا تطاق في أسعار النفط (سواء كانت منخفضة جدًا أو مرتفعة جدًا) لبعض الوقت قبل أن تعود فجأة إلى مستوياتها العادية.

وكان هذا الأمر واضحًا في الأعوام الأخيرة. وبعد فترة من استقرار الأسعار عند مستويات مرتفعة في العام 2011 – 2013، هبطت الأسعار مرة أخرى فجأة في أواخر العام 2014، والسبب في ذلك هو ما تكشف فجأة من أن إنتاج الولايات المتحدة من النفط يزداد بسرعة، هذا بالإضافة إلى بعض الأخبار السلبية عن الاقتصاد الصيني.

وفي ديسمبر من العام 2016، أبرمت دول من منظمة “أوبك” ميثاق مع بعض الدول الأخرى الرائدة في إنتاج النفط. ويبين هذا الميثاق التزام دول أوبك بتقليص إنتاج البترول بحولي 4,5%، بينما خفضت الدول الأخرى غير الأعضاء في منظمة أوبك إنتاجها من النفط بنسبة صغيرة ولكنها تشكل تخفيض في الانتاج إلى حدة ما. وفي ظل هذا النقص من الإنتاج، يتعرض سوق النفط لأزمة خانقة بسبب ارتفاع الطلب العالمي على النفط بشكل غير متوقع، وترتب على ذلك ارتفاع أسعار النفط من حوالى “45” دولار للبرميل في منتصف العام 2017 إلى أعلى من 86 دولار للبرميل في مطلع شهر أكتوبر.

وهكذا تغيرت الرواية مرة أخرى، وأصبح ما يقلق الآن هو أن تكون المملكة العربية السعودية لا تمتلك القدرة الإنتاجية الكافية لتغطية ارتفاع الطلب على النفط والخسائر المتزايدة نتيجة توقف النفط الإيراني في ظل اقتراب تفعيل العقوبات الأمريكية كاملة في الرابع “4” من نوفمبر.

وأخيرًا، تشعر أيضًا المملكة العربية السعودية وحلفائها في منظمة أوبك بالقلق من أن ارتفاع أسعار النفط قد يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد وإنهاء الطلب على النفط. وتُشير تقديرات منظمة أوبك إلى انخفاض الطلب على النفط في العام 2018 منذ شهر يوليو، هذا وتمثل الحرب التجارية المتنامية بين الولايات المتحدة والصين عاملاً سلبيًا إضافيًا.

ولهذا، اتفقت الدول الأعضاء في منظمة أوبك في شهر يونيو على زيادة إنتاج النفط، ويأتي هذا وسط اختلاف الأعضاء في الكمية المطلوب زيادتها. وتنتج المملكة العربية السعودية “12” مليون برميل يومًا. وفي شهر سبتمبر، ضخت المملكة العربية السعودية “10,5” برميل يوميًا، ليرتفع بذلك إنتاجها من النفط منذ شهر يونيو عن الحد الذي اتفقت عليه منظمة أوبك وهو “10,058” مليون برميل يوميًا.

ومازالت قضية خاشقجي تلقي بظلالها على أسعار النفط، حيث يهدد بعض الساسة الأمريكيين بفرض عقوبات على المملكة العربية السعودية ردًا على قضية خاشقجي. وتحدث “تركي الدخيل”، أحد أبرز الشخصيات الإعلامية السعودية، عن العديد من الإجراءات الانتقامية المتنوعة إذا ما فرضت الولايات المتحدة الأمريكية تلك العقوبات على المملكة العربية السعودية، ومنها إمكانية إعادة إيقاف صادرت النفط كما حدث في العام 1973. وقيم وزير الطاقة السعودي “خالد الفالح” الأمر على الفور قائلاً إن بلاده لن تستخدم النفط كسلاح سياسي، وأن الأسواق بشكل عام لم تكترث للأمر.

ويبدو هذا كافيًا حتى الآن، غير أن اجتماع العوامل الأخرى المتضاربة في شهر نوفمبر ينذر بالمزيد من التقلبات في أسعار النفط.

AFP PHOTO/DANIEL SORABJI

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: