الأولويات الدفاعية تعزز برامج الفضاء في دول الخليج
بقلم/ حسن الحسن
تبرز تكنولوجيا الفضاء كحجر زاوية في إستراتيجيات التحديث لدى كلٍ من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك على مستوى التنمية الاقتصادية والمكانة القومية. ومع ذلك، تخدم برامج الفضاء في كلا البلدين الواقعين في منطقة تعج بالصراعات، أغراضاً عسكرية وأمنية واضحة، ومنها مواجهة التفوق الإيراني في مجال تكنولوجيا الفضاء.
هذا وقد أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي استثمرت 6 مليارات دولار أمريكي في تكنولوجيا الفضاء وفقًا للبيانات الصادرة في العام 2018، عن تأسيس المجموعة العربية للتعاون الفضائي وذلك خلال مؤتمر الفضاء العالمي الذي عقد في دبي في مارس الماضي. وتتألف المجموعة العربية للتعاون الفضائي من إحدى عشرة “11” دولة عربية، وتأتي هذه الخطوة الحاسمة لضمان وجود الدول العربية على الخريطة العالمية وفقًا لقواعد برامج الفضاء وسياستها.
وفي المملكة العربية السعودية، عيّن الملك سلمان بن عبد العزيز ابنه الأكبر، الأمير سلطان، أول رائد فضاء عربي ومسلم يغامر برحلة إلى الفضاء في عام 1985، كرئيس لوكالة الفضاء الجديدة والتي أنشأتها المملكة العربية السعودية في ديسمبر من العام الماضي. ومنذ تعيين الأمير سلطان، أطلقت المملكة العربية السعودية ثلاثة أقمار صناعية في المدار.
وللوهلة الأولى، يبدو أن هذه الاستثمارات هي مبادرات واضحة لتصنيف الدول وإبراز صورة البلدان العربية كبلدان حديثة ذات أهداف وطموحات مستقبلية. وأوضح مثال على ذلك هو خطة دولة الإمارات العربية المتحدة لوضع مسبار في مدار كوكب المريخ بحلول عام 2021، وذلك تزامنًا مع حلول الذكرى الخمسين لتأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، واقتراح بناء مواقع للإنسان بحلول عام 2117، مع استمرار العمل في تشييد مدينة علمية تحاكي الظروف البيئية على كوكب المريخ بتكلفة قدرها 136 مليون دولار أمريكي.
إلى جانب المكانة القومية، تتطلع كلٌ من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة أيضًا إلى تحقيق عوائد اقتصادية محتملة بسبب برامجها الفضائية. فعلى سبيل المثال، كان إطلاق أول قمر صناعي عربسات في العام 1985 سببًا في تحويل المملكة العربية السعودية إلى مزود رئيسي لخدمات البث الفضائي في الشرق الأوسط. وتعمل الرياض بنشاط على النهوض بقطاع الفضاء باعتباره قاعدة تكنولوجية لبناء اقتصاد المعرفة الذي هو جزء من رؤية 2030، على الرغم من أن قدرة كلٌ من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة على تسويق تكنولوجيا الفضاء المحلية لا تزال في مراحلها الأولى.
والأمر الأكثر إلحاحًا، هو أن برامج الفضاء، ربما، تخدم أهداف أمنية وعسكرية واضحة. وتسمح التطورات في تكنولوجيا الأقمار الصناعية توفير منصات اتصالات أكثر أمانًا وقدرات مراقبة أوسع، وهو ما أظهرته الأقمار الصناعية الثلاثة التي أطلقتها المملكة العربية السعودية منذ ديسمبر من العام الماضي. ويوفر القمر السعودي للاتصالات “SGS-1″، وهو قمر صناعي سعودي صنعته شركة لوكهيد مارتن، خدمات الاتصال بالإنترنت والتلفزيون، ويوفر أيضًا اتصالات آمنة، بينما يوفر القمران الصناعيان Sat 5a وSat 5b إمكانية الاستشعار عن بعد والمراقبة المحتملة.وتشكل التكنولوجيا المتعلقة بالأمن، السياق الاقليمي الاوسع، الذي تستثمر فيه دولتي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وذلك لمواكبة قدرات ايران الفضائية. وفي يناير وفبراير من العام 2019، اختبرت إيران مركبات الإطلاق الفضائية محلية الصنع والتي من شأنها أن تمكن إيران من وضع حمولات في المدار أكبر من الوقت السابق. وعلى الرغم من إخفاق الاختبار، أدان وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” عمليات الإطلاق ووصفها بأنها غطاء على برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية. وعلى الرغم من أن بعض المحللين اعترضوا على وجهة نظر “مايك” هذه، إلا أنها ربما تكشف عن الطريقة التي تنظر بها دول الخليج إلى التهديدات التي يشكلها برنامج الفضاء الإيراني.ويبقى التطور الأكثر وضوحًا وهو أسطول إيران من المركبات الجوية غير المأهولة، والذي دخل بشكل متزايد في سباق حروب الوكالة التي تشهدها المنطقة. وبمجرد تصنيفه كمنظمة إرهابية من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، أدعى فيلق الحرس الثوري الإيراني أنه يمتلك أكبر أسطول من الطائرات بدون طيار في المنطقة، وفي مارس/آذار، نظمت إيران أكبر مناورات عسكرية لها والتي تضم طائرات بدون طيار بالقرب من مضيق هرمز الاستراتيجي، وهناك عززت إيران قواعد الطائرات بدون طيار على مدى السنوات القليلة الماضية.ووفقًا لرابطة الحد من الأسلحة، ومركز “أبحاث التسليح في الصراعات”، نقلت إيران أيضًا تكنولوجيا الطائرات بدون طيار إلى متمردي الحوثيين في اليمن، والذين بدورهم عدلوا الطائرات بدون طيار لتكون طائرات بدون طيار محملة بالمتفجرات لمهاجمة قوات التحالف العربي في اليمن – وهو تكتيك يستخدمه تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا أيضًا – واستهدفت تلك الطائرات بدون طيار بنجاح كبار القادة اليمنيين في عرض عسكري في يناير. ومع ذلك، بالغ الحوثيون في قدرات الطائرات بدون طيار، بما في ذلك الإدعاء كذبًا بأنها هاجمت مطار أبوظبي الدولي، ومنشآت أرامكو النفطية في المملكة العربية السعودية.وفي السابق، استطاعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وحلفاؤهما اليمنيون تحييد هجمات الطائرات بدون طيار من خلال التصدي لها، بيد أن ذلك أمرًا محفوفًا بالمخاطر أو مكلف. ويستطيع الرصاص الطائش إلحاق الضرر بالبنية التحتية الحيوية حول المناطق الحساسة مثل المطارات، في حين أن إطلاق صواريخ باتريوت عبر الطائرات بدون طيار منخفضة التكلفة – كما أفادت إسرائيل – أمرًا باهظ التكلفة.ولأنها البديل الأفضل، تتزود الدولتان بشكل متزايد بتقنية التشويش المضادة للأقمار الصناعية والتي تحول دون اتصال الطائرات بدون طيار بالأقمار الصناعية، وتعطل نظام تحديد المواقع العالمي، مما يؤدي إلى هبوطها أو عودتها إلى نقطة الإطلاق. وتهدف الأنظمة إلى إلغاء الأفضلية التي تستمدها إيران من أقمارها الصناعية من خلال تكتيكات غير متكافئة.وفي المملكة العربية السعودية، تشكل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية المؤسسة الحاضنة لبرامج الأقمار الصناعية والحرب الإلكترونية والطائرات بدون طيار في المملكة. وتستضيف مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية مؤتمر الحرب الإلكترونية والرادار في الرياض، ويضم هذا المؤتمر قادة الصناعة بما في ذلك شركات “بي إيه إي سيستمز” و”إيرباص”، ومجموعة “تاليس”، و”نورثروب غرومان”. وفي مارس، وقعت شركة الاتصالات السعودية اتفاقية مع “درونسيلد” الأسترالية لشراء تكنولوجيا مضادة للطائرات للمساعدة في حماية البنية التحتية الحيوية.وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، استقطب معرض الدفاع الدولي “أديكس” هذا العام العديد من المصنّعين الذين ينتجون تكنولوجيا مضادة للطائرات بدون طيار، ومن هؤلاء المصنعون شركة “رايثيون” ومقرها الولايات المتحدة الأمريكية، وشركة “ليوناردو” الإيطالية. كما زارت وفود من حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة كلاً من فرنسا وفنلندا للتعرف على ما استجد من ابتكارات في الأنظمة المماثلة.وتأتي استثمارات الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في تكنولوجيا الفضاء استجابة لمجموعة من المتطلبات الحتمية، ومنها الأمن والتنويع الاقتصادي والارتقاء بمكانة الأمة. ورغم أن برامجها الفضائية تبدو طموحة في نطاقها، فإن التحدي الذي ينتظر كلتا الدولتين في السنوات القادمة هو ترجمة الاستثمارات إلى عوائد تجارية ملموسة والارتقاء بقدراتها العسكرية.