في الأول من يوليو/تموز، أصدر رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، مرسومًا مفاجئًا لإجبار وحدات الحشد الشعبي – وهو تحالف أغلب قوامه من الميليشيات الشيعية – على الانضمام إلى القوات المسلحة الحكومية، وقطع جميع “العلاقات السياسية والتنظيمية” مع الجهات الفاعلة غير الحكومية. وقد حذر المراقبون، ولاسيما من يمتلكون قدرًا وفيرًا من الحكمة التقليدية، من مغبة هذا الأمر، وعِلتهم في ذلك، أنه سيسمح لإيران بإدراج عملائها من الطابور الخامس ضمن القوات المسلحة العراقية، وزيادة نفوذ طهران داخل العراق. ولكن ربما ما أنقذ حياتهم، أن الاندماج لم يحدث. ومازالت وحدات الحشد الشعبي بعيدة عن نفوذ عبد المهدي؛ وتعيث فسادًا في العراق بكل حرية بإيعاز من أسيادهم في طهران. وفي الواقع أنه من شأن الفشل في إخضاع وحدات الحشد الشعبي للسيادة العراقية أن يؤدي إلى تفاقم المعارك التي تدور رحاها بالوكالة على الأراضي العراقية.
ويتضح هذا الأمر جليًا من خلال إحدى الحوادث التي وقعت مؤخرًا، وذلك، عندما قصفت بعض الطائرات المسيرة، والتي يُعتقد أنها إسرائيلية، مستودعات أسلحة تابعة لوحدات الحشد الشعبي ودمرتها، واستعد العراقيون من خلال وحدات الحشد الشعبي للرد على إسرائيل، والتي كانت ترغب في شن المزيد من الهجمات على الأراضي العراقية. وفي حضور كل من الرئيس العراقي، برهم صالح، ورئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، عقد عبد المهدي اجتماعًا مع ثمانية من قادة وحدات الحشد الشعبي لحث الميليشيات على عدم جر البلاد إلى حرب مع إسرائيل. وفي بيان مشترك سبق هذا الاجتماع، ألقى الثلاثة مسؤولين العراقيين الأبرز في الدولة، الضوء على “أهمية تأييد [وحدات الحشد الشعبي] لموقف الدولة العراقية “من خلال” معارضة مبدأ الحرب بالوكالة”.
ويكمن جوهر الأمر فيما طلبه هؤلاء الساسة من وحدات الحشد الشعبي بعدم تحويل العراق إلى ساحة أخرى لمعارك إيران مع إسرائيل. وبدلاً من مسايرة الإيرانيين، والنظر إلى الهجوم على وحدات الحشد الشعبي كاعتداء على السيادة العراقية، اعتبرت الدولة العراقية الهجوم جزءًا من الصراع بين إيران وإسرائيل، الذي لا ناقة للعراق فيه ولا جمل.
وبعد أن دمرت إسرائيل صواريخ وحدات الحشد الشعبي التي بإمكانها ضرب العمق الإسرائيلي، تقلصت خيارات وحدات الحشد الشعبي في الانتقام من إسرائيل. ومع ذلك، كانت إيران تهيئ وحدات الحشد الشعبي والرأي العام العراقي لصدام محتمل لوحدات الحشد الشعبي، ليس مع إسرائيل، ولكن مع القوات الأمريكية والتي تقود الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في العراق، فقد وجدت طهران في هذا الأمر فرصة مناسبة لتصفية حساباتها مع أمريكا.
ومن المحتمل أنه لو كان انضمام وحدات الحشد الشعبي إلى القوات المسلحة العراقية ناجحًا، لما حدث الهجوم الإسرائيلي. ولكن نظرًا لاستقلال وحدات الحشد الشعبي عن السيادة العراقية كأي وقت مضى، فضلاً عن استمرارها في التمسك بنفوذ طهران وأموالها، فإن بقاء وحدات الحشد الشعبي يضع العراق في موقف محفوف بالمخاطر، بينما يحاول العراق التعبير عن طبيعة الدولة ذات السيادة، وبناء دولة عراقية مستدامة.
وتعيش القليل من الدول مثل هذا الموقف، حيث هناك قوة عسكرية تتعهد بالولاء لحكومة أجنبية، وتعمل بصورة مستقلة عن الحكومة الوطنية. ولبنان واحدة من تلك الدول.
وبعد خروج قوات الرئيس السوري بشار الأسد من لبنان عام 2005 عقب انتفاضة شعبية، أصبح دور حزب الله تحت المجهر. وحاولت “الأوليجاركية” [حكم الأقلية] اللبنانية، والتي وجدت نفسها ضد الشبكة العسكرية والاستخباراتية الهائلة للميليشيا الموالية لإيران، دمج حزب الله في القوات المسلحة للبلاد، غير أن حزب الله رفض هذا الأمر وبشدة، بل وفرض اتفاقًا يصبح بموجبه ندًا لجيش الدولة ومُكملاً له. وبينما يخضع الجيش لقيادة الحكومة اللبنانية، فإن حزب الله – الذي هو في الواقع أقوى من الجيش اللبناني – يأخذ أوامره من إيران.
ومع ذلك، أثبت العراق أنه يصعب السيطرة عليه من قبل إيران، وهذا لسبب واحد، وهو أـن تعداد سكان العراق يبلغ خمسة أضعاف سكان لبنان. بالإضافة إلى رفض ما يقرب من نصف العراقيين – السنة والأكراد – التعهد بالولاء للقادة الإيرانيين. كما أن النصف الآخر من العراق، وهم الشيعة، ليسوا خاضعين بالكامل لطهران، فهناك الكثير منهم يفتخرون بأنهم عراقيون، ويرفضون الرضوخ لجيرانهم الإيرانيين. وحقيقة أن عائدات العراق النفطية أكبر من عائدات إيران تمنح بغداد أفضلية أخرى على طهران.
وكل تلك الأمور تشكل حجة قوية لإيران للتمسك بمكاسبها مع الحشد الشعبي. ولو كان عبد المهدي قد نجح في دمج الميليشيات، لكان مقاتلو الحشد الشعبي مندمجين في مختلف كتائب الدولة العراقية. وعادة ما تضع القوات الوطنية “أيديولوجية قتال” لترسيخ القومية، ومن شأن هذه الأيدولوجية أن تتعارض مع خضوع الحشد الشعبي لإيران. أدى تسلسل القيادة الوطنية العراقية، والذي يشبه في تسلسله الحكومة العراقية المنتخبة، إلى عجز إيران عن الحفاظ على علاقاتها مع ميليشيات الحشد الشعبي.
ومن سوء حظ العراق أن خطة دمج الميليشيات قد انتهت قبل أن تبدأ. وكان لهذه السياسة أن تكون ذات أولوية رئيسية – ويُعد النموذج اللبناني بمثابة إنذار مبكر لما قد يحدث بطريقة أو بأخرى. بالإضافة إلى ذلك، كان ينبغي على المجتمع الدولي والإقليمي تقديم الدعم إلى العراق، والذي أعرب عن قلقه البالغ من الهيمنة المتزايدة لإيران. لذلك، ربما على المجتمع الدولي والإقليمي منح الفرصة لـ”عبد المهدي” ليحاول دمج الميليشيات مرة أخرى.
حسين عبدالله حسين، مدير مكتب صحيفة الرأي الكويتية اليومية في واشنطن، وزميل زائر سابق بمعهد تشاتام هاوس في لندن.