يوم الاثنين، منح قاض أمريكي صحافيًا أمريكيًا كان مسجونًا في إيران حوالى 180 مليون دولار أمريكي تعويضًا له عن محنته التي استمرت ثمانية عشر “18” شهرًا. وكان “جيسون رضائيان” يعمل مراسلًا لصحيفة “واشنطن بوست” في طهران عندما قُبض عليه في عام 2014 واحتُجز في سجن “إيفين” بتهمة التجسس. وأُطلق سراحه في عام 2016.
ويتناول الحكم أن “رضائيان” كان محتجزًا كرهينة لاستخدامه كأداة ضغط في المفاوضات، وأن مثل هذه الفعلة “تستوجب ردًا رادعًا“. ولهذا السبب – وحتى تدفع طهران ثمن استخدامها السجناء الأمريكيين في التفاوض الدبلوماسي – منح القاضي “رضائيان” هذا التعويض الضخم.
ومع ذلك، من غير المرجح أن ينجح هذا الردع. ومن المؤكد أن إيران لن تدفع أبدًا ما تطالب به المحكمة. ولن تتوقف في الوقت الحالي عن اعتقال الغربيين لأسباب ذات دوافع سياسية لأن “دبلوماسية الرهائن” تجدي نفعًا مع طهران.
وتختطف إيران معظم الرهائن من أجل افتدائهم بالمال. ومن الأسباب التي تجعل الولايات المتحدة الأمريكية ترفض دفع الفدية هو أنها تعتقد أن إمكانية دفع مثل هذا المبلغ يجعل على الفور من المواطنين الأميركيين أهدافًا للخطف. وغالبًا ما تستخدم الجماعات المسلحة الرهائن كوسيلة لجمع مبالغ كبيرة من المال بسرعة، وتعتقد البلدان التي ترفض دفع الفدية أنها تحرم تلك الجماعات من الدعم المالي.
ولكن إيران مختلفة. إنها دولة، وليست جماعة مسلحة، وبها جيوب عميقة. إنها لا تريد الرهائن لتحقيق مكاسب مالية، ولكن للضغط السياسي. ولن تشكل العقوبات المالية أي قيمة رادعة.
ومن الصعوبة بمكان العلم يقينيًا ما إذا كانت إيران قد احتجزت رهائن سياسيين أكثر من دولٍ أخرى، لسبب بسيط وهو أن الحكومات تستطيع أن تغلف أوراقها التفاوضية بقشرة من الشرعية، فتحكم على الأجانب بالسجن لأسباب جنائية، ثم تبادلهم لاحقًا.
وفي الوقت الحالي، من المعروف أن إيران تحتجز نحو عشرة من حاملي الجنسية الثنائية بتهم غير محددة تتعلق بالأمن القومي، وقد يكون عدد المحتجزين أكثر من ذلك، لأن العائلات والحكومات غالباً ما تعتقد أن الابتعاد عن وسائل الإعلام سيجعل المفاوضات أسهل. ومنذ شهرين فقط تم الكشف وجود الأكاديمية الأسترالية، كايلي مور جيلبرت، في السجن في طهران، رغم أنها عاشت هناك منذ أكثر من عام.
والتاريخ الإيراني حافلاً باختطاف الرهائن، ولاسيما الأمريكيين، وتبدأ من حصار السفارة الأمريكية في طهران في عام 1979، وهي إهانة تاريخية لا يزال يتردد صداها في واشنطن. وتمتلك طهران تاريخًا ‘طويلا من إطلاق سراح الأجانب المسجونين مقابل المواطنون الإيرانيون، أو تنازلات سياسية. إن عملية تبادل الأسرى التي جرت في عام 2016، وهو اليوم الذي تم فيه الاتفاق النووي مع المجتمع الدولي، هي من أعاد “جايسون رضائيان” في النهاية إلى موطنه.
كما يربط القادة السياسيون في إيران بطول مدة الحكم على أي سجين أجنبي بالمواطنين الإيرانيين الذين يرغبون في مبادلتهم تحديدًا، وهو ما يقوض بشكل صارخ فكرة أن هؤلاء الأجانب يعاقبون على جرائم، وأن احتجازهم لا علاقة بسياسة إيران الخارجية.
وفي وقت سابق من هذا العام، وفي نيويورك، ربط وزير الشئون الخارجية الإيراني “محمد جواد ظريف” صراحة بين قضية “نيجار غودسكاني“، وهي مواطنة إيرانية محتجزة في أستراليا، ويعارض تسليمها إلى الولايات المتحدة، وقضية “نزانين زاجاري–راتكليف“، مواطنة بريطانية – إيرانية مسجونة في طهران بتهمة التجسس. وقال “ظريف“، “لقد قدمت هذا العرض علانية” ويجب مبادلتهم“.
والحقيقة هي أن إيران تستخدم السجناء الأجانب كأداة دبلوماسية، ولن تتوقف عن ذلك لسبب بسيط وقوي، وهو أن تلك الأداء تجدي نفعًا. وأقر “رضائيان” بتلك الحقيقة في مقابلة معه في وقت سابق من هذا العام.
وقال “رضائيان“: “تمارس إيران سياسة السجناء منذ 40 عامًا، وتستخدم هؤلاء السجناء لانتزاع تنازلات من حكومات أجنبية، وفي معظم الأحيان من الولايات المتحدة الأمريكية“، لذلك، لا أرى أن قضيتي لها من الأهمية في ظل هذا الواقع، وهذه السلسلة المستمرة من الرهائن الأمريكيين لدى إيران“.
وهذا هو جوهر الأمر. تنازلات يتبعها إطلاق صراح. ونظام المساومة على البشر هي إحدى الطرق القليلة الموثوقة التي يمكن لأمة منبوذة مثل إيران أن تجبر بها دول قوية إلى اللجوء الى طاولة المفاوضات.
وفي الشهر الماضي فقط، وافقت إيران على إطلاق سراح استراليين محتجزين لديها بتهمة التجسس، على الرغم من أنه اتضح انهم زوجان كانا يقضيان عطلتهما. وفي وقت لاحق من اليوم ذاته، تم إطلاق سراح أكاديمي إيراني كان محتجزًا لأكثر من عام في أستراليا ويعارض تسليمه إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ثم عاد إلى إيران. وقالت الحكومة الأسترالية إن الحالتين غير مرتبطتين، لكنهما بالتأكيد متشابهتان من الخارج.
وطالما أن احتجاز الأجانب يمنح تنازلات، فإن العقوبات المالية لا صلة لها بالموضوع، وخاصة لأنها نادراً ما تُطبق على من نفذ الاعتقالات في المقام الأول. والدولة الإيرانية ليست متجانسة، فهناك مراكز قوى متنافسة. وكان فيلق الحرس الثوري الإسلامي، وهي وحدة شبه عسكرية مستقلة عن الجيش الوطني والحكومة المدنية، هو من ألقى القبض على “رضائيان“. ولن يدفع الجيش الوطني أو الحكومة المدنية أي تعويض مالي، بل وزارة المالية. ولن يؤثر أي تعويض مالي على ميزانية الحرس؛ فيمكنهم امتلاك الشركات الخاصة بهم في إيران، مما يمنحهم مصدر دخل خاص بهم.
ومن وجهة نظر إيران، هناك كل ما يدعو للاستمرار في دبلوماسية الرهائن. وما لم يتم العثور على نهج دبلوماسي آخر، فإن الأمريكيين في سجون طهران لن يكونوا آخرهم. وفي الوقت الحالي، تنظر إيران إلى الرهائن الأميركيين على أنهم أكثر قيمة من الأموال.
يؤلف “فيصل اليافعي” حاليًا كاتبًا عن الشرق الأوسط، وهو معلق دائم لدى الشبكات الإخبارية التلفزيونية العالمية. عمل “فيصل” لدى وكالات أنباء مثل “الجارديان” و“بي بي سي“، وأعد تقارير عن الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وآسيا وأفريقيا.