بين العراق ولبنان، وكلاهما يعانيان من الاضطرابات، يقع بلد آخر يعاني من مشاكل اجتماعية اقتصادية مماثلة. ومع ذلك، نجح الأردن حتى الآن في تجنب الاحتجاجات الجماهيرية ضد المظالم التي تعتبر بنفس القدر مظالم مشروعة كما في البلدان المجاورة. ولكن هذا التضييق قد يصل قريباً إلى نقطة الانهيار، لأن هناك أسباب كثيرة تحمل الأردنيين على الغضب.

وبلغت البطالة أعلى مستوياتها بنسبة “19%”. وسجلت البطالة نسبة صادمة بين الشباب بمقدار “37%”، وذلك وفقًا لمنظمة العمل الدولية. وفشلت الجهود الحكومية في تحفيز الاقتصاد، وخلق فرص عمل على مر السنين. وأصبحت الخدمات غير كافية، ويزداد الناس فقرًا، ً وانتشار الفساد متواصل.
وانعدمت ثقة الناس في قادتهم. فكل ما يرونه هو الاقتصاد الغارق، كنتيجة للسياسات التي اعتمدت إلى حد كبير على زيادة الضرائب، وهو ما أدى إلى خنق الاقتصاد، وإضعاف القوة الشرائية، وانكماش الطبقة الوسطى.

وكان رد فعل الحكومة على أي شكاوى من الشعب الساخط هو تغيير الحكومة ذاتها، وحدث تغيير حكومي أربع مرات منذ أن تقلد “”عمر الرزاز” منصب رئيس الوزراء في يونيو من العام الماضي، أو تعلن الحكومة عن خطة أو مبادرة أخرى للإصلاح الاقتصادي والتي تبدو أن مصيرها إلى الفشل من البداية، لأن مثل تلك الخطط أو المبادرات تحتاج عادة إلى أموال ولا تمتلك الدولة منها شيئًا، مما يؤدي بالحكومة إلى الاقتراض أكثر.

وقد استمر الإضراب الأخير الذي أجراه المعلمون على مستوى البلاد لمدة “4” أربعة أسابيع، وتوقف العمل بالمدارس والتي تضم أكثر من “1,5” مليون طالب. وخشية أن يمتد الإضراب إلى قطاعات أخرى، رضخت الحكومة، ووافقت على زيادة أجور المعلمين بنسبة 35 في المائة، وزيادة الموظفين الحكوميين العام المقبل. وفي سبتمبر، وافق مجلس الوزراء أيضا على زيادة معاشات التقاعد للأفراد القوات المسلحة المتقاعدين. ويبلغ الدين العام للأردن حالياً 42 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل 96 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وعندما فرضت البلاد تدابير التقشف – بناءً على طلب صندوق النقد الدولي – زاد الدين العام فعليًا.

ومقارنة بباقي دول المنطقة، يبقى الأردن هادئًا نسبيًا، حيث أن المشاركة في مسيرات الاحتجاج منخفضة دائمًا، ولا تعكس بأي حال مستوى عدم الرضا والإحباط بسبب عدم المساواة في البلاد، وانعدام العدالة الاجتماعية وحرية التعبير والصحافة.

يمكن أن تكون الحكومة الأردنية ممتنة على الأقل لحقيقة أن حركة الاحتجاج، كهذه، ليست لها قيادة أو اتجاه واضح، ومنقسمة على نفسها. ووفقاً لمنظمة “هيومن رايتس ووتش، “كانت الأجهزة الأمنية الأردنية تكثف من مضايقتها للنشطاء وتعتقلهم. واعتقلت السلطات الأمنية “7” سبعة نشطاء منذ سبتمبر، معظمهم بتهم تتعلق بمنشورات لهم على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تبين مشاركتهم في الاحتجاجات، أو انتقاد قيادة البلاد. كما حذرت المخابرات الأردنية بعض النشطاء من المشاركة في المظاهرات.

وفي العام الماضي، أثارت مقترحات بخصوص سن قانون جديد للضريبة على الدخل احتجاجات جماهيرية، وأدت إلى سقوط الحكومة برئاسة رئيس الوزراء “هاني الملقي”. إن تغيير رؤساء الوزراء ليس بجديد في ظل تزايد السخط الشعبي في الأردن، غير أن الغضب المتزايد بسبب الأوضاع الاقتصادية، وعدم فعالية الإصلاحات السياسية يمكن أن تؤدي إلى نوع من عدم الاستقرار الذي يتطلب أكثر من مجرد تزيين النوافذ.

إذا كانت عمّان تريد تجنب نوع من الاضطرابات الجماهيرية والتي تنتشر في أماكن أخرى، فيجب عليها أن تعالج الأسباب الجذرية للتظلمات وليس مجرد إخفاء المشكلة.

أولاً، يجب أن تشتمل الإصلاحات السياسية على تغيير القانون المنظم للانتخابات لضمان تشكيل برلمان قوي وممثل لكافة الفئات، بدلاً من أن يكون برلمانًا شكليًا. وعلى الرغم من أن هيئة مراقبة الحريات المدنية، فريدوم هاوس، تُصنف الأردن بأنه بلد حر بعض الشيء، إلا أنه يجب تخفيف القيود المفروضة على حرية التعبير.

ثانياً، يجب أن تشمل الإصلاحات الاقتصادية القطاع الخاص لخلق فرص عمل، ودفع النمو وزيادة الازدهار في البلاد. ويجب على الحكومة أيضًا أن تفي بوعدها وتشدد الرقابة على التهرب الضريبي، وتخفض ضريبة المبيعات لتحفيز النمو.
والأهم من ذلك، يجب أن تكون ثمة إرادة حقيقية لسن إصلاحات حقيقية بدلاً من مجرد إطلاق التفاهات، وتقديم تعهدات لا نية لأحدٍ أن يفي بها.

ويتملك الأردن مخاوف أخرى. وتشكل خطة السلام التي وضعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تُسمى بـ”صفقة القرن” لإنهاء عقود من الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، تهديدًا حقيقيًا لاستقرار الأردن، مما يثير مخاوف عميقة لدى الأردنيين من أن بلادهم ستصبح وطنًا بديلًا للفلسطينيين. ويستضيف الأردن فعليًا أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين الشتات، حيث تم تسجيل 2.2 مليون لاجئ لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى. وفي دولة الأردن البالغ عدد سكانها عشرة “10” ملايين نسمة، هناك أكثر من “50%” من سكانها يعودوا الى أصول فلسطينية.

وفي ظل تناقض السياسية الخارجية الأمريكية على مدار أربعة عقود، يرى الفلسطينيون أن جميع آمالهم في وطنٍ حقيقي تذهب سُدى. وإذا استقر المزيد من الفلسطينيين في الأردن، فسيؤدي ذلك إلى مزيدٍ من التغير في التوازن الديموغرافي، مما يؤدي إلى زيادة مستوى التوترات والإحباط بين الأردنيين عن ذي قبل.

وفي الوقت الحالي، أصبح غضب الناس تحت السيطرة، ولكن في وقت يعاني فيه الكثير من بلدان الشرق الأوسط من الاضطراب، فإن كبح هذا الغضب ليس جيدًا بما فيه الكفاية.
سها المعايه، تعيش في عَمان، الأردن. تم نشر أعمالها في مجلة “فورين بوليسي”، ومجلة “سينتنل” – مركز مكافحة الإرهاب. وتعمل “سها” أيضًا مراسلة صحفية لصحيفة “وول ستريت جورنال”، ولديها منشورات أخرى عن الأردن وجنوب سوريا.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: