في الشهر الماضي، أعلن الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا أنه سوف يبدل عملته، فرنك المستعمرات الفرنسية في إفريقيا أو فرنك المجموعة الإفريقية الفرنسية، بعملة جديدة تدعى “الإيكو“. وبذلك، يسعى الأعضاء الفرنكوفونيون في المنطقة لرسم مستقبل مستقل عن فرنسا. إلا أنهم كي يتمكنوا من تحقيق ذلك حقًا، ربما يجب عليهم النظر في استخدام تكنولوجيا العملات المشفرة و سلسلة الكتل.

قام شارل ديغول بإصدار الفرنك الإفريقي في عام 1945 ليستخدم كأداة للرقابة النقدية والمالية على المستعمرات الأفريقية التابعة لفرنسا. وقد استخدمت من قبل عدة دول- بنين وبوركينا فاسو وساحل العاج وغينيا بيساو ومالي والنيجر والسنغال وتوغو لأكثر من سبعة عقود من الزمن. وهناك عملة مماثلة للفرنك الغرب إفريقي تستخدمها ستة دول في وسط إفريقيا وهم- الغابون والكاميرون وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو وغينيا الاستوائية، ولكنها مختلفة عن الفرنك الإفريقي ، ولا توجد حتى الآن أية معلومات عما إذا كانت ستحذو تلك الدول حذو الاتحاد أم لا.

والسؤال الذي يطرح نفسه بالنسبة للمستعمرات السابقة هو: هل ستزيد العملة الجديدة من ازدهار تلك الدول؟ أم أن هناك خطوة أخرى يجب اخذها في عين الاعتبار؟

إن السبب المعلن رسميًا وراء قيام تلك الدول بتغيير عملتها هو تشجيع النمو الاقتصادي وفتح أسواق جديدة، ولكن السبب الخفي من اتخاذ هذا القرار هو التخلص من سطوة الاستعمار وتحقيق الاستقلال النقدي والمالي.

فعند إصدار عملة الفرنك الإفريقي، وضعت فرنسا بعض الشروط الصارمة. وحتى بعد الحصول على الاستقلال، كانت الدول التي تستخدم العملة ملزمة بالاحتفاظ بجميع احتياطياتها من العملات الأجنبية في فرنسا. في عام 1965، تم تخفيض هذه النسبة إلى 65% ثم خفضت إلى 50 % في عام 2005. وفي مقابل الاحتفاظ بنصف احتياطيات مستعمراتها السابقة ، تدفع فرنسا لهذه الدول 0.75 % من الفائدة.

كانت هذه الشروط مناسبة جدًا لفرنسا في فترة ما بعد الحرب، حيث كانت هذه المستعمرات السابقة تقدم قروضًا بسعر زهيد. بالإضافة إلى إمكانية استخدام فرنسا لتلك الودائع التي تحصل عليها من إفريقيا للمساعدة في دعم عملتها الخاصة. وفي الوقت نفسه، استفاد الفرنك الأفريقي من الدعم الفرنسي الذي منحه الاستقرار.

ولكن تغير الوضع الآن، وأصبحت تلك الشروط تمثل شكلًا من أشكال الفدية النقدية. وعلي مدار أكثر من 70 عامًا، لا يوجد بيانات متاحة عن حجم الاحتياطيات الأفريقية الموجودة في الخزينة الفرنسية. ومع ذلك، فإنه من المؤكد أن فرنسا استفادت من هذه الشروط. والدليل على ذلك أن إجمالي احتياطيات ساحل العاج وحدها كان يعادل 6 مليار دولار خلال عام 2018.

بموجب الخطة الجديدة ، سيحتفظ الاتحاد النقدي لغرب إفريقيا بربط العملة باليورو خلال فترة الانتقال إلي استخدام عملة الإيكو، و لن يكون هناك ممثلين فرنسيين في مجلس إدارة البنك المركزي.

أتى قرار الانفصال النقدي في وقت ارتفعت فيه المشاعر المعادية للفرنسيين في جميع أنحاء المنطقة حيث بات يُنظر إلى القوات الفرنسية – التي كانت في عام 2013 موضع ترحيب في مالي- بصورة أقل إيجابية عن ذي قبل بكثير ؛ فالآن تُحرق الأعلام الفرنسية بشكل مستمر في الشوارع حيث تجاوز الفرنسيين مرحلة الترحيب إلى الانخراط في ميول استعمارية جديدة.

يرى الخبير الاقتصادي التنموي السنغالي، ندونجو سامبا سيلا ، أن الفرنك الأفريقي ما هو إلا أداة استخدمتها فرنسا للسيطرة على مستعمراتها السابقة قائلًا أن العملة “تستخدم كأداة سياسية للسيطرة على الاقتصادات والسياسات الإفريقية وأيضًا كأداة لنقل الفوائض الاقتصادية من القارة الأفريقية إلى فرنسا وأوروبا بأقل نسبة مخاطرة. وقد ظلت هذه الآليات الموضوعة خلال الحقبة الاستعمارية كما هي دون تغيير “.

إن إصلاح العملة قيد التنفيذ الآن، و لكن ما الذي يجب على هذه الدول الأفريقية فعله لضمان التخلص من آليات الاستعمار بشكل نهائي؟ وكيف يمكنهم بناء سياسة نقدية ومالية مستقلة حقًا مع الاستمرار في عملية إنهاء الاستعمار؟

لقد تم بالفعل إتخاذ القرار الرئيسي الأول – وهو إذا ما كان سيتم استخدام عملات مستقلة في كل دولة على حدة أم سيتم الحفاظ على الوحدة النقدية التي أنشأها الفرنسيون – و ستبقى الكتلة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا المكونة من ثمانية أعضاء كما هي وستظل العملة على ما هي عليه ولكن بمسمى جيد.

أما القضية الأكثر صعوبة فهي قضية الوحدة. فمثلما تؤثر الدرجات المتفاوتة من الوحدة السياسية والتنسيق المالي في الاتحاد الأوروبي على السياسة النقدية للاتحاد الأوروبي واستقرار عملته اليورو، فإن الوحدة في غرب إفريقيا ستحدد ما إذا كانت عملة “الإيكو” سوف تنجح أم تفشل.

لم تكن المسارات الاقتصادية مشجعة؛ فبينما كان هناك ازدهار، تصنف الأمم المتحدة تسعةمن البلدان الأعضاء في الفرنك الأفريقي البالغ عددها 14 دولة على أنها “أقل تطوراً“. وبالنسبة للبعض، فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أقل بالفعل – الآن- مما كان عليه في السبعينيات.

يكمن الحل لتقدم دول غرب إفريقيا في التوافق مع المتطلبات العالمية؛ أولًا، سوف يؤدي تحفيز المصنعين الدوليين على استيراد التكنولوجيا الجديدة إلى توفير وظائف ذات جودة عالية وتوفير رأس المال المطلوب بشدة.أما النقطة الثانية والتي لا تقل أهمية عن النقطة السابقة فتكمن فيتبني تقنية العملة الرقمية التي من شأنها أن تساعد في الحد من مخاوف المستثمرين الأجانب تجاه أي مفاجآت نقدية قد تحدث مثل: انخفاض قيمة العملة والضوابط المفروضة على العملة.

كما أن عملة الإيكو الرقمية التي تعمل على منصة آمنة قد تكون عملة مفيدة تخدم مصالح العاملين في مجال الهاتف المحمول في جميع أنحاء المنطقة – و سوف تعم الفائدة بشكل عام و لن تقتصر فقط على متحدثي اللغة الفرنسية بأفريقيا.

في الواقع، يمكن للهيكل المالي الجديد الذي تدعمه الابتكارات النقدية التي تقدمها قواعد العملة المشفرة- الخالية من احتمال تلاعب الحكومات بالعملة – أن يقطع شوطًا كبيرًا في تهدئة المخاوف التي أثرت على إدارة الدول الأفريقية لعملاتها. وهذا لا يعني أن هذا الأمر سهل التحقيق، ولكن إفريقيا قادرة على استخدام هذا التطور التكنولوجي – الذي لم يكن موضع تقدير على نطاق واسع خارج القارة وأصبح هو الحل للتطور المالي التكنولوجي.

والآن بعد أن امتلكت هذه المستعمرات الفرنسية السابقة عملة جديدة، يعد الحل الرئيسي للإنهاء الجذري للماضي هو ابتكار طرق جديدة لم يتم التعامل معها من قبل. فعملة “الإيكو” توفر الفرصة لازدهار اقتصادات تلك الدول من خلال تخطي المعايير التقليدية باستخدام تكنولوجيا سلسة الكتل. ويجب أن تتحلى تلك الدول بالجرأة في اتخاذ الخطوات القادمة بعدما كسروا حاجز الاستعمار الفرنسي.

جوزيف دانا ، مقيم بين جنوب إفريقيا والشرق الأوسط ، وهو يعمل كرئيس التحرير في موقع emerge85، وهو مختبر يستكشف التغيير في الأسواق الناشئة وتأثيره العالمي.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: