سواء كانت خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والتي تُسمى “رؤيته للسلام”، جيدة أم سيئة، فإن تطبيقها بات محل شكٍ بدرجة كبيرة. ولكن المؤكد هو رد فعل القيادة الفلسطينية، والذي يتكون في معظمه من تكرار نفس الخطاب القديم حول ما هو صواب، ونادرًا ما يتطرق إلى ما هو ممكن.
من السهولة بمكان رفض الأمور، ولكن الفلسطينيون يرفضون عروض السلام على مدار عقودٍ من الزمان. ومع ذلك، فنادراً ما تجدهم يعبرون عما يريدونه، إن لم يكن مطلقًا.
وأفاد أحد المواقع الإخبارية الفلسطينية، “سند نيوز”، أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أعلن أن “صفقة القرن” ليست إيجابية، وأنه “لا يمكن لأي إنسان أن يقبل بمثل هذه الخطة لسكان يبلغ عددهم 13 مليون شخص. وقال “عباس” أيضًا، “يسعى الفلسطينيون إلى الحصول على “22%” فقط من أراضي فلسطين التاريخية”، ولكنه ادعى أن خطة ترامب للسلام تمنحهم “6%” فقط من الضفة الغربية وغزة. واستشاط غضبًا، وقال، “ما هذا النوع من الفرص الذي يمنحنا “11%” فقط من (أرضنا”.
(وعلينا من الآن وضع تلك الأرقام في الاعتبا).
وعلاوة على ذلك، لن تقبل الدولة الفلسطينية بضم قرى “المثلث”، وهي مجموعة من القرى العربية في إسرائيل، وشمال الضفة الغربية، وتضم مائتي ألف فلسطيني من حاملي الجنسية الإسرائيلية.
وفي الواقع، لم يحدد ترامب نسبة الأراضي التي سيحصل عليها الفلسطينيون في تسوية نهائية، ولكنه ذكر أن تلك النسبة قابلة للتفاوض. وكان “عباس” نفسه هو من ذكر تلك الأرقام المتباينة- فذكر أولاً نسبة الـ”6%” ثم “11%”. وبينما يطالب “عباس” بوطن يجمع الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم، فيبدو أنه عازم على استبعاد مليوني فلسطيني يعيشون في إسرائيل.
ولا يعرف أحدٌ ما يريده عباس. وفيما تُعرف بـ”بخطة أولمرت” للسلام، والتي طرحها “أولمرت” قبل أكثر من عقد من الزمان، عرضت الخطة على “عباس” حوالى “22%” من الأرض الفلسطينية، وهي النسبة المذكورة أعلاه والتي يطلب بها عباس الآن. لكنه مايزال رافضًا لها.
فإذا كان عباس لا يعرف ماذا يريد، فكذلك الكثير من الفلسطينيين الإسرائيليين، والمعروفين أيضًا باسم عرب “48”. وعندما أعلن ترامب عن “رؤيته للسلام”، نظم الطلاب العرب الإسرائيليون في جامعة تل أبيب مظاهرة لوحوا فيها بالأعلام الفلسطينية، ورددوا شعارات مناهضة لخطة “ترامب” للسلام. ومازال الغموض يكتنف سبب اعتراض عرب “48” على مقترح ترامب للسلام، وهو المقترح الذي سيجعلهم مواطنين في دولة فلسطينية. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن عددًا كبيرًا من العرب الإسرائيليين يفضلون البقاء إسرائيليين بدلاً من أن يصبحوا مواطنين في دولة فلسطينية.
ويبدو أن الفلسطينيين لا يعرفون ما هي الحقوق التي يمكنهم الحصول عليها وما هي الحقوق التي لا يمكن المطالبة بها. وبعد أيام من إعلان “ترامب” عن رؤيته للسلام، أعلن الفلسطينيون عن خطط لطرح قرار معارض لخطته أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. لقد كان الفلسطينيون مقتنعين بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستستخدم وحدها حق النقض ضد القرار، بينما ستؤيده الدول الأخرى.
وكانوا مخطئين في كلتا الحالتين. فلم يُعرض القرار على مجلس الأمن. وأشار “خليل جسان”، المحلل في أحد المراكز البحثية في واشنطن، إلى أن “الفلسطينيين استهانوا بشكل واضح برد فعل جارد كوشنر وشركاه في البيت الأبيض”. وحشد الأمريكيون كل مواردهم للضغط على جميع الأطراف المعنية. وفي الوقت نفسه، بالغ الفلسطينيون في جدوى التزام أصدقائهم وحلفائهم”.
وبعد أن قلل الفلسطينيون من شأن خصومهم، وبالغوا في تقدير حلفائهم، انتهى الأمر بعدم وجود خطة سلام على الطاولة، وعدم إدانة المجتمع الدولي للخطة الأمريكية، باستثناء التصريحات القديمة المبتذلة الصادرة عن الشخصيات المشهود لها بذلك في إيران والدول العربية.
وعقد عباس مؤتمرا صحفيا في نيويورك مع “إيهود أولمرت”، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، وخلاله انتقد الاثنان رؤية السلام، وأشاد “عباس” بخطة “أولمرت”، وأبدى أسفه لأن خطة “أولمرت” لم تعد مطروحة للنقاش.
وللأسف، هذا هو حال الدبلوماسية الفلسطينية منذ إنشاء إسرائيل في عام 1948: حيث رفض العروض، ثم الأسف لرفضها عندما يصبح العرض التالي أقل سخاءً. فكانت سياسة الفلسطينيين الوحيدة والواضحة هي تبديد الفرص. وهي كما وصفها الدبلوماسي والمؤرخ والسياسي الإسرائيلي، “أبا إيبان”، بشكل لا يُنسى، عندما قال: “إن العرب لا يفوتون فرصة لتفويت فرصة”.
وسيجد عباس نفسه، ربما في غضون بضع سنوات، جالسًا بجانب “بنيامين نتنياهو” المتقاعد، متحسرًا على حقيقة أن الفلسطينيين لم يقبلوا برؤية ترامب للسلام”.
وكان على الفلسطينيين، بدلاً من الاستمرار في رفض المقترحات، إبرام اتفاق سلام خاص بهم. ويجب أن يشكل هذا الاتفاق رؤية شاملة حول كيفية الخروج من حالة البؤس والفقر التي هم عليها في الوقت الراهن. ويجب أن يتناول الاتفاق مساحة الأرض التي يحتاجونها، والعدد الذي يمكن توطينه في هذه الدولة المستقبلية. ويجب أن يحدد الاتفاق الميزانية اللازمة لإنشاء البنية التحتية والمنازل، وإنشاء صندوقاً لتعويض الفلسطينيين الذين يختارون البقاء خارج الدولة والتخلي عن ممتلكاتهم في فلسطين. ويجب تنفيذ الاتفاق وفقًا لجدول زمني معقول وقابل للتنفيذ.
وبدلاً من التناقضات المستمرة والغامضة، والمطالب غير المفهومة، والرفض الذي لا نهاية له، فقد بات على الفلسطينيين توضيح ما يريدون من أي اتفاق للسلام.
حسين عبد الله حسين، مدير مكتب صحيفة الرأي الكويتية اليومية في واشنطن، وزميل زائر سابق لدى معهد تشاتام هاوس في لندن.