تواجه إيران، صانعة المشاكل وراعية الجماعات المتشددة في الشرق الأوسط والداعم لها – بدءًا من حزب الله في بلاد الشام، وصولاً إلى الحوثيين في منطقة القرن الأفريقي – “حربًا” على أراضيها، مع فيروس تاجي يُسمى “كوفيد-19”. وفي ظل تعدد العقوبات وحالة الإفلاس، تكافح طهران للسيطرة على انتشار المرض، وارتفاع عدد القتلى. وبينما لا يريد أحدٌ أن يستثمر في مأساة البشر، فلن نبالغ إذا قلنا أن إيران كانت من أكبر المتسببين في حالة البؤس التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط في تاريخها الحديث. وبالتالي، قد يكون من الصواب التساؤل عن إمكانية توظيف هذه الأزمة للوصول في النهاية إلى عملية سلام شاملة في المنطقة. وهل يمكن إثناء إيران عن رغبتها في ممارسة العنف نتيجة لكرم الدول المجاورة لها؟
ومن المؤكد أن مساعدة عدوًا في محنته هو عملٌ أكثر نبلاً من مساعدة صديق محتاج. ومنذ أن بدأ فيروس “كوفيد-19” في الانتشار في إيران قبل أسابيع، تلقت طهران المساعدة وعروض المساعدة من مصادر غير متوقعة. فبعد أن تلقت إيران سبعة أطنان من المساعدات الطبية من الأمم المتحدة، أرسلت دولة الإمارات العربية المتحدة جوًا “32” طنًا من إمداداتها الطبية الخاصة إلى طهران، والتي باتت في مواجهة عدوًا غير مرئي أدى إلى تقليص أي موارد محدودة قد توفرها الدولة لمواجهته.
حتى أن أمريكا، عدو إيران اللدود، عرضت على طهران المساعدة الطبية. وبعد كل هذا، تدرك دول الخليج العربي والولايات المتحدة الأمريكية أن خلافاتهما مع إيران هي خلافات سياسية، ولا يريد أحدٌ – في أي مكان في العالم – أن يرى الشعب الإيراني يموت من المرض.
ورغم أن طهران قبلت المساعدة من جيرانها في دول الخليج والاتحاد الأوروبي، فإنها رفضتها من أمريكا. وهذا ما حذا بالمرشد الأعلى الإيراني “علي خامنئي” إلى القول بأن المساعدة الطبية الأمريكية قد تكون على الأرجح “سمًا”، وأن الطاقم الطبي الأمريكي الذي قد يزور إيران للمساعدة سيأتي في الواقع لمشاهدة مقتل الإيرانيين بالسم الأمريكي. وأثار هذا التصريح حفيظة وزارة الخارجية الأمريكية ودفعها للرد عليه من خلال تسليط الضوء على ما وصفته بـ “الأكاذيب الإيرانية” بأن أمريكا أنتجت الفيروس في مختبراتها ونشرته في جميع أنحاء العالم.
ثم أصرت إيران على أن ترفع أمريكا جميع عقوباتها عن البلاد، والتي وصفتها طهران بأنها تتسبب في حدوث كارثة إنسانية، وإعاقة قدرتها على وقف انتشار فيروس “كوفيد-19”. وتلك هي مشكلة إيران. إذ أنها تطالب بالكثير، لكنها لا ترد بالمثل.
وبالفعل، وفي مثال على “دبلوماسية الفيروسات”، اقترح مسؤولون أمريكيون سابقون ويتمتعون ببعض المصداقية لدى طهران أن تفرج إيران عن سجناء أمريكيين مقابل موافقة واشنطن على قرض طارئ بقيمة 5 مليارات دولار أمريكي كانت قد طلبته إيران من صندوق النقد الدولي. ويتضمن هذا الاقتراح أن تسمح أمريكا لإيران أيضًا بتلقي مساعدات دولية نقدًا – وهو إجراء خاضع حاليًا للعقوبات الأمريكية لأن هذا النقد سيتدفق عبر النظام الخاص بالولايات المتحدة الأمريكية لتسوية النزاعات بالدولار الأمريكي – كجزءٍ من الانفراجة الإنسانية. وفي الواقع، بدا أن إدارة ترامب تسير على نفس النهج هي الأخرى، وذلك بعد موافقتها الضمنية بأن تمنح حليفتها المقربة، الكويت، عشرة “10” ملايين دولار أمريكي إلى إيران كمساعدة إنسانية.
ولكن مع التعتيم المعتاد على دوافع أمريكية مزعومة، من خامنئي ومسؤولين إيرانيين آخرين، باتت دبلوماسية مواجهة الفيروسات في خطر.
واذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن طهران ستحتاج إلى جميع أشكال المساعدة. ولذا، هل يمكن لإيران أن تقبل بالإمدادات الطبية والمساعدة من الحكومات الإقليمية في مقابل التخلي عن دعمها لحزب الله والحوثيين والميليشيات الشيعية في العراق وغيرها من الجماعات المسلحة المتنوعة والجماعات الإرهابية الصريحة. وللتذكرة، نقلت أبو ظبي والرياض جوًا قبل أقل من عامٍ مضى “95” طنًا من المواد الغذائية ومواد الايواء إلى إيران لمساعدتها في التعامل مع الفيضانات المدمرة التي حصدت أرواح 76 إيرانياً، وشردت الآلاف. وكانت تلك لفتة طيبة من دون مقابل.
واليوم، ربما تكون أزمة فيروس “كوفيد-19” هي أكبر تهديد وجودي للجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها. لقد أظهرت الجائحة أن القيادة الإيرانية والنظام الحكومي الإيراني بأكمله غير قادرين تمامًا على إيجاد حل. إنه فشل لهذا النظام. وفي غياب أي إجراء معقول من جانب النظام الإيراني، قد يقرر الشعب أن النظام نفسه بحاجة إلى التغيير. ويجب أن يعي النظام هذا الأمر.
ومع ذلك، هل يمكن للشرق الأوسط العربي وأوروبا الاستمرار في تقديم المساعدة غير المشروطة بينما هم يعانون أيضًا من الوباء؟ (يجب الاعتراف بأن إيران لن تقبل أبدًا أي شيء من الولايات المتحدة الأمريكية، لأنه قد يُفسر على أنه استسلام لـ “الشيطان الأكبر”). ومع ذلك، قد يكون الشرق الأوسط العربي وأوروبا أكثر استعدادًا لمساعدة النظام الإيراني على البقاء إذا توقفت طهران عن دورها كأكبر دولة مثيرة للعنف والأعمال العسكرية في المنطقة. وفي الوضع الحالي، حيث يعاني الجميع من الجائحة، من الملائم وضع الثمن الذي يوازن بين الاحتياجات والمصالح الجيواستراتيجية الأكثر تنوعًا – والسلام.
إن أزمة فيروس “كورونا” غير مسبوقة، لدرجة أنها تغير المعايير المعمول بها في كل مكان. ومن جوانبٍ عديدة، يمر العالم بمرحلة من الاستنهاض. ومن مصلحة الإيرانيين ونظام طهران والمنطقة أن تتأثر الشواطئ الشمالية لدول الخليج بهذه المرحلة، حيث صداها يتردد في بلاد الشام والعراق ومنطقة القرن الأفريقي.
حسين عبدالله حسين، مدير مكتب صحيفة الرأي الكويتية اليومية في واشنطن، وزميل زائر سابق لدى معهد تشاتام هاوس في لندن.