لو كان اللاجئ السوري إيلان كردي ذي الثلاث سنوات قد نجا خلال محاولة أسرته اليائسة للحاق بأقاربه في كندا في العام 2015؛ لكان شارك مع الآلاف من الأطفال في فانكوفر يتطلّع للعودة إلى المدرسة للمرة الأولى منذ أفسد فيروس كورونا (كوفيد-19) الحياة على مستوى العالم، وقد قام أطفال المدارس الابتدائية في تورنتو، حيث كان والد إيلان (عبد الله) يأمل في الاشتراك مع شقيقته تيم كردي بالعودة للمدرسة للمرة الأولى في الحادي عشر من سبتمبر.

واليوم وبعد 5 سنوات من الدراسة في المدارس الكندية؛ فإن إيلان، الذي كان من المفترض أنه في الثامنة من العمر وفي الصف الثالث الابتدائي، قد أجاد بلا شك التحدث والقراءة والكتابة بالإنجليزية بصورة ممتازة، ولكانت نظرته للحياة باتت أفضل بكثير مما لو بقى في تركيا أو سوريا، وبدلًا من ذلك تحطّمت أمال الصغير على شاطئ علي حوقة بمدينة بودروم التركية.

وقد توفيّ إيلان وشقيقه غالب، الذي يبلغ من العمر 5 أعوام ووالدته ريحانة منذ 5 سنوات في الثاني من سبتمبر 2015، وذلك حين غرق القارب الصغير الذي كانوا يأملون في استخدامه للقيام برحلة قصيرة لكنها محفوفة بالمخاطر للعبور من تركيا إلى جزيرة كوس اليونانية، هذا القارب الذي انقلب بهم بسبب شدة قوة الأمواج، ولم ينجو من تلك المحاولة سوى عبد الله والد إيلان، واليوم يعيش عبد الله بمدينة أربيل شمالي العراق مع زوجته الجديدة وطفله الصغير الذي أسماه إيلان ليكون بمثابة ذكرى لطفله المفقود.

وفيما يخص الإعلام الغربي، تعتبر وفاة الكثير من اللاجئين من الأطفال والبالغين في ذات العام الذي توفي فيه إيلان قد مرت دون أن يلحظها أحد، والواقع أن هناك آخرون قد غرقوا في ذات الليلة وفي ذات المكان الذي غرق فيه إيلان، وهو ما تم توثيقه عبر الأشياء التي تفجع القلب مثل الحفاضات والجوارب الصغيرة والأحذية التي تخص الأطفال والتي كانت عالقة بين الصخور بالقرب من المكان الذي عُثِر فيه على جثة إيلان، وعلى أي حال فإن ما أصاب العالم بالصدمة هو صورة الجثة الصغيرة لإيلان الغريق وهو ملقى على وجهه في الرمال على حافة الشاطئ، وأدّت تلك الصورة – بشكل مؤقت على الأقل – إلى تهدئة سلوك المواطنين تجاه اللاجئين في أوروبا.

ولكن سرعان ما عادت قوة تلك السلوكيات مجددًا، لكن إرث إيلان ربما يكون أكثر قدرة على التعبير عن نفسه وأقل غموضًا من المشهد العام الذي من المحتمل أن يكون قد أثّر في الرأي العام في أوروبا لفترة قصيرة.

وحتى نهاية أغسطس هناك أكثر من 43 ألف لاجئ نجحوا في عبور البحر المتوسط هذا العام من شمال أفريقيا أو تركيا، حيث انتهى بهم الحال في إسبانيا و إيطاليا و اليونان، ومنهم 12 ألفًا على الأقل سلكوا ذات الطريق الذي سلكه إيلان ونجحوا في العبور من تركيا إلى الجزر اليونانية، وهناك 440 شخص تعرّضوا للغرق مثل إيلان خلال محاولتهم العبور، لكن وفاتهم، وبنسبة كبيرة، مرت دون أن يلحظها أحد في أوروبا.

لكن على الرغم من أن تلك الأرقام مفجعة؛ لكنها تمثل انخفاضًا هائلًا في عدد اللاجئين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا منذ العام 2015.

وفي العام الذي شهد وفاة إيلان وصل عدد اللاجئين الذين عبروا إلى أوروبا إلى رقم قياسي؛ حيث تخطّى حاجز المليون لاجئ، وأكثر من خمسة آلاف لاجئ فقدوا حياتهم في البحر، وعلى أي حال، فبعد مرور العام 2015 هبطت أعداد من وصلوا إلى أوروبا بشكل حاد، ليصل العدد إلى 374 ألف لاجئ في عام 2016، و185 ألف لاجئ في 2017، و140 ألف لاجئ في 2018.

وخلال العام الماضي وصل 124 ألف لاجئ إلى أوروبا، وبنهاية أغسطس من العام الحالي تبعهم 48،233 لاجئ، وهناك بضعة آلاف فقط نجحوا في إتمام تلك الرحلة عن طريق البر، وبمعنى آخر فإنه مع بقاء 4 أشهر فقط على نهاية العام الحالي، ومع التقلبات المناخية البحرية التي تلوح في الأفق خلال الشتاء القادم، فإن إجمالي عدد اللاجئين الذين يقصدون أوروبا في عام 2020 من الممكن أن ينخفض ليصل إلى 70 ألف لاجئ، وهو انخفاض قدره 43% عن العام الماضي، كما أنه يمثل 7% فقط من عدد اللاجئين الذين عبروا إلى أوروبا في العام 2015.

وبالطبع فإن هناك العديد من العوامل التي أسهمت في انخفاض تدفق اللاجئين، فالحرب الأهلية السورية التي أجبرت إيلان وأسرته وملايين آخرين على الفرار إلى تركيا ربما لم تضع أوزارها بشكل تام بعد لكنها قاربت على نهايتها، مع وجود نسبة من الاستقرار لم تراه سوريا على مدار 10 سنوات باتت تنعم به الكثير من المناطق على مستوى البلاد.

ويعُد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عاملًا آخر من العوامل التي دفعت بأسرة إيلان إلى اتخاذ قرار الفرار من البلاد، وقد انتفى هذا العامل وانتهت فترة حكم داعش الإرهابية على مستوى المنطقة، والمخيمات في العراق لا تزال تستضيف 300 ألف لاجئ، وذلك وفقًا لمفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، لكن ومنذ العام 2015 تمكّن مليوني شخص ممن أجبروا على ترك ديارهم من العودة إليها مرة أخرى.

وهناك صفقات تمت لأجل منع اللاجئين من دخول أوروبا، وبصورة أساسية الرشاوى المالية التي قدمها الاتحاد الأوروبي في عام 2016 لدول بما فيها تركيا وليبيا، وتلك الصفقات بلا شك ساعدت على خفض عدد اللاجئين الذين يحاولون العبور إلى أوروبا، وبالمِثل فإن تصاعد السياسات العدائية لدول جنوب أوروبا وتسييس قضية اللاجئين على مستوى أوروبا كان لها أثر في منع أعداد ضخمة من المغامرة بحياتهم وحياة من يحبون.

لكن ماذا عن وفاة إيلان كردي التي أثارت المشاعر؟، وما هو الدور الذي لعبته صورة تلك الفاجعة للطفل الصغير المتوفي فيما يخص وقف تدفق اللاجئين؟.

ورغم تلك الصورة التي التقطها مصور عابر وأخذت مكانها بشكل فعلي في جميع وسائل الإعلام على وجه الأرض تقريبًا، بالطبع هناك القليل جدًا، حتى ضمن مجتمع اللاجئين الممزق، لا يزالوا غير مدركين ولم تمسهم مسألة المصير الذي انتهى إليه إيلان كردي، وكم هو عدد الآباء والأمهات الذين تملكهم اليأس وباتوا يفكرون هل يضعون أطفالهم في قارب غير صالح للإبحار، كي يرى كل منهم طفله ملقى على الشاطئ ووجهه للرمال ومن ثم يقوم هؤلاء بالتخلي عن تلك الفكرة المرعبة؟.

ومن المحتمل أن تكون تلك المسألة الحساسة التي تخص التفكير في وفاة طفل يبلغ من العمر 3 أعوام، وهو الضحية التي لا يمكنها مواجهة الأمور الجيوسياسية، والنهاية البديلة الوحيدة المناسبة لقصة إيلان كردي تلك التي يظهر فيها إيلان وهو يحمل حقيبة المدرسة ويخطو بسعادة لحضور الفصل الدراسي الجديد وأن يجتمع شمله مع أصدقائه الجدد في كندا.

لكن هذا بالطبع محض خيال.

وبالطبع ليس من الخيال أن نعتقد أن الشهرة الإعلامية التي صاحبت وفاة إيلان أسفرت عن إنقاذ حتى ولو طفل واحد من الموت، لذا فإن وفاة إيلان لم تكن بصورة تامة عديمة الفائدة.

 

جوناثان جورنال هو صحفي بريطاني ، كان يعمل سابقًا بِمجلة “تايم” ، وقد أقام وعمل بمنطقة الشرق الأوسط ، وهو الآن مقيم في المملكة المتحدة.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: