إن انحسار الإرهاب “التقليدي” الذي عهدناه على مدار السنوات القليلة الماضية، لم يكن فقط بسبب جائحة فيروس كورونا “كوفيد -19″، بل أيضًا بسبب ما أنفقته الحكومات من مبالغ طائلة، على مدى السنوات القليلة الماضية، على مكافحة الإرهاب، والجهود العالمية لوقف تدفق الأسلحة والأموال والإرهابيين عبر الحدود. علاوة على ذلك، كانت هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والقاعدة سببًا في حرمانهما من الموارد المادية والقيادة لتوجيه هجمات استقطاب دعائية واسعة النطاق. ومع ظهور فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، انتشرت عمليات الإغلاق الصارمة، والأشكال المتقدمة من المراقبة التقنية، مما زاد من إعاقة أهداف الإرهابيين المحتملين. وباستثناء التفجيرات الإرهابية المنظمة التي وقعت العام الماضي في سريلانكا، لم يشهد العالم سلسلة من الحوادث الإرهابية في جميع أنحاء العالم كالتي شاهدها في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ومع ذلك، لا يعني هذا أن الأشكال الجديدة للهجمات الإرهابية لن تطل برأسها القبيح في الأشهر والسنوات المقبلة.

ولاتزال العوامل التي تغذي الإرهاب، مع اختلاف أنواعها، تلعب دورًا كبيرًا في جميع أنحاء العالم. وتحت ستار مكافحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد -19″؛ حيث بات هناك قمع للحريات من جانب الحكومات بدءًا من تنزانيا إلى كولومبيا، ومن الهند إلى السودان. وسيؤدي هذا إلى تآكل العقد الودي بين المجتمعات ووكالات إنفاذ القانون، وهو الأساس الذي تعتمد عليه وكالات الاستخبارات لمنع الحوادث الإرهابية.

وفي بعض الحالات، غذت الأنظمة الحاكمة بنشاط سياسات الهوية، والكراهية القبلية القديمة كطريقة لصرف الأذهان عن سوء إدارتها لأزمة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19”. وقد أضر هذا بالنسيج الاجتماعي أشد ضرر في هذه البلدان، ويمكن أن يكون أرضًا خصبة للإرهابيين. ففي الهند، ومنذ بداية جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، كان أعضاء كبار في الحزب الحاكم ووسائل الإعلام الصديقة للحكومة منشغلين بتشويه سمعة الأقلية المسلمة في البلاد، والتي يبلغ تعدادها 200 مليون نسمة، ووصفوها بأنها “ناقل فائق” للمرض. وكان هذا على خلفية أعمال العنف ضد المسلمين في دلهي في فبراير/شباط.

وهناك مزاعم بأن شرطة الولاية وقفت مكتوفة الأيدي بينما سمحت لمثيري الشغب بالفرار أو، في بعض الحالات، شاركوا بأنفسهم في أعمال الشغب. وفي سريلانكا، أهانت الوكالات الحكومية علنًا الجالية المسلمة في البلاد عن طريق نهب أفراد المجتمع الذين ماتوا بسبب فيروس كورونا وإحراق جثثهم. وهذا يرسي الأساس لتصدعات طويلة الأمد، وسيكون المتطرفون أكثر سعادة لاستغلالها.

وفي البلدان الأخرى، ستستمر المظالم المحلية في الاشتعال، وتتحول إلى حركات تمرد. ولنا في شمال موزمبيق مثال على ذلك؛ حيث أدت سنوات من الإهمال الحكومي والفساد والتمييز والخطط القمعية تجاه السكان المحليين إلى ظهور ما أصبح الآن تمردًا شاملاً. وأقسم المتمردون في موزمبيق على الولاء لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. ولكن هذا قد لا يكون أكثر من وصف للمتمردين لصقل أوراق اعتمادهم، وربما جذب المزيد من المجندين والتمويل. وقد يكون هناك المزيد من أعمال الإرهاب المحلية التي يرتكبها الإرهابيون المنفردون، مثل هجوم السكين الأخير في باريس.

ومع ذلك، بات التهديد الإرهابي العابر للحدود الأشد خطورة هو ذلك القادم من الجماعات القومية البيضاء في الدول الغربية. وفي أمريكا، هناك تقارب مثير للفضول بين الجماعات المتطرفة البيضاء ومنظري المؤامرة الذين يروجون بشكل روتيني للنظريات المعادية للسامية والمدافعين عن حقوق السلاح ومناهضي الأقنعة. وقد ظهر العديد منهم في احتجاجات مضادة في وجه المتظاهرين التابعين لحركة “حياة السود مهمة”، بينماأشاد دونالد ترامب، في عدة مناسبات، بالقوميين البيض.

وتدرك وكالات الاستخبارات الغربية التهديد العابر للحدود الذي تشكله الجماعات المتطرفة البيضاء. واتضح هذا التهديد بشكل خاص بعد هجمات كرايستشرش 2019 في نيوزيلندا؛ حيث استمد المهاجم الكثير من أيديولوجيته من الأفكار القومية البيضاء المنبثقة من الولايات المتحدة الأمريكية. وفي الآونة الأخيرة، أصدرت ألمانيا قرارًا بحل إحدى وحدات قواتها الخاصة من الصفوة لأنها تعج بالمتطرفين اليمينيين. وكان أحد أفراد وحدة القوات الخاصة قد خزن متفجرات وذخائر في إطار خطط لتنفيذ أعمال إرهابية أو قلب نظام الحكم. وفي الواقع، وصف وزير ألماني إرهاب اليمين المتطرف بأنه أكبر تهديد للديمقراطية الألمانية. وعلى مدى العامين الماضيين، هاجم إرهابيون من اليمين المتطرف كنيسًا يهوديًا، واغتالوا سياسيًا وقتلوا تسعة مهاجرين.

وحذر تقرير حديث لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من مخاطر الجائحة والتي تغذي التطرف. ويقبع في المنازل الآن ما يقرب من مليار طفل يذهبون إلى المدرسة، وأصبح العديد من البالغين عاطلون عن العمل. وهناك تقارير عن زيادة في تصفح المحتوى المتطرف عبر الإنترنت، ولاسيما وأن القلق المرتبط بفيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” يغذي نظريات المؤامرة بدرجة كبيرة. ومن المزعج أن تكون شركات التواصل الاجتماعي مثل Facebook عاجزة عن وقف تدفق المحتوى المتطرف. وادعى تحقيق أجرته صحيفة وول ستريت جورنال مؤخرًا، على سبيل المثال، أن كبار المسؤولين التنفيذيين في شركة “Facebook” في الهند اختاروا عدم حظر المحتوى التحريضي الذي ينشره أحد أعضاء الحزب الحاكم. وزعم التقرير أن إدارة “Facebook” في الهند لم ترغب في إثارة غضب الحكومة في نيودلهي.

ومنذ بداية تلك الجائحة العالمية، ربما لم يشهد العالم أعمالًا إرهابية مفجعة وينتج عنها وفيات وإصابات جماعية مثل هجمات سبتمبر 2001 أو تفجيرات لندن. لكن هذا لا يعني أن خطر الإرهاب قد زال بالكامل. لقد استهلكت جائحة كورونا “كوفيد-19” صانعي السياسة في التفكير في مستقبل الحكومة والاقتصادات. ولكن يجب عليهم أيضًا أن يفكروا بجدية فيما إذا كانت الجائحة قد أخمدت نار الإرهاب أم لا.

 

دنيانيش كامات، محلل سياسي في شئون الشرق الأوسط وجنوب آسيا، ويقدم أيضًا استشارات للحكومات حول المبادرات السياسية والإستراتيجية لتعزيز نمو الصناعات الإبداعية كالإعلام والترفيه والثقافة.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: