عندما أعلنت شركتا “فايزر” و “بيوأنتك” عن النتائج الواعدة للقاح فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، ارتفعت أسهم شركات الطيران حول العالم. ولكن ربما كان ذلك سابقًا لأوانه؛ فالأمر يتطلب أكثر من لقاح لإنقاذ صناعة الطيران. فقد كشفت الجائحة عن المشاكل الهيكلية لشركات الطيران، ومن الواضح أن الأزمة أعمق من الانخفاض الشديد لأعداد الركاب خلال الأشهر العشرة الماضية. وتحتاج صناعة الطيران إلى إعادة التفكير في تلك الأزمة بعمق، والبحث عن حل محوري وجذري. ومن الملاحظ غالبًا (وإن لم يكن ذلك صحيحًا تمامًا) أن الوصف الصيني “للأزمة” ينطوي على مزيج من “الخطر” و”الفرصة”. ولا شك في أن الخطر موجود في كل مكان، ولكن شركات الطيران قد لا تحب هذه الفرصة. وإذا نجت شركات الطيران من تلك الأزمة، فلن تعود مُعظمها إلى سابق عهدها حتى منذ عشرة سنوات.

وتُعد الجائحة بمثابة العامل المحفز الذي سيؤدي –ولا بد- إلى تغييرات تأخرت كثيرًا في قطاع الطيران. ويبدأ هذا التغيير بفكرة ما يجب أن تكون عليه شركة الطيران. في البداية، فكرة شركات النقل الوطنية هي فكرة عفا عليها الزمن من حقبة مختلفة، وآن الأوان للتخلي عنها.

وتمثل شركات النقل الوطنية مشاريع مرموقة. وقد تمكن عدد قليل من تلك المشاريع من الاستمرار في تحقيق أرباح بالقدر الذي يُتيح لها مواصلة نشاطها التجاري. ولكن السياسيين يحبون فكرة السفر على خطوط الطيران الخاصة بدولهم، وفكرة شركات النقل الوطنية التي تربطهم مباشرة بالمراكز الحضرية العالمية. وفي مناطق كثيرة من دول العالم النامي، كانت شركات النقل الوطنية داعمًا أساسيًا لفئة النخبة من السياسيين والرجال (غالبًا، السياسيون من الذكور): حيث رحلات الطيران المجانية، أو السفر على الدرجة الأولى؛ وتوظيف الشابات لتجسيد الخيال المُثير المُتعلق بوجود حرملك على متن الطائرة المُحلقة في الهواء، وكل ذلك بدعم من خزانة الدولة.

ويحمل ظهور فيروس كورنا المستجد “كوفيد-19” نهاية لكل ذلك. فقد كانت شركات النقل الوطنية رفاهية يتحملها دافع الضرائب، ولكنه حاليًا لا يوجد لديه مال فائض لادخاره ، ولاسيما في ظل الأزمة التي جمعت بتأثيرها بين ما حدث خلال فترة الكساد الكبير وخلال جائحة الإنفلونزا الإسبانية.

ولكن ما مصير السفر جوًا إذا انتهت شركات الطيران الوطنية؟ الأمر الذي يعني أنه بدلاً من وجود حوالى 150 شركة طيران وطنية والعشرات من الشركات التابعة للقطاع الخاص، فلن يصمد سوى عدد قليل من شركات الطيران العالمية الكبرى، مثل شركات طيران الإمارات والخطوط الجوية القطرية والخطوط الجوية التركية والخطوط الجوية السنغافورية والخطوط الجوية الملكية الهولندية، وغيرها من الشركات. ولا يوجد لدي تلك الشركات خطوط طيران داخلية (أو لديها عدد قليل منها). فغالبًا ما تقوم تلك الشركات بنقل الركاب من النقطة (أ) إلى النقطة (ج). أما النقطة (ب) فهي المطار الرئيسي لشركات الطيران هذه، والتي يمر عبرها الركاب. وهذا هو نموذج النقل المحوري في السفر الجوي الدولي. (توجد خطوط محلية لهذا النموذج في بعض الدول الكُبرى مثل الولايات المتحدة والصين وغيرها).

ولذلك، إذا أردت السفر على متن طيران الإمارات من لندن إلى برث، سيكون عليك المرور عبر دبي، المطار الرئيسي لشركة طيران الإمارات. ولكن في الوقت الحالي، لا يمكن السفر على متن الخطوط الجوية التركية أو الإماراتية من كيب تاون إلى لندن مُباشرةً؛ لأن سياسة الحماية المتبعة في صناعة الطيران تحول دون ذلك.

يتيح هذا النظام لشركات الطيران الوطنية المحافظة على الاحتكار المربح لخطوط الطيران الأكثر ازدحامًا، ويضمن استمرار المنافسة في حدها الأدنى. واليوم، وبعد الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعرضت لها السندات الحكومية بسبب فيروس كورونا المستجد، حان الوقت أخيرًا لتجاوز هذا النموذج، وفتح مزيد من خطوط الطيران بموجب حق “الحرية الخامسة” لشركات الطيران- وهو أحد الحقوق المكفولة لشركات الطيران بموجب اتفاقية شيكاغو عام 1944.

بموجب الحق الخامس المكفول لشركة الطيران، فهي تستطيع الطيران إلى دولة ثانية والتقاط مزيد من الركاب منها، ثم السفر إلى دولة ثالثة. كما يُمكنها إنزال الركاب الذين أنهوا رحلتهم في الدولة الثانية. ولا داعي لأن تبدأ رحلة الراكب من موطن شركة الطيران أو تنتهي فيها. ويعمل الحق الخامس على عولمة تلك الصناعة التي، ومن المُفارقة، تعمل على الصعيد العالمي.

وهناك بالفعل عدد قليل من خطوط الطيران الشائعة والمتاحة بموجب حق الحرية الخامسة، لكنها كانت موضع جدل كبير. حيث تُدير شركة طيران الإمارات خطًا جويًا بين نيويورك وميلانو ودبي، والذي يُتيح للرُكاب السفر بين نيويورك وميلانو فقط. بينما تمتلك شركة طيران سنغافورة خطًا جويًا بين نيويورك – فرانكفورت – سنغافورة. ويتردد مسؤولو الطيران في العديد من البلدان، ولاسيما في أمريكا، في السماح بمزيد من الخطوط بموجب حق الحرية الخامسة؛ بسبب ما قد تسببه تلك الخطوط من تقليص عائدات شركات الطيران الوطنية التي تسلك خطوط طيران مُباشرة.

ولكن إذا أصبح استخدام خطوط طيران المُتاحة بموجب حق الحرية الخامسة أمرًا عاديًا، فإنها ستسمح لشركات الطيران العالمية بالتركيز على التنافس على ربط شتى المدن حول العالم من خلال مطاراتها الرئيسية. وبذلك، تُصبح شركات الطيران الباقية أكثر جدوى من الناحية التجارية، بينما تختفي العديد من شركات الطيران القديمة.

فعلى سبيل المثال، تجوب الخطوط الجوية الإماراتية والخطوط الجوية التركية القارة الأفريقية بالفعل. وتُوجد في مطار دبي الدولي بعض الأجزاء التي تبدو وكأنها أحد المطارات الرئيسية في أفريقيا. وعلى غير المتوقع، ظهرت الخطوط الجوية الإثيوبية كشركة نقل للربط بين أجزاء القارة.

ولكن من سيخدم تلك الخطوط القصيرة وغير المُربحة – ولكنها ضرورية – سواء محليًا أو داخل المنطقة؟ قد تُترَك هذه المُهمة على عاتق ما بقى من شركات النقل الوطنية التي تعمل كخدمة عامة، والتي يُمكن دعمها من خلال الضريبة المستحقة على شركات النقل المحورية العالمية التي تخدم الدولة المعنية. أو تستطيع شركات الطيران الوطنية دعم أنشطتها المتعثرة عن طريق تأجير أو بيع حقوق هبوطها في مطارات دولية محددة، مثل مطار هيثرو بلندن.

وبعد ذلك، سيكون على شركات الطيران التفكير فيما هو أبعد من مجرد توفير مقاعد للبسطاء كوسيلة لكسب المال. وعلى الرغم من أن مقاعد الطائرة هي سلع أساسية، إلا إنها تُعامل، بشكل لا يصدق، على أنها سلع كمالية. وحان الوقت للتعامل على أساس أن تلك المقاعد كما لو كانت سِلعة أساسية. وقد تكمن إحدى الوسائل الكفيلة بتحقيق ذلك في استثمار تلك الخطوط كعقود آجلة قابلة للتداول. ويكون ذلك بالسماح للنقابات المهنية بشراء مجموعة من المقاعد على خطوط الطيران في تواريخ محددة أو في نطاق عدد من التواريخ ثم بيع العقود القابلة للتداول على أمل أن تشغل النقابات هذه المقاعد أو تقوم بإلغائها أو تركها غير مباعة. هذه مجرد بداية، لعلك فهمت الفكرة، ولاسيما في ظل الحاجة إلى أفكار جذرية.

ومهما اختلفت الآراء، فإن صناعة الطيران تتغير بسبب فيروس كورونا المستجد. وفي الواقع، عجَّلَت جائحة كورونا من وقوع أزمة شركات الطيران. ولمعالجة هذا الأمر، يجب أن تركز صناعة الطيران على إزالة الحواجز التي عفا عليها الزمن من أمام شركات النقل العالمية، وإلا سينتهي الأمر بشركات الطيران وهي عالقة في العديد من المشاكل، فضلاً عن فقدانها جميع الفرص المُتاحة أمامها.

يُقيم جوزيف دانا بين جنوب أفريقيا والشرق الأوسط، ويشغل منصب رئيس التحرير بمؤسسة Emerge85، التي تعُد بمثابة مختبر لاكتشاف التغيرات في الأسواق الناشئة وتأثيرها على الصعيد العالمي.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: