هؤلاء الذين لم يصدقوا الشائعات التي أتت من الخليج على مدار الأسابيع القليلة الماضية؛ ربما تفاجئوا بالمشهد الذي ظهر عليهم من مدينة العلا التي تقع غربي المملكة العربية السعودية يوم الثلاثاء، هل كان هذا حقًا أمير قطر الشيخ تميم بن حمد يهبط سلّم الطائرة ليعانقه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان؟، هل انتهت بالفعل أسوأ الأزمات التي شهدها مجلس التعاون الخليجي على مدار تاريخه؟، قبل 3 سنوات فقط كان هذا مشهدًا يفوق حد التصور.
لكن 3 سنوات – خاصة في ظل حُكم إدارة ترمب – تعُد مدة طويلة، وكثير من الافتراضات خلال تلك المرحلة انقلب حالها، ومع رحيل شهر نوفمبر وحلول ديسمبر بات واضحًا أن العام الجديد سيأتي برئيس جديد للولايات المتحدة، وسرت شائعات مؤداها أن الصراع الطويل بين قطر وجيرانها أوشك على الانتهاء.
وهذا الشقاق الذي ميزّته الانقسامات العميقة والألم انتهى أخيرًا ربما بسبب ظهور تهديد أكبر منه، ولو لم يكن هذا التهديد واضحًا قبل قمة مجلس التعاون الخليجي في مدينة العلا – إلا أن العديد من الإشارات المكررة على “التضامن” أظهرتها دول مجلس التعاون الخليجي – ثم أعلنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بصورة واضحة خلال خطاب افتتاح القمة :”البرنامج النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية في إيران يهدف إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة”.
وقد أثبت انتهاء الصراع القطري أن دول الخليج توصلت إلى نتيجة مؤداها أن نهاية حقبة ترمب ربما تمثل أيضًا بداية طريقة جديدة لتعامُل الولايات المتحدة مع إيران، ومع قدوم الرئيس الجديد إلى البيت الأبيض ووسط الغموض حول ما سيفعله جو بايدن؛ فإن دول الخليج وتحديدًا المملكة العربية السعودية تريد أن تطوي صفحة هذا النزاع العائلي، ومن ثم يمكنها التركيز بعد ذلك لمواجهة ما تعتبره خطرًا وجوديًا.
وعلى الجانب الآخر من الخليج العربي؛ وحتى قبل انتهاء القمة التي شهدتها مدينة العلا التاريخية التي تقع غربي المملكة العربية السعودية؛ أثبتت إيران لماذا يعتبرها جيرانها بمثابة تهديد لهم، ويوم الإثنين قام الحرس الثوري الإيراني بالاستيلاء على ناقلة نفط تتبع كوريا الجنوبية في مضيق هرمز وتم احتجاز طاقمها بالكامل، وفي ذات اليوم أعلنت إيران استئناف عملية تخصيب اليورانيوم بدرجة 20%.
وتلك الأفعال تعُد بالتأكيد من قبيل التضليل، (وخلال تغريدة له على منصة تويتر كان وزير الخارجية الإيراني حريصًا على الإعلان عن أن عملية تخصيب اليورانيوم يمكن الرجوع عنها “بشكل كامل”)، ومن الواضح أن إيران تريد تحسين وضعها للبدء في مفاوضات جديدة مع القادم الجديد للبيت الأبيض، وقبل حوالي أسبوعين من تولّي الرئيس الأمريكي الجديد مهامه بصورة رسمية بدأت إيران في تصعيد الضغط على مستوى المنطقة، والهدف من ذلك دون شك هو خفض التصعيد لاحقًا وإظهار حسن النية بمجرد تولّي بايدن منصب الرئاسة بصورة رسمية.
ودول الخليج أيضًا باتت في وضعية الاستعداد، وبالنسبة لتلك الدول فإن رئاسة بايدن من الممكن أن تكون بمثابة بداية جديدة، لكن البعض في المنطقة يتخوف من أن تؤدي إلى نتيجة مغايرة.
وليس سرًا أن باراك أوباما كان أقل شعبية عن دونالد ترمب بين دول الخليج، وقد شعرت تلك الدول أن أوباما تخلّى عن حسني مبارك بشكل سريع في العام 2011، كما لم يعجبهم فشل أوباما في فرض خطوطًا حمراء على سوريا، لكن الشك كان يساور دول الخليج على وجه الخصوص تجاه أوباما بسبب إبرامه للاتفاق النووي مع إيران في العام 2015، ومن وجهة نظرهم أن تلك الاتفاقية تم التفاوض عليها من خلف ظهرهم وتم فرضها عليهم كأمر واقع.
وقد انسحب ترمب من الاتفاق النووي في العام 2018، لكن مع قدوم بايدن إلى السُلطة وهو الذي قضى 8 سنوات نائبًا للرئيس أوباما فقد باتت المنطقة متأهبة لمعرفة طريقة تعامل بايدن مع إيران، وقد لاحظ هؤلاء أن وزير الخارجية الذي اختاره بايدن “توني بلينكن” قد تعهّد بالعودة إلى الاتفاق النووي مع طهران، وقد سمعت دول المنطقة من العواصم الأوروبية أن العودة إلى الاتفاق النووي باتت ضرورية، واستمعوا إلى وزير الخارجية الصيني وهو يعلن الشهر الماضي أن الولايات المتحدة يجب أن تعود إلى الاتفاق النووي “دون شروط مسبقة”.
والتخوف الأبرز بالنسبة لدول الخليج الآن أن يصبح البيت الأبيض في وجود بايدن مثله مثل حقبة أوباما ولا يتفهّم مخاوفهم بشكل تام، وأن يلجأ البيت الأبيض بدلًا من ذلك إلى تهميش دول الخليج في مقابل عقد صفقة سريعة مع طهران، وبالنسبة لدول الخليج فإن قضية الأسلحة النووية الإيرانية كانت وستظل مجرد جزء من قضية أشمل، ألا وهي التوسُع التدريجي للنفوذ الإيراني على مستوى الشرق الأوسط، واليوم فإن حلفاء إيران يعملون في الشمال والجنوب من دول الخليج كما أن آثار التوسُع العسكري الإيراني باتت واضحة، وأية صفقة تؤدي إلى إبطاء المسار الإيراني للحصول على أسلحة نووية من جانب وتكافاها بالمال وتُبقي على صلتها بوكلائها العسكريين من جانب اخر ستكون أسوأ مما لو لم يتم التوصُل إلى أية صفقات على الإطلاق مع طهران.
وتستعد دول الخليج لهذا التغيير عبر السعي لتكوين جبهة موحدة والتحدُث بلُغة واحدة.
وكذا فإن التوافق في العلاقات بين دول الخليج سيكون بمثابة هدية للرئيس الأمريكي الجديد وسيكون أمرًا ذو قيمة: فالرئيس الجديد لن يكون مُجبرًا على الاختيار بين حلفائه المقربين، واللاعبين الثلاثة الرئيسيين السعودية والإمارات وقطر هم جميعًا حلفاء مقربين من الولايات المتحدة – وقطر تستضيف مقر القيادة المركزية الأمريكية، وسيكون وضعًا غير مريحًا لأي رئيس أمريكي أن يضطر إلى الوقوف بجانب طرف ما دون الآخر في هذا الموقف، وعلى الرغم من أن ترمب كان سعيدًا بإعلان موقفه بشكل واضح إلا أن الأمر بالنسبة للدبلوماسيين والساسة الأكثر دبلوماسية هو أشد تعقيدًا، ولا شك في أن بايدن سيكون أفضل حالًا إذا ما بدأ العمل دون أن يواجه تلك المعضلة في تلك المنطقة الهامة من العالم، فحالة القلق تلك قد ذهبت أدراج الرياح.
والعديد ممن شاركوا في قمة العلا لديهم شعور صادق بالسعادة لانتهاء تلك الأزمة، وإغلاق صفحة النزاع مع قطر يوفر الفرصة لفتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة، لكن على قادة دول مجلس التعاون الخليجي أيضًا أن تتذكّر أن الكتاب الإيراني الشاق لم يتم إغلاقه بعد.
يقوم فيصل اليافعي حالياً بتأليف كتاب حول الشرق الأوسط، كما أنه يظهر كمعلق بشكل متكرر على شبكات التليفزيون الإخبارية الدولية، وقد عمل بالعديد من وسائل الإعلام المعنية بالأخبار مثل غارديان و”بي بي سي” وعمل مراسلاً بالشرق الأوسط وشرق أوربا وآسيا وأفريقيا.