في ظل تطوير اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، أسرعت الدول في اختيار اللقاح الذي يناسبها – واستند هذا الاختيار على مدى توافر اللقاح دون النظر إلى كفاءته. واليوم، هناك مخاوف من أن تكون فعالية بعض من تلك اللقاحات المنقذة للحياة لم ترق إلى المستوى المتوقع. ومع ظهور تفاصيل كثيرة عن نتائج الأبحاث المتعلقة بالعديد من لقاحات فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، هناك شكوك متزايدة بشأن تحول تلك الخيارات إلى مقامرة يكون فيها رابحون وخاسرون.

ومن أمثلة ذلك، المملكة العربية السعودية، والتي بدأت تلقيح شعبها في السابع عشر “17” من ديسمبر/كانون الأول، وهي بذلك أول دولة عربية تستخدم لقاح “فايزر-بيونتك”. ويُستخدم هذا اللقاح الآن على نطاق واسع في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. وفي الوقت نفسه، وقعت جارتها، دولة الإمارات العربية المتحدة، عقدًا لشراء اللقاح الذي طورته شركة “سينو فارم” الحكومية (مجموعة الصين الوطنية للصناعات الدوائية). واستخدمت دولة الإمارات هذا اللقاح في الرابع عشر “14” من ديسمبر/كانون الأول. وفي دبي، يستطيع المقيم اختيار أحد اللقاحين.

وهناك اهتمام عام بـ”كفاءة” القاحات المختلفة بعد الأنباء المتواترة عن التجارب التي أجرتها دولة البرازيل على لقاح صيني آخر من تطوير شركة سينوفاك ومقرها “بكين”. واستخدم هذا اللقاح عدة دول منها تركيا وإندونيسيا. وتشير هذه التجارب إلى أن كفاءة لقاح سينوفاك تزيد قليلاً عن “50%” – وهي أقل بكثير من نسبة الـ”78%” المزعومة سابقًا.

ويبدو هذا سيئًا، وبخاصة عند مقارنة تلك النسبة بكفاءة اللقاحين “فايزر بيونتك” و”Moderna Vaccines” والتي تبلغ “95%”. ومثل تلك المقارنات لا مبرر لها، وتثير الذعر بلا داعٍ، وتشكل خطرًا محتملاً إذا ما قوضت الثقة في برامج التلقيح الوطنية.

ومن الصعوبة بمكان تقدير الفوائد النسبية لتلك للقاحات. فلا توجد بيانات طويلة المدى يمكن الاعتماد عليها، أو تيقن حتى الآن ما إذا كانت الأدوية تحول دون انتشار الفيروس، وتقلل من تأثيره. وهناك لغط في استخدام كلمة “كفاءة”، وهو “المصطلح المنتشر على نطاق واسع في وسائل الإعلام، ويتم الخلط بينه وبين” الفعالية”.

والكفاءة هي مقياس لأداء دواء ما خلال تجربة يتم فيها إعطاء نصف الأشخاص اللقاح والنصف الآخر دواء وهميًا. وفي حالة لقاح “فايزر”، وخلال تجربة اللقاح، أُصيب “170” من بين أكثر من “43,000” شخص بفيروس كورونا. واستندت شركة “فايزر” في ادعائها بأن كفاءة اللقاح تبلغ “95%” إلى حقيقة أن “8” ثمانية فقط من الـ”170″ قد تلقوا اللقاح الحقيقي.

وهذا لا يعني أن “95%” ممن تلقوا اللقاح في مأمن من الفيروس. بل المقصود، أنه عند تجربة لقاح “فايزر”، كان الذين تلقوا اللقاح أقل عرضة للإصابة بالفيروس بنسبة 95٪ مقارنة بمن لم يحصلوا على اللقاح.

وعلى الجانب الآخر، هناك “الفعالية”، وهي كيفية عمل اللقاح على أرض الواقع. ولأنه من المستحيل أن يكون الأشخاص موضع التجربة النموذج الأمثل لأي شعب، فهناك عوامل أخرى يجب أخذها في الاعتبار، مما يعني أنه من شبه المؤكد أن اللقاحات الجديدة لن تكون فعالة على أرض الواقع مثلما تبين أنها فعالة في التجارب.

ولكن، هل يمكن أن يكون اللقاح منخفض “الكفاءة” أثناء التجارب “فعال” على أرض الواقع؟. والإجابة البسيطة وربما المفاجئة هي “نعم”، وذلك استنادًا إلى مجموعة من العوامل المتفاعلة المعقدة.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني، استخدام الباحثون في كلية ييل للصحة العامة سلسلة من نماذج الكمبيوتر لمقارنة الفعالية الواقعية لمجموعة من اللقاحات، والبحث في “الفائدة الوقائية” (قدرة اللقاح على تقليل انتقال الفيروس) و”فائدة تعديل المرض” (كيف أثر اللقاح على درجة خطورة المرض وفرصة الموت بسببه).

واختبر الباحثون ثلاث فئات من اللقاح: الأولى قللت من قابلية الإصابة بالعدوى؛ والثانية قللت من تأثير المرض، مما أدى إلى عدد أقل من الوفيات وتقليل العدوى؛ والثالثة جمعت بين خصائص الفئتين الأوليين.

والأهم من ذلك، هو أن نموذج الكمبيوتر وضع في اعتباره أيضًا عوامل أخرى لم يتم أخذها في الاعتبار خلال التجارب السريرية، ومنها وتيرة تصنيع اللقاحات وتوزيعها، ومدى انتشار برامج التلقيح.

وكانت النتائج مفاجئة. ففي البداية، وجد الباحثون أن “الفوائد المحتملة حتى للقاح الأكثر فاعلية، من باب التفاؤل، تتضاءل إذا كان التطعيم في وقت جائحة أشد خطورة”. وبعبارة أخرى، كلما ارتفع معدل تكاثر الفيروس أو الرقم “R” ( متوسط عدد الأشخاص المحتمل إصابتهم بالفيروس من خلال شخص واحد مُصاب) في وقت تقديم اللقاح، قلت فعالية هذا اللقاح.

وإذا كان الرقم “R” يتراوح بين “1و2″ و”1,3” فهذا يعني أن كل 10 أشخاص مصابين بالفيروس سينقلون العدوى إلى 12 و13 آخرين في المتوسط. ووجد الباحثون في كلية “ييل” أن استخدام اللقاح المعدل للمرض على نسبة “50%” من السكان، وكان معدل التلقيح “1%” يوميًا، فهذا يمنع العدوى بنسبة “82%” و”58%” و”35%”، سواء كان رقم تكاثر الفيروس “1و5” أو “1,8” أو “2,1” أم لا.

وخلص الباحثون إلى أن “فوائد أي لقاح لفيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، بغض النظر عن مدى فعالية اللقاح، عالية أو متوسطة أو عادية، وفقًا لنتائج أي تجربة معينة، ستعتمد على الأقل على مدى سرعة استخدام هذا اللقاح وتعميمه على نطاق واسع، وعلى البيئة الوبائية التي يتم فيها استخدام هذا اللقاح، وأيضًا على الخصائص الفسيولوجية للقاح، كما هو موضح في التجارب السريرية.

وهناك رسالتان واضحتان من هذه النتائج.

أولهما، هو أنه حتى مع طرح اللقاحات، فمن الضرورة بمكان أن تطبق الدول تدابير الحماية الأساسية، مثل ارتداء الأقنعة وغسل اليدين والتباعد الاجتماعي.

والثاني، هو أن انتظار ظهور لقاح يُفترض أنه “أفضل” قبل تطعيم السكان هو خطوة غبية وخطيرة على الصحة العامة.

ولذا، يجب عدم الاكتراث لنوع اللقاح الذي تستخدمه الحكومة. وإذا أقدمت الدولة على تقديم اللقاح، فعلى المرء تناول الجرعة في أسرع وقت ممكن، ويُذكر العائلة والأصدقاء والجيران، لأنه كلما كان تناول اللقاح أسرع وبشكل أشمل، زادت فعاليته، بغض النظر عن مدى فعالية اللقاح في مرحلة التجارب – وبهذا، يستطيع للعالم أن يبدأ في العودة إلى الحياة الطبيعية.

جوناثان جورنال، صحفي بريطاني، عمل في وقت سابق لدى صحيفة “التايمز”، وقضى فترة من حياته في منطقة الشرق الأوسط وعمل بها، ويعيش الآن في المملكة المتحدة.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: