بالنسبة لأولئك الذين كانوا يعملون من المنزل في العام الماضي، باتوا يفكرون في موعد عودتهم إلى العمل من مكاتبهم وكيفية ذلك. وبالنسبة للبعض، ستكون العودة إلى العمل من المقر بمثابة راحة من الأطفال والأعمال المنزلية؛ وبالنسبة لآخرين، فذلك هو العودة إلى السفر غير المريح، وتناول السندويشات الجافة في العمل.
لقد عاد الكثيرون بالفعل إلى أماكن عملهم الضيقة. وهناك أدلة متواترة مفادها أن عددًا من الشركات الصغيرة والأصغر قد عاد إلى “طبيعتها” بعض الشيء. ولا شك في أن حركة الركاب اليومية تشهد على ذلك. ويترتب على العودة إلى العمل من المقر مجموعة من المشكلات، والسبب الرئيسي في ذلك هو أن الشركات تجد ان العمل عن بُعد ليست بالطريقة الأمثل لخدمة مصالحها التجارية، وهناك إقدام في الوقت نفسه على العمل من المقر بسبب انخفاض أعداد الإصابة. والفيصل في هذا الأمر هو الوقاية. ومن الأشياء التي قد تساهم في الحد من مخاطر الجائحة الإكثار من إجراء الفحوصات وغسل اليدين، بالإضافة إلى إدخال تعديلات على البيئة المادية في مقر العمل.
لكن الشركات الكبيرة والهيئات الحكومية أبقت على العمل من المنزل في أغلب الأحيان. ومع ذلك، يترقب رواد الأعمال الفرصة لإبداء آرائهم حول أفضل النتائج الممكنة. وفي استطلاع أجرته شركة “ميكروسوفت”، تبين أن “88%” من كبار المديرين التنفيذيين يتوقعون استمرار المرونة في العمل. ومع ذلك، سارع البعض إلى تهيئة موظفيهم للعودة إلى العمل من المقر.
وقالت البنوك وشركات الاستثمار، وبالأخص بنك “اتش اس بي سي”، وبنك “لويدز” في بريطانيا، إنها ستنتهز الفرصة لتقليص المساحات المكتبية، والسماح للأفراد بمواصلة العمل بمرونة. وذهبت شركة النفط “بريتيش بتروليوم” إلى أبعد من ذلك، وطلبت من الموظفين الاستعداد للعمل من المنزل يومين في الأسبوع على الأقل. وتمتلك مثل هذه الشركات موارد مالية هائلة مما يجعلها قادرة على مواصلة الاستثمار في التكنولوجيا، وتجديد التراخيص الدورية الخاصة بالأدوات عبر الإنترنت (وهو أمر لا يناسب على الإطلاق الشركات ذات الإيرادات المتدهورة).
وفي الشرق الأوسط، من غير المتوقع أن يتغير الأمر كثيرًا حتى نهاية رمضان، لأنه المؤشر التقليلدي لحدوث تغير داخل الشركات في المنطقة. وبعد رمضان، من المحتمل أن تشهد الأمور تطوراً مثيرًا. ويشير نجاح برامج التطعيمات في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وأماكن أخرى، إلى أن العودة التدريجية بشكل أكبر إلى بيئة العمل المكتبية قد تكون آمنة قريبًا.
فعلى سبيل المثال، أعادت شركة “3إم” في دبي فتح مكاتبها، مع الالتزام بالعودة التدريجية المتعاقبة. والهدف من هذا الإجراء المتبع عالميًا هو المحافظة على توزان البيئة الخارجية للحفاظ على سلامة الناس، وتطبيق نهج مرن يشعر الناس معه بالأمان. ولاتزال مستويات الإشغال منخفضة في الإمارات العربية المتحدة، وكذلك في المملكة العربية السعودية وباكستان وجنوب إفريقيا ودول أخرى.
وعندما تسمح الظروف بالعودة الكاملة إلى مكاتب العمل، ستحتاج كل شركة إلى التفكر في وضعها لتحديد منطقية القرار من عدمه.
وبالنسبة لتلك الشركات التي تزدهر من خلال التعاون، هناك ميزة محددة تتمثل في العمل الجماعي – مع أنه بطريقة ما، كان من الأفضل أن يعمل الجميع من خلال مكالمة عبر تطبيق Microsoft Teams بدلاً من الإصدار المختلط والقديم الخاص بالاجتماعات عبر الإنترنت / وبدون انترنت. وعلاوة على ذلك، هناك فرص جاءت بالصدفة من خلال حديث الأشخاص مع بعضهم بعضًا بغير صفة رسمية – على سبيل المثال، تعلم ريادة الأعمال من خلال محادثة غير رسمية حول القهوة في غرفة الاستراحة. وهذا لا يُغني صراحة عن الاجتماعات محددة الموعد عبر الإنترنت. وستؤول تلك الفرص في نهاية المطاف إلى تعرض الشركات إلى خسائر لا تحصى بسبب الجائحة.
ومع ذلك، قد لا يجد الآخرون فرقًا ملموسًا بين عملهم في المكتب وبعيدًا عنه. ربما توصلت شركة “سبوتيفاي”، لخدمات بث الموسيقى، إلى أكثر الاقتراحات جذرية، إذ طلبت من موظفيها العمل من أي مكان، مع تلقي نفس الرواتب التي يتقاضها الموظفون في نيويورك أو سان فرانسيسكو.
وفي عالم مثالي، وبدون قيود على السلامة، تمتلك الإدارة القدرة على فهم ما يفصله كل فرد على حدة، بشرط تلبية أهداف العمل واحتياجات العملاء.
وليس غريبًا أن “88%” تقريبًا من رواد الأعمال يتوقعون استمرار العمل المرن. وإذا رغب العديد من الموظفين في العودة إلى مكاتبهم، والتواصل مع بعضهم شخصيًا بدلاً من الشاشة، فليس من الضروري تنفيذ رغبتهم تلك على مدار خمسة أيام في الأسبوع.
ويجب أن تكون المرونة هي المفتاح لرواد الأعمال على مدار الـ 12 شهرًا القادمة وأكثر. وتعلمت، كغيري من الأشخاص، التكيف. وفي عام 2019، قمت بأكثر من 100 رحلة طيران في جميع أنحاء المنطقة، ولم تطأ قدمي مكتب دبي مطلقًا الا لمدة اسبوع. لقد علمتني السنة الماضية كيف أستغل وقتي بذكاء، وأعمل عن بعد. هناك بعض الناس مع يعمل جيدًا في الصباح، ويفضل آخرون العمل في وقت متأخر من الليل. وبهذا، فإن العمل من المنزل يمنح هاذين الخيارين.
ويجب أن يكون التركيز دائمًا منصبًا على المخرجات وليس المدخلات، وعلى أفضل السبل لإدارة الأشخاص. وما نحتاجه بعد الجائحة هو حل مرن يناسب جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك الموظفين والعملاء والمساهمين. ويمكننا أن نتفق جميعًا على أن طبيعة “العمل” قد تختلف عما كانت عليه. ولكن الأرجح هو أن الجهود لاتزال مبذولة لاستعادة الكفاءات السابقة وتحسينها.
روبرت نيكولز، مقيم في دبي، ويشغل منصب العضو المنتدب لشركة “3إم” الشرق الأوسط وأفريقيا.