في الوقت الحالي، تشهد الهند كارثة “كوفيد -19” بسبب مجموعة من العوامل المترابطة – حيث جهاز حكومي يهتم أكثر بالترويج لسمات قائده القوي، وتفريغ مستمر للديمقراطية على مدى السنوات القليلة الماضية، وقمع المنابر الإعلامية الحرة، والاعتداء على حرية الكلام والتعبير، وحكومة اتحادية في انتخابات مستمرة.
وفي وقت مبكر من نوفمبر/تشرين الثاني 2020، انطلقت التحذيرات من الموجة الثانية الوشيكة لفيروس كورونا المستجد “كوفيد-19”. ومع ذلك، أمضت الحكومة الاتحادية، بقيادة “ناريندرا مودي” رئيس الوزراء والعضو في حزب بهاراتيا جاناتا (BJP)، الأشهر القليلة الماضية في الدعاية الانتخابية وتحسين صورتها.
واهتم حزب “بهاراتيا جاناتا” بالانتخابات الأخيرة في ولاية البنغال الغربية شرقي البلاد، وجعل الفوز بها مسألة هيبة. وبينما كانت حالات الإصابة بفيروس كورونا الجديد تتزايد في جميع أنحاء البلاد، استمر “مودي” وحزبه في عمل مسيرات حاشدة في جميع أنحاء الولاية. وفي 17 أبريل/نيسان، ومع وصول عدد الإصابات الجديدة في الهند إلى “200,000” حالة لليوم الثالث على التوالي، خاطب مودي حشدًا انتخابيًا، وأعرب عن سعادته قائلاً إنه “سعيد لرؤية حشد كبير”.
وحرصًا منها على تحسين الثقة في القومية الهندوسية، سمحت الحكومة الاتحادية بإقامة “كومبه ميلا”، وهو أحد أكبر التجمعات الدينية في العالم. ومنذ “17” من أبريل/نسيان، وعندما طلب “مودي” إجراء الحج “بشكل رمزي”، كان ما لا يقل عن 6 ملايين حاج من جميع أنحاء البلاد قد أدوا الحج بالفعل. وعلى النقيض من ذلك، وعلى شاشات وسائل الإعلام الوطنية، وصف أنصار الحزب تجمعًا أصغر للمسلمين بأنه حدث ناقل للعدوى بصورة فائقة. وعلى “تويتر”، انتشر هاشتاج #coronajihad، للدعوة إلى نبذ المسلمين الهنود مجتمعيًا. وكان هذا جزءًا من إستراتيجية حزب “بهاراتيا جاناتا” لاستخدام الاستقطاب الديني من أجل مكاسب انتخابية.
ويتضح زيف الديمقراطية الهندية وعلاقتها بالكارثة الصحية المستمرة من خلال الدور الحزبي الذي تلعبه المؤسسات الهندية المستقلة ظاهريًا. واتهمت أحزاب المعارضة لجنة الانتخابات بالقيام بالانصياع إلى حزب “بهاراتيا جاناتا”. واتُهم الحزب بتمديد انتخابات ولاية البنغال الغربية دون داع خلال شهر واحد على ثماني مراحل، مما يمنح أعضاء مجلس الوزراء الاتحادي وقتًا كافيًا للقيام بحملات في جميع أنحاء الولاية. ومنذ ذلك الحين، وجهت المحاكم العليا الإقليمية انتقادات لاذعة إلى لجنة الانتخابات لتهاونها في تطبيق بروتوكولات “كوفيد-19” الصارمة أثناء الحملات الانتخابية. وفي 26 أبريل/نيسان، اقترحت المحكمة العليا في “تشيناي” توجيه تهمة القتل إلى لجنة الانتخابات لإهمالها في تطبيق البروتوكولات.
وفي ظل إغلاق الدولة لأماكن كثيرة، وتناقص الخدمات العامة، لجأ الهنود إلى شبكات التواصل العائلية ووسائل التواصل الاجتماعي لضمان الوصول إلى المستشفيات وشراء اللقاحات والأدوية والأكسجين الطبي. ومع ذلك، سعت الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات التي يحكمها حزب “بهاراتيا جاناتا” إلى الحد من ذلك أيضًا، حيث طلبت الحكومة الاتحادية من تويتر إزالة المنشورات التي تنتقد طريقة تعامل الحكومة مع الأزمة. وذهبت حكومة حزب “بهاراتيا جاناتا” في ولاية “أتر برديش”، بقيادة رئيس الوزراء “يوغي أديتياناث”، الخليفة المحتمل لمودي، إلى أبعد من ذلك، وأصدرت تعليمات للمسؤولين بتفعيل قانون الأمن القومي، للحجر على على ممتلكات من ينشرون “الشائعات” على وسائل التواصل الاجتماعي و”يُفسدون الأجواء”.
وبدلاً من التركيز على أزمة فيروس كورنا المستجد “كوفيد-19″، أمضى وزير الصحة في الحكومة الاتحادية معظم وقته في مهاجمة الولايات التي يحكمها حزب المعارضة بسبب شكواها من عدم تلقي حصتها من الأكسجين الطبي واللقاحات من الحكومة الاتحادية. وكان هذا الوزير نفسه هو الذي صرح بجرأة في أوائل مارس/آذار أن الهند كانت على مشارف القضاء على الجائحة”. واشتهر هذا الوزير أيضًا بدعمه لدواء عشبي غير معروف كعلاج لفيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، وبسبب هذا وبخته الجمعية الطبية الهندية. إن تصرفات وزير الصحة هذا هي مجرد مثال آخر على طبيعة انعدام المواهب في مجلس وزراء الحكومة الاتحادية. وتقع معظم عمليات صنع القرار في يد رئيس الوزراء. وساهم هذا، إلى جانب وسائل الإعلام المطواعة والجو العام الذي يتجاهل المعارضة والنقد، في تعامل الحكومة السيئ مع أزمة فيروس كورونا المستجد “كوفيد -19”.
ويعاني الهند أيضًا من شخصية رئيس الوزراء مثل معاناته من الموجة الثانية من الفيروس، ولهذا قررت الحكومة الاتحادية المضي قدمًا في مشروع سنترال فيستا “ممر السلطة”، وهي خطة لإعادة تشكيل الحي الحكومي في نيودلهي بتكلفة قدرها “1,8” مليار دولار، وتنتهي بإنشاء برلمان ومقر إقامة جُدد لرئيس الوزراء. ودلالة على اللامبالاة الرسمية تجاه الأزمة الصحية في البلاد، صنفت الحكومة الاتحادية المشروع على أنه “خدمة أساسية”، وبهذا استطاعت الحكومة من الاستمرار في عمليات إنشاء المشروع، على الرغم من أن دلهي قيد الإغلاق. ومن المقرر الانتهاء من المشروع في عام 2022، مع حلول الذكرى 75 لاستقلال الهند. ويحمل المشروع بصمة “مودي” على الهندسة السياسية في الهند.
وفي 2 مايو/آيار، كان الإعلان عن نتائج انتخابات الولاية. وخسر حزب بهاراتيا جاناتا في ثلاث من الولايات الأربع التي ذهبت إلى صناديق الاقتراع، بما في ذلك ولاية البنغال الغربية، وهي الولاية التي بذل مودي وحكومته وحزبه الكثير من الجهد فيها. ولن تنعقد الانتخابات الوطنية قبل عام 2024. ويبقى أن نرى ما إذا كان مودي وحزبه سيتكبدان تكلفة سياسية في ذلك الوقت. ومع ذلك، سيظل الشعب الهندي في معاناته الشديدة.
دنيانيش كامات، محللاً سياسيًا في شئون الشرق الأوسط وجنوب آسيا، ويقدم أيضًا استشارات للحكومات حول المبادرات السياسية والإستراتيجية لتعزيز نمو الصناعات الإبداعية كالإعلام والترفيه والثقافة.