قد تكون تجربتك القادمة مع سلسة مقاهي ستاربكس مختلفة عن سابقاتها من التجارب، فأكوابها شارفت على النفاذ، وذلك بسبب اختناقات سلسلة التوريد التي تؤثر فعليًا على كل مفصل من مفاصل الاقتصاد العالمي، وتكافح ستاربكس لتأمين ما يكفي من الأكواب الورقية وحليب الشوفان. وهذا يُثير القلق، كون التعافي الاقتصادي لما بعد الجائحة لن يكون ذا فائدة كبيرة إذا لم يكن هناك ما يكفي من المنتجات والسلع، لدرجة عجزنا حتى عن شراء فنجان قهوة من ستاربكس. وقد بدأت السلع تحت مظلة الاقتصاد العالمي في النفاذ من أشباه الموصلات إلى الأخشاب، وهذا يعني أن هناك حاجة ماسة إلى نهج جديد يركز على آثار الابتكار التكنولوجي على اقتصاديات سلسلة التوريد لإعادة الأمور إلى مسارها الصحيح. وقبل ذلك، نحن بحاجة أيضاً إلى إعادة النظر في طرق الإنتاج والعالم الذي نقطنه.
وكان العالم يعاني من نقص غير مسبوق في المعالجات الدقيقة والسلع الاساسية الأخرى حتى قبل انجراف سفينة الحاويات ايفرقرين في قناة السويس، والذي ادى إلى أعاق حركة التجارة العالمية لأسابيع. وتخضع رقائق الحاسوب لعملية تصنيع دقيقة ومتطورة للغاية في مصانع حديثة تقع بشكل أساسي في تايوان وكوريا الجنوبية. وكون عملية التصنيع معقدة للغاية كما تُعد الشركات المصنعة على الاصابع، فقد أدى التباطؤ الناجم عن كوفيد Covid-19 والارتفاع الحاد في الطلب العالمي إلى نقص عالمي، ويتوقع المحللون استمراره لعدة سنوات. وقد بدأ تأثيره غير المباشر محسوسًا بالفعل في مصانع السيارات التي اعطت موظفيها اجازة من دون راتب وارتفاع أسعار السيارات، والتأخير في تسليم أجهزة الحاسوب المحمولة والهواتف السيارة وأجهزة الألعاب؛ وفي أي شيء آخر يعتمد على المعالجات الدقيقة – والتي يتكون منها كل شيء يحيط بنا في هذه الزمن، زمن إنترنت الأشياء.
وصانعو الرقائق والمسابك في سباق مع الزمن لتصنيع المزيد من منتجاتهم، ولكن نظرًا للطبيعة المعقدة الخاصة بتصنيع هذه المواد، فسوف يستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن تشعر الاسواق بأثر السعة التشغيلية التي تم إضافتها إلى تلك المصانع. لكن رُب ضارة نافعة، فبعض خبراء التكنولوجيا يعتقدون أن نقص الرقائق يمكن أن يثير روح ابتكار جديدة، حيث يمكن للمهندسين التفكير في طرق جديدة لصنع رقائق تقوم بالمزيد من الاعمال، وتقليل عدد المعالجات الدقيقة المطلوبة في المنتج. أو الاعتماد أكثر على البرامج لإنجاز المهام المخصصة عوضاً عن المعدات. وهذه هي الروح التي نحتاج إلى التحلي بها لمعالجة النقص العالمي في السلع.
وبغض النظر عن الابتكار التي يُعتبر حتمي ولا مناص منه، فإن النقص في المعالجات الدقيقة ما هو إلا جزء صغير من فيض التحديات التي يواجه العالم بسبب اختناق سلسلة التوريد. فقد بدأت المشكلة مع تطور الاقتصاد العالمي على مدى العقود العديدة الماضية. وفي أعقاب الأزمة المالية التي عصفت بالعالم في عام 2008 وما نتج عنها من ركود هائل، فقد أعادت العديد من الشركات في الاقتصادات المتطورة هيكلتها للتعامل مع الانخفاضات المفاجئة في طلب المستهلكين. حيث بدأت العنابر في تخزين كمية قليلة ومحدودة ليتطابق مخزون أنظمة الحاسوب المتطورة مع الطلب. وعليه ينتقل المنتج من المصنع إلى يد المستهلك مباشرة. وفي لحظات الاضطرابات، حين يحصل الركود فلن يكون للمستهلك القوة الشرائية لابتياع المنتجات وعليه لا فائدة من تخزين تلك المُنتجات.
والان نعود للعام2021. فبدلاً من ركود عالمي آخر مثل الكساد الكبير الذي حل بالعالم في عشرينيات القرن الماضي، وهذا ما اعتقده الكثير منذ بداية الوباء، حصل ما لم يكن في الحسبان. حيث تم تسريح الكثير من الناس من وظائفهم وأعمالهم. واِنتكص نمو الناتج المحلي الإجمالي. لكن التحضير لضخ أموال في السوق بحجم لم يسبق له مثيل يعني أن العديد من الاقتصادات الغربية ستغرق في السيولة. وفي نفس الوقت، أصيب المستهلكون بالذعر مخافة وقوع أزمة اقتصادية أخرى، فبدأوا في التوفير والحد من الصرفيات بهوسٍ شديد. مما أدى إلى طفرة في المدخرات لدى الأمريكيين لتصل إلى اثنين تريليون دولار إضافية في العام الماضي. وحالياً، يتم إطلاق بعض هذه الأموال في السوق، والوضع واضح بشكل خاص في الولايات المتحدة، حيث ينمو الإنفاق الاستهلاكي وفقًا لأحد التقديرات بأكثر من 10 في المئة سنوياً.
وبالرغم من وجود كم كبير من النقد المتداول، فمن السهل فهم سبب وجود نقص في السيولة. إذا أخذنا الخشب على سبيل المثال،
حيث تعاني الأسواق من نقص وشح كبير في هذه السلعة، والسبب يعود إلى اندفاع الكثير من الناس في أوروبا وأمريكا الشمالية والولايات المتحدة لبناء شُرفات خشبية جديدة أو منازل، مما أدا إلى نقص في العرض وبالتالي ارتفعت أسعار الأخشاب بنسبة 300 بالمائة تقريبًا. وأصل المشكلة هو أن عملية تخزين الخشب لم تكن عملية قائمة يُقبل عليها التجار، وبمجرد نفاذ المخزون تستغرق الاخشاب فترة من الزمن للنمو.
كما أن نقص العمالة يُعد تحدي أخر. حيث تعمل الشركات الأمريكية مثل ماكدونالدز وأمازون على زيادة الأجور لجذب عمال جدد في سوق العمل الصغير – وهو أمر شاذ آخر في ضل هذا الانكماش الاقتصادي. والدليل الأكثر إقناعاً على صغر حجم سوق العمالة في الولايات المتحدة هو نمو الأجور المستمر، خاصة في قطاع العمل والضيافة. حيث أظهرت بيانات وزارة العمل الأمريكية في شهر مايو الماضي أن الأجر بالساعة قفز بنسبة 9 في المئة تقريبًا في العام الماضي بالنسبة للعمال غير الإداريين في مجالات العمل والضيافة.
وليس من الضرورة أن يكون النقص والشح في السلع كارثياً، خاصة إذا تمكنا من استخدام تلك السلع لتبني نهج اقتصادي جديد يركز على الابتكار. ويسهل ذلك نوعاً ما بالنسبة للرقائق، حيث يسارع المهندسون لإيجاد طرق جديدة لجعل المعالجات الدقيقة أكثر قوة من المعالجات الحالية. ولكن فيما يتعلق بإنتاج المزيد منها، فيجب أن نركز مرة أخرى على زيادة الإنتاجية، وكيفية تحقيق المزيد من الانتاج مع القليل من العمال. وهذا أيضًا سيعتمد على التكنولوجيا. وأخيرًا، يجب أن نجد بدائل لسلع مثل الخشب – والأمل الذي يمكن رؤيته في الأُفق هو البحث عن بدائل مستدامة واقل تلويثاً للبيئة وسيتم ذلك من خلال الاستعانة بالتكنلوجيا.
و جائحة كوفيد Covid-19 ظاهرة نادرة تحدث مرة واحدة في العمر. و كما لو أن شخصًا ما التقط العالم بأسره وأعطاه رجة قوية. فقد أجبرتنا هذه الجائحة على إعادة التفكير في كل شيء، على سبيل المثال، حول كيفية عملنا وأين نعمل – الآن نريد منازل أكبر ونحتاج لمكاتب أصغر. و جعلنا ذلك نعيد النظر في الآثار المترتبة على تضخم الديون الوطنية – حيث توقفنا عن الشكوى من العملات الورقية، ولكن من الغريب أيضًا أننا دعمنا بصورة هائلة العملات المشفرة. يجب أن تجعلنا هذه الفترة المضطربة نفكر في نموذج جديد للصناعة. فقد بُنيت الطفرة الاقتصادية في القرن العشرين على فكرة وفرة المصادر الطبيعية، حيث كانت التكنولوجيا هي مضاعف القوة الذي دفع الحضارة إلى الأمام بشكل أسرع من أي وقت آخر في تاريخ البشرية. ولن يستمر عصر شح ونقص السلع والمواد لفترة طويلة. ولكن أثناء تواجدنا في هذ العصر يجب أن نتعلم الدرس ونتعامل مع خيرات الطبيعة بكل حكمة.
على سبيل المثال، هل نحن في حاجة لبناء منازلنا من مواد الخشب والخرسانة؟.
جوزيف دانا هو كبير المحررين في اكسبوتنشال فيو، وهي نشرة إخبارية أسبوعية عن التكنولوجيا وتأثيرها على المجتمع. شغل سابقًا منصب رئيس تحرير “إيجيج 85” ، وهو معمل يستكشف التغيير في الأسواق الناشئة وتأثيره العالمي