هناك جائحة نعرف كل شيء عنها، وهناك جائحة أخرى بالكاد يتم الاعتراف بوجودها. حتى عندما أجبر فيروس كرونا مئات الملايين حول العالم على “البقاء في منازلهم والبقاء آمنين”، فإن العديد من النساء والفتيات يعرفن أن المنزل ليس بالمكان الآمن. فقد زاد الحبس الإلزامي من خطر تعرض الكثير من الإناث للعنف المنزلي والجنسي، مما دفع الأمم المتحدة إلى تسميته بـ “جائحة الظل”.

ففي نيجيريا، تم الإبلاغ عن 3600 حالة اغتصاب خلال فترة الإغلاق. وهذا الرقم هو زيادة بمقدار ثلاثة أضعاف عن السنوات السابقة. وشهدت شبكة أزمة الاغتصاب في أيرلندا زيادة بنسبة 98 في المئة في عدد الناجيات من الاغتصاب اللاتي يتصلن بالشبكة للحصول على المشورة. وفي تركيا قُتلت 198 امرأة منذ بداية هذا العام إلى الآن على أيدي عشاقهن. ولكن قبل عقد من الزمن، تم ارتكاب 130 جريمة قتل من هذا النوع من الجرائم على مدار العام كاملاً.

ولا تزال الأرقام والبيانات ترد تباعا، ولاتزال العديد من البلدان تقوم بجمع الإحصاءات. لكن ما رأيناه حتى الآن يشير إلى زيادة تتجاوز الوضع المؤسف لما قبل كوفيد. ففي أبريل من العام الماضي، قالت هيئة الأمم المتحدة للمرأة في تقرير ” تعرضت 243 مليون امرأة وفتاة تتراوح أعمارهن بين 15 و 49 عامًا للعنف الجنسي أو الجسدي أو كلاهما من قبل الشريك الحميم في الـ 12 شهر الماضية حول العالم.” وحذر رئيسة المنظمة، فومزيل ملامبو-نغوكا ، في ذلك الوقت من أن “مخاوف الأمن والصحة والمال” من المرجح أن تزيد التوترات وتزيد من سوء المعاملة “.و لم يكن بإمكانها معرفة إلى أي مدى ستزداد الأمور سوءًا، وكم هي مصيبة في تنبؤاتها.

وفي حين أدت سياسة الإغلاق والحبس القسري إلى تفاقم الأزمة، فإن جذور المشكلة كانت أعمق مما قد يراه البعض. فلا يوجد عدد كاف من ملاجئ النساء أو الخطوط الساخنة للضحايا يمكنه من إصلاح هذه الأزمة. كل ذلك عبارة عن ردود فعل لما بعد الفعل الشنيع. وتكمن الأزمة نفسها في تقبل خطاب الكراهية الموجه ضد للنساء.

وخلال العقد المنصرم، ضاعفت سياسات الديماغوجيين اليمينيين من حدة الأزمة. فقد قاموا بنشر كراهية النساء على نطاق أوسع ورسخوها في نسيج المجتمع. وتشرح الأكاديمية نيتاشا كول، في مقالٍ لها بعنوان “كراهية النساء لدى الاستبداديين في الديمقراطيات المعاصرة”، كيف تم استخدام النساء كبعبع في الاستراتيجيات السياسية حيث يتم تقديم انفسهم كمنقذ سلطوي. واستشهدت الكاتبة بأمثلة مثل دونالد ترامب وناريندرا مودي وجاير بولسونارو ورجب طيب أردوغان. فلم تؤدي هذه السياسة إلى التقليل من دور المرأة في المجتمع فحسب، بل مهدت الطريق أيضًا لزيادة العنف المنزلي والجنسي ضد المرأة.

فلنأخذ تركيا على سبيل المثال، حيث تولى حزب العدالة والتنمية التابع لأردوغان السلطة في عام 2002. وبحلول عام 2011، ارتفعت معدلات العنف المنزلي والعنف الجنسي ضد المرأة بنسبة 1400٪. ونتيجة لذلك، قال أردوغان، رئيس الوزراء آنذاك “إنهم يبالغون عندما يتحدثون عن العنف ضد المرأة”. كما عرض رأيه بكل صراحة حول هذه القضية بقوله: “أنا لا أؤمن بالمساواة بين المرأة والرجل”.

وبعد أسبوع من انسحاب تركيا، وفي إحدى المحاكمات بتهمة قتل امرأة تُدعى بينار جولتكين، قال المتهم في المحكمة إنه يعتقد أن “تركيا قد اتخذت القرار الصائب بالانسحاب من اتفاقية اسطنبول”. تتم محاكمة المدعو جمال متين أفشي بتهمة ضرب وخنق السيدة جولتكين حتى الموت ثم تقطيع جسدها إلى عدة قطع. ويُزعم أنه وضع أجزاء جسد جولتكين في سلة مهملات، ثم أحرقها، ثم سكب الخرسانة على رمادها.

وإذا سافر بنا الزمن لهذا العام فسنجد أنه في تاريخ 1 يوليو/تموز قامت تركيا بإكمال انسحابها من اتفاقية اسطنبول – وهي معاهدة دولية ملزمة قانونيا، وتلزم الموقعين عليها بحماية النساء من جميع أشكال العنف. ومن المثير للطرافة أن الاتفاقية تحمل اسم المركز الحضري الرئيسي لتركيا، وهو المكان الذي تم توقيع الاتفاقية فيه، وكانت تركيا أول دولة تصدق عليها في عام 2012. وعند الانسحاب من المعاهدة، قال أردوغان إن تلك الاتفاقية لا تعكس القيم الإسلامية.

وكما تقول الكاتبة والناشطة الحقوقية الفائزة بالجائزة، السيدة أسلي أردوغان (لا علاقة لها بالرئيس أردوغان)، “يلجأ نظام أردوغان إلى كميات غير متناسبة من العنف من أجل السيطرة على المجتمع. ويتعلم المجتمع الدرس الذي ينص على أن العنف هو الطريقة الوحيدة لممارسة السيطرة، وأن من في السلطة له الحق في السيطرة. وينتج عن ذلك مزيد من العنف ضد النساء والأطفال والحيوانات “.

والآن، تخيل كل ذلك في فترة من القلق الشديد والتوتر وملايين من البشر محبوسين في منازلهم، بعضهم، بل كثير منهم، في رفقة من يعذبه ويعتدي عليه. وعندما تأتي جميع الأرقام والبيانات حول تلك الاعتداءات، وعندما نتعلم أخيرًا أن اضرار وخسائر هذا الوباء لم تكن حسراً على الجوانب الطبية، ولكن أيضًا في حالات العنف الكثيرة، الصفعات والركلات والدفعات وغير ذلك، وبالتأكيد، لا يمكننا حتى قبول بعودة الوضع السابق لانتشار الوباء؟

وبقدر ما علّمنا كوفيد حول التخطيط للتعامل مع المزيد من الأوبئة والجوائح، يجب أن تحفزنا جائحة الظل على توفير حماية أفضل للنساء ضد ظاهرة كراهية النساء التي يمكن أن تتحول إلى أفظع أعمال عنف. ومع ذلك، أشعر بالخوف والحزن لطرح هذا السؤال: كم من الناس حول العالم قد سمعوا باتفاقية اسطنبول؟

ألكسندرا دي كرامر صحفية مقيمة في اسطنبول. كتبت عن الربيع العربي من بيروت كمراسلة الشرق الأوسط لصحيفة ميلييت. تتراوح أعمالها من الشؤون العصرية إلى الثقافة، وقد ظهرت في مونكل ومجلة كارير وميسن فرنشايز واخبار الفن في اسطنبول

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: