قد تكون حركة افروفيوتشرزم عبارة عن مجموعة أعمال خيالية وفنية، لكن فيلم “النمر الأسود” الذي حقق نجاحاً كبيراً والمؤلفات الموسيقية “الكونية” لأسطورة الجاز الموسيقي صن رغ تمثل نوعًا جديداَ من أنواع الفن الذي يمكن أن يُلهمنا حول كيفية بناء مستقبل ما بعد الجائحة، وحركة افروفيوتشرزم هي حركة فنية تعيد النظر في العالم من خلال منظور الإنسان ذي البشرة السوداء، بما في ذلك العلوم والتكنولوجيا والفنون. وبينما تظهر معالم هذه الحركة بشكل كبير في أعمال الخيال العلمي، إلا إن تأثيرها يمتد ليصل إلى الأدب والموسيقى والفلسفة، فهي ترسم صورًا أكثر واقعية للمستقبل من منظور شريحة من المجتمع الغربي التي تم تهميشها منذ فترة طويلة من الزمن.
إن مضي ما يقرب من عامين على الجائحة العالمية، فضلاً عن الأضرار المتزايدة لتغير المناخ قد دفع الكثيرين إلى اللجوء إلى الفن لاستلهام شيء من الأمل في تحسن الأمور أو في التفكير في احتمال تدهورها أكثر.
وقدمت حركة افروفيوتشرزم لعقود رؤى حول كيفية بناء عوالم ومجتمعات مختلفة اختلافًا جذريًا، والآن أكثر من أي وقت مضى، يحتاج العالم إلى مناهج وأفكار جديدة لمواجهة التحديات العالمية، وأثبتت حركة افروفيوتشرزم إنها أداة حيوية للتفكير في احتمالات المستقبل القريب، ويبحث المستقبليون عن كيف سيتم صنع الألواح التي تحلق في السماء والسيارات الطائرة في المستقبل، في حين يسأل المستقبليون الأفارقة عن من سيبني تلك المعدات؟ ونظرًا لتركيز الحركة على الكفاح البشري، فهي تقدم أيضًا آراء نقدية للسنة الأخيرة من الجائحة.
وقد صاغ مصطلح “حركة افروفيوتشرزم” مؤلف من ذوي البشرة البيضاء يدعى مارك ديري في مقال بعنوان “أسود إلى المستقبل” والذي تم نشره قبل 30 عامًا. وفي كتاباته، نظر ديري في كيف تشكلت بعض الروايات التخيلية من قبل الشتات الأفريقي. وهذا هو أساس حركة افروفيوتشرزم، ويتساءل ديري، “هل يمكن لمجتمع تم نفي ماضيه عمداً، واستُهلكت طاقاته لاحقًا من خلال البحث عن الآثار الواضحة لتاريخه، أن يتخيل مستقبلًا محتملاً؟ علاوة على ذلك، أليست العقارات المتخيلة المستقبلية مملوكة بالفعل من قبل التكنوقراط وعلماء المستقبل والمنسقين والمصممين، وهم من فئة الرجال ذوي البشرة البيضاء، وهم الذين رسموا كافة تخيلاتنا الجماعية؟ ”
وأدى نجاح فيلم “النمر الأسود” المستوحى من قصص كاريكاتير مارفل إلى إظهار حركة افروفيوتشرزم للجمهور العام، ويصور الفيلم دولة واكاندا الأفريقية الخيالية على إنها الأكثر تقدمًا من الناحية التكنولوجية في العالم، وتملك نظام مواصلات عام يعتمد على الرفع المغناطيسي والطائرات التي تعمل بالواقع الافتراضي. وقد قاد فنانون الموسيقى المعاصرون مثل بيونسيه وشقيقتها سولانج إلى عودة الاهتمام بملحن الجاز صن رع، حيث بنت موسيقاه وعروضه عالم ما بين المجرات يجمع بين الخيال العلمي ومصر القديمة.
وفي حين إن تطوير حركة افروفيوتشرزم كان بشكل رئيسي في الولايات المتحدة، إلا إن الفكرة صار لها جاذبية عالمية، ولا تحتاج إلى التركيز فقط على التجربة الأفريقية، بل يجب أن تكون نقطة انطلاق لخلق مجالات جديدة متعددة من التفكير التأملي والثقافة المشبعة بوجهات نظر مختلفة عن تلك القادمة من المجتمع الغربي، وقد يمكن تجسيد ذلك من خلال شخصية شرق أوسطية أو حتى صينية. على سبيل المثال، الشعبية التي نالتها سلسلة كتب الخيال العلمي “The Three-Body Problem” (مشكلة الأجساد الثلاثة) للمخرج ليو تشيكسن Liu Cixin، فقد حازت الأعمال الصينية بالتأكيد على شعبية دولية مع توصيات من باراك أوباما وإنتاجها من خلال شبكة نتفلكس
وتعتبر سلسلة “حكاية الزارع” مثالًا رئيسيًا على كيف يمكن أن تساعدنا حركة افروفيوتشرزم على التعامل مع المشكلات التي تبدو عصية على الحل، فقد نُشرت الروايات في أوائل التسعينيات من قبل كاتبة الخيال العلمي أوكتافيا بتلر، وتقع أحداث الرواية في ولاية كاليفورنيا البائسة التي مزقها التغير المناخي وعدم المساواة الاجتماعية، فأولئك الذين يملكون الموارد الاقتصادية يعيشون خلف أسوار شديدة التحصين ، في حين إن بقية المجتمع غارق في أعمال العنف وتعاطي المخدرات، ويدير القادة السياسيون الأصوليون حملات بوعد “جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” (هذا صحيح ، فقد صاغ بتلر تلك العبارة) ويهرب بطل رواية بتلر من لوس أنجلوس المحترقة لتشكيل مجتمع جديد قائم على الإيمان بالعلم الذي سيقود البشرية إلى “العيش بين النجوم” وأدى صعود دونالد ترامب وتفشي الوباء إلى زيادة شعبية بتلر، وفي الواقع، يجب على من يقرأ تلك الرواية في عام 2020 أن يشعر بالانزعاج بسبب تنبؤاتها بمجتمع مزقه التغير المناخي والانقسام السياسيوالجائحة.
ويعتبر منهاج حركة افروفيوتشرزم في التعامل مع الأسئلة الأساسية المتمحورة حول هوية من يبني تكنولوجيا المستقبل، وكيف ستؤثر على المجتمع ومن سيستفيد منها، هي المساهمات الأكثر تجليا لهذه الحركة. ويعد الانتشار العالمي غير الموفق للقاحات فيروس كرونا بمثابة تذكير صارخ بأولوية هذا النهج. ففي هذا الشهر، ظهرت تفاصيل صادمة عن علاقة شركة جونسون اند جونسون بجنوب إفريقيا لتصنيع لقاحات كرونا، وقد تم تصدير ما يصل إلى 32 مليون جرعة من اللقاح، “المملوءة والمعبئة” في جنوب إفريقيا، إلى الاتحاد الأوروبي في الأشهر الأخيرة، وتعد هذه الأخبار مروعة نظرًا لانخفاض معدلات التطعيم في جميع أنحاء إفريقيا (وجنوب إفريقيا).
وتبدو تلك القصة وكأنها مستعارة من عمل من أعمال حركة افروفيوتشرزم، حيث تساعد شركة غربية ثرية في بناء القدرات الطبية في دولة نامية ليس لمساعدة السكان المحليين الذين هم في أمس الحاجة إلى الأدوية الحيوية، ولكن لتقليل تكلفة العمالة للمنتجات المخصصة للأسواق الغربية، وإذا أردنا أن نصدق القول المأثور بـ “احتمالية وجود عالم آخر ” في أعقاب الجائحة، فنحن بحاجة إلى الاعتماد بشدة على مَلَكة الإبداع لفنانين حركة افروفيوتشرزم.
ولا تزال البلدان النامية تعاني من الجائحة بسبب ندرة الموارد المخصصة لمكافحة الفيروس، فضلاً عن سوء الإدارة العامة للأزمة، وستؤدي التأثيرات المستمرة للتغيرات المناخية إلى تفاقم الأمور في المستقبل القريب، ونحن في أمس الحاجة إلى كل ما تملكه حركة افروفيوتشرزم من بصيرة واستشراف المستقبل حتى نتمكن من التغلب على التحديات المقبلة.
جوزيف دانا هو كبير المحررين في اكسبونانشال فيو، وهي نشرة إخبارية أسبوعية عن التكنولوجيا وتأثيرها على المجتمع، كما عمل سابقًا في منصب رئيس تحرير “إميرج 85″ ، وهو مركز بحثي يستكشف التغيير في الأسواق الناشئة وتأثيره العالمي.