مع تزايد أعداد رجال المقاومة الأفغان والمنفيين السياسيين، برزت طاجيكستان كقوة أجنبية أساسية مستعدة لمواجهة حكومة طالبان الجديدة. وهناك تقارير تتحدث عن محاولة تشكيل إدارة أفغانية بديلة في العاصمة الطاجيكية دوشانبي، وذلك سيؤدي بدوره إلى تعميق العداء بين الجارتين. ومنذ اقتحام طالبان للعاصمة كابول، والذي أرغم القادة السابقين للفرار وأعاد القوات الأمريكية إلى بلدها، تبادلت الجماعة المسلحة (حركة طالبان) وطاجيكستان الكثير من التهديدات. واتهمت حركة طالبان طاجيكستان بالتدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان، ونقل قواتها الخاصة إلى حدودها المشتركة، الممتدة لمسافة شاسعة. وقد نشرت طاجيكستان بالفعل 20 ألف جندي إضافي على حدودها مع أفغانستان، وأجرت تدريبات عسكرية شاملة شارك فيها 230 ألف جندي. وفي حين أنه من غير المرجح وقوع أي مواجهات عسكرية على نطاق واسع، إلا أن تلك التوترات ستسمح لروسيا بمد المزيد من نفوذها في المنطقة من خلال لعب دور الوساطة بين الجمهورية السوفيتية السابقة والحكام الجدد لكابول. وفي الوقت نفسه، فإن صوت صليل السيوف الآت من طاجيكستان يعكس أيضًا موقف للرئيس إمام علي رحمون الذي خدم لفترة طويلة.

وطاجيكستان هي واحدة من الدول القليلة الملاصقة لأفغانستان التي أعلنت صراحة أنها لا تنوي الاعتراف بحكومة طالبان “التي تشكلت من خلال القمع”. وقد انتقد الرئيس رحمون مرارًا وتكرارًا حركة طالبان على ما تقوم به من أفعال وطالب بمزيد من الحقوق للطاجيك في أفغانستان، وهي أكبر مجموعة عرقية في البلاد بعد البشتون. كما لم تخف طاجيكستان دعمها لجبهة المقاومة الوطنية الأفغانية، وهي القوة الوحيدة التي تعارض حركة طالبان في إقليم بنجشير وغالبية سكان بنجشير من الطاجيك، وإقليم بنجشير عبارة عن ممر يمتد لمسافة 130 كيلومترًا ويعد موطن لقادة المقاومة. وبعد أن شنت طالبان هجومًا على الوادي، فر زعيم المقاومة أحمد مسعود ونائب الرئيس السابق عمرو الله صالح من معقلهم الأخير إلى دوشانبي، حيث انضموا إلى عدد متزايد من الأفغان المنفيين الذين يخططون لخطواتهم القادمة.

لكن ما يعقد الأمور بالنسبة للرئيس رحمن هو أنه ليس كل الطاجيك يتطلعون إلى طاجيكستان للحصول على الدعم، فقد انحاز عدد من الطاجيك الأفغان بالفعل إلى جانب طالبان، وتخشى السلطات في دوشانبي من أن يستخدم حكام أفغانستان الجدد جماعة أنصار الله – وهي جماعة مسلحة أسسها في أفغانستان المواطن الطاجيكي أم الدين تاباروف في عام 2010 – كقوة ضد طاجيكستان.

وقال مسؤولون من طاجاكستان في أكثر من مرة إن بعض العصابات التي تسيطر عليها طالبان، والتي تتكون من الطاجيكيين، “على استعداد لغزو طاجيكستان”. ورفضت طالبان مثل تلك الادعاءات، قائلة إنه لم يتم منح أي جماعة الإذن لشن هجوم على أي من الدول المجاورة لأفغانستان.

وليس من المستغرب أن تتوجس طاجيكستان من السلطات الجديدة في كابول، وفي رسالة واضحة إلى طالبان، أجرت طاجيكستان مؤخرًا تدريبات عسكرية مشتركة مع حليفتها روسيا وأعضاء آخرين في منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) على امتداد الحدود الطاجيكية الأفغانية التي يبلغ طولها 1400 كيلومتر.

وطاجيكستان هي أصغر جارة لأفغانستان وأفقر دولة في آسيا الوسطى، وبالتالي، فهي تمثل هدفًا سهلاً نسبيًا لطالبان التي تمتلك الآن أسلحة أمريكية حديثة. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تهاجم المجموعة الأفغانية عضوًا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، حيث سيكون لذلك تداعيات خطيرة على العلاقات مع روسيا.

وفي الغالب إن موقف طاجيكستان الصارم ضد طالبان قد تم التنسيق له مع موسكو، ويبدو أن الكرملين يلعب لعبة مزدوجة في أفغانستان، حيث عقدت روسيا عدة اجتماعات مع قادة طالبان، وعلى عكس العديد من الدول الغربية، لم تغلق سفارتها في كابول. ومع ذلك، لا يزال الكرملين يرفض حذف أسم الجماعة المتطرفة من قائمة المنظمات الإرهابية، ناهيك عن الاعتراف بإمارة أفغانستان الإسلامية. علاوة على ذلك، تسلح روسيا طاجيكستان وترسل قوات ومعدات عسكرية إضافية إلى قاعدتها هناك.

وما لم تتصاعد التوترات بين طاجيكستان وطالبان وتؤدي إلى مواجهة عسكرية – وهو خيار غير مرجح في هذه المرحلة – فمن المتوقع أن تحاول روسيا القيام بدور الوسيط. ويمكن لمثل هذه السياسة أن تسمح لموسكو ببسط المزيد من نفوذها في آسيا الوسطى، وأن تصبح أحد اللاعبين الرئيسيين في أفغانستان في فترة ما بعد أمريكا. ولكن، إذا توغلت طالبان أو وكلائها في طاجيكستان، فلن يكون أمام روسيا خيار سوى تقديم الدعم الكامل لحليفها. ويرى الكرملين إن زعزعة استقرار طاجيكستان قد يكون له تأثير خطير على روسيا، وهي الوجهة الرئيسية للعمال المهاجرين الطاجيك. والأهم من ذلك، أن عدد المسلمين في روسيا يبلغ 25 مليون مسلم، وتهتم روسيا في أن تتبع تلك الجالية المسلمة شكل ونمط إسلامي تقليدي، بدلاً من النسخة المتطرفة الطالبانية، ولهذا السبب تدعم موسكو بقوة “رحمن” وسياسته العلمانية النشطة في طاجيكستان.

ومن جانبه، يمهد الزعيم الطاجيكي لنقل السلطات إلى نجله، حسب ما نقلت التقارير، وإلى أن يتولى رستم إمام علي السلطة، أو أي شخصية أخرى، فإن رحمون – الذي حكم طاجيكستان لمدة 30 عامًا – سوف يوحد الشعب الطاجيكي ضد “تهديد طالبان”. وهذا هو السبب في أن دوشانبي سيواصل دعمه العلني لخصوم طالبان. وإدراكًا منه لتلك النقطة، اتهم غني بارادار، النائب الأول لرئيس الوزراء بالإنابة في حركة طالبان، طاجيكستان بالتدخل في الشؤون الداخلية الأفغانية، قائلاً أن “لكل فعل رد فعل”.

وتصر طاجيكستان بكل حزم على تشكيل حكومة تشمل الجميع في كابول، ما من شأنه حماية مصالح الطاجيك العرقيين في أفغانستان. وإلى أن يتم تشكيل مثل هذه الحكومة، فمن المتوقع أن تستمر طاجيكستان في معاملة طالبان كمنظمة إرهابية، وستظل التوترات بين دوشانبي وكابول على أشدها.

نيكولا ميكوفيتش، محلل سياسي في صربيا، يركز عمله في الغالب على السياسات الخارجية لروسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا، مع اهتمام خاص بالطاقة و “سياسات خطوط الأنابيب”.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: