إن اندفاع الهند المتهور لتصبح دولة ذات أغلبية هندوسية من شأنه زعزعة استقرار جنوب آسيا، ومع حزب بهاراتيا جاناتا (BJP)، الذي يتولى السلطة منذ عام 2014، اتبعت الحكومة في نيودلهي سلسلة من السياسات المحلية القومية الهندوسية المثيرة للانقسام، وتلك السياسات لا تتعارض مع دستور الهند العلماني فحسب، بل أنها تتنافى بشكل واضح مع موقف السياسة الخارجية للدولة الذي تبنته منذ فترة زمنية طويلة.  ويخلق ذلك الكثير من التوترات مع الجيران، والأسوأ من ذلك، هو أن الهند، باعتبارها القوة العظمى في جنوب آسيا، لها تأثير هائل في سياسات جيرانها، ويخلق سيطرة الأغلبية في الهند مشاكل سياسية حتى لتلك الحكومات التي تتمتع بعلاقات ودية مع نيودلهي.

وفي عام 2019، أعلنت حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، بعد فوزها الثاني في الانتخابات العامة التي جرت في ذلك العام، عن خطط لتوسيع عدد المواطنين على المستوى الوطني، والذي حدث في البداية في ولاية آسام، ووضعت هذه الخطوة معايير صعبة التنفيذ لإثبات المواطنة لدرجة أن الفقراء (ومن بينهم عدد كبير من المسلمين الهنود) سيفشلون بشكل غير متناسب في تسجيل أنفسهم كمواطنين. وقدمت الحكومة بعد ذلك قانونًا آخر لضمان توفير طلبات المواطنة السريعة للاجئين من جيران الهند، ما عدا المسلمين منهم، وهدد القانونان، اللذان وصفهما وزير الداخلية بأنهما مرتبطان ببعضهما البعض، بحرمان المسلمين من حقوقهم، وأصبح مصطلح “البنغلاديشيون” مصطلحًا شاملاً يشير إلى جميع المهاجرين “غير الشرعيين” الذين صمم القانونان لإيقاعهم في شراكه، وانخرط وزراء كبار في مجلس الوزراء في خطاب يعيد إلى الأذهان خطاب الكراهية الخاص بالإبادة الجماعية، مشيرين إلى المهاجرين غير الشرعيين على أنهم “نمل أبيض”.

وأفرزت هذه القوانين احتجاجات في جميع أنحاء الهند، حيث هددت بتغيير تعريف مصطلح المواطنة، كما أن تلك القوانين تسببت أيضًا في مشاكل لحكومة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة في بنغلاديش، حيث أدت الكراهية الموجهة إلى “البنغلادشيتين” في الجانب الأخر من الحدود إلى تعقيد وضعها كصديقة للهند في عاصمة بنجلادش “دكا”، وألغى كبار أعضاء حكومتها زيارات كانت مقررة لهم إلى الهند، وهزت بنغلاديش أعمال عنف، واستهدفت إحدى أعمال العنف تلك معبد هندوسي، أثناء زيارة مودي في مارس من هذا العام.

وكانت أعمال العنف في بنغلاديش، والتي استهدفت الأقلية الهندوسية في البلاد، قائمة على شائعات بأن معبدًا هندوسيًا قد مارس بعض الممارسات الكفرية ضد الإسلام خلال احتفال ديني، وأدى هذا إلى اندلاع شرارة العنف ضد الهندوس في جميع أنحاء مدن بنغلاديش والتي استمرت لإيام. وعلى عكس رئيس الوزراء الهندي، أدانت حسينة العنف علانية وأمرت الشرطة بالقبض على الجناة، حتى أن حزبها، رابطة عوامي، نظم مسيرة سلام في العاصمة دكا (وهناك مسألة أخرى، حيث تفيد بعض الأنباء بأن أعضاء من الجناح الطلابي للحزب شاركوا في بعض أعمال العنف). ومع ذلك، سارعت حسينة إلى توجيه أصابع الاتهام نحو جارتها، قائلة إن الخطاب المعادي للمسلمين والعنف في الهند يتسببان في أعمال عنف ضد الهندوس في بلدها.

وتلك ليست مجرد حوادث عنف متبادل عبر حدود المنطقة المرسومة بشكل اعتباطي، وقد يؤدي اندفاع حكومة مودي إلى جعل الهند دولة ذات أغلبية هندوسية إلى زعزعة استقرار بنغلاديش، الدولة التي يبلغ عدد سكانها 165 مليون نسمة. ولم تُحسن حسينة التصرف أيضًا، على الرغم من تصريحاتها الأخيرة، فقد نصبت نفسها علنًا كحليف للهند، وحزبها، رابطة عوامي، يصور نفسه على أنه المدافع عن العلمانية في بنغلاديش، والضامن النهائي لسلامة الهندوس في البلاد. وفي أثناء ذلك، حولت حسينة، بنغلاديش إلى دولة ذات حزب واحد، وألغت الضمانات الدستورية التي تعزز ديمقراطية البلد، وسجنت قادة أحزاب المعارضة، وجرمت مختلف أشكال الاختلاف السياسي، ودفع هذا المعارضة السياسية لنظامها إلى الميل نحو التيار الإسلامي، الذي حاولت حسينة في بعض الأحيان سحقه لكنها سعت أيضًا لكسب الناخبين الإسلاميين. كل تلك العوامل زادت من ضعف الأقلية الهندوسية المحاصرة في بنجلاديش، والهجوم عليها، الذي يكون دائما بدوافع سياسية حتى في أسوأ الأوقات، هو هجوم على حكومة حسينة وحزبها.  وبقدر ما تستحق الثناء، فإن إدانة حسينة العلنية للعنف ضد الهندوس كانت مدفوعة أساسًا لأنها، مثل أي سياسي ماهر، رأت ذلك الهجوم على حقيقته، وهجوم سياسي عليها. ومع ذلك، فإن إلقاء اللوم على الهند كان تحذيرًا أيضًا. فإذا استمرت الهند في السير نحو الأغلبية، مما يخلق فضاء مليئًا بالعنف والخطاب السام ضد المسلمين والمدعوم من قبل الدولة، فإن هذا من شأنه أن يوفر ذريعة لخصوم حسينة لإضعاف حكومتها من خلال الهجمات على الأقلية الهندوسية في بنجلاديش. إن زعزعة الاستقرار في بنجلاديش سيكون له آثار مضاعفة في جميع أنحاء المنطقة، وبعد وقت قصير من أعمال العنف في بنجلاديش، شهدت ولاية تريبورا الهندية المجاورة التي يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا أعمال عنف ضد المسلمين من قبل الجماعات الهندوسية المتشددة.

وستؤدي دورة العنف والعنف المضاد عبر المنطقة إلى زعزعة استقرار المنطقة برمتها، إن حدود دول جنوب آسيا المحفورة بشكل عشوائي، والتي رسمها حكام المنطقة الاستعماريون إبان رحيلهم وسط عربدة من إراقة الدماء التي كان يمكن تجنبها تمامًا، ليست قادرة على كبح جماح العنف العرقي والديني الذي قد ينتشر من بلد إلى آخر.

وكان الموقف التقليدي للسياسة الخارجية للهند في جنوب آسيا قائمًا دائمًا على فكرة أن الدولة التي حجمها بحجم القارة هي مركز الثقل في المنطقة، ومع ذلك، فإن الضغوطات السياسية المحلية لنيودلهي تعمل بما يتعارض مع مصالح سياستها الخارجية

ويبدو أن الحكومة الهندية تعتقد أنها تستطيع متابعة سياساتها المحلية ذات الأغلبية دون الحاجة إلى القلق بشأن تداعياتها الدولية. ومع ذلك، فإن المنطقة، كما يظهر من لوم حسينة الأخير لنيودلهي، هي موطن لحوالي ربع البشرية، وهي منطقة تزداد سخطًا على نحو متزايد.

 

دانيش كامات محلل سياسي يركز على الشرق الأوسط وجنوب آسيا. كما أنه مستشار في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للجهات الحكومية والقطاع الخاص.

 

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: