تخطو دولة الإمارات العربية المتحدة في شهر يناير المقبل خطوة جديدة نحو مستقبل الأعمال، إذ من المقرر أن تنتقل هيئات القطاع العام والمدارس لنظام العمل القائم على أربعة أيام ونصف في الأسبوع.

ومثله مثل جميع الأفكار الابتكارية الأخرى، لم يكن ذلك التحول وليد اللحظة، فعلى مدار السنوات العديدة الماضية عكفت على تتبع الشركات التي انتقلت إلى نظام العمل لمدة أربعة أيام في الأسبوع حول العالم، أو قللت مدة وردياتها وأيام عملها.

في كتابي الذي صدر عام 2020 بعنوان “استرح” تناولت بالبيان كيف انتقلت الصناعات ذات الطلب العالي، وسريعة التغير التي يمثل فيها ضغط العمل العرف السائد إلى نظام العمل لمدة أربع أيام في الأسبوع، مثل، مطاعم ميشلان ستارد، وشركات البرمجيات الناشئة ووكالات الدعاية الإعلانية، ومراكز الاتصالات.

وتلك هي الشركات التي تفتقر إلى تحقيق التوازن بين العمل والحياة، وينتشر ويتفشى فيها الإنهاك من العمل،  كما يعد خسارة أحد الرؤساء أو مصممي الرؤى  تهديدًا وجوديًا لها، وفي الجانب الآخر، يمكن أن يكن من المفيد بناء ثقافة يزدهر تحت ظلها الجميع  وتتطور بها الأجيال القادمة، ويجني الجميع ثمار ذلك لسنوات عدة.

وعلى مدار العامين الماضيين، أصبح العمل لمدة أربعة أيام في الأسبوع توجهًا عالميًا، ولم يعد تحولاً نرصده في البلدان الشمالية ونيوزيلندا، بل أنه تأصل في كوريا واليابان وهما البلدان اللذان ابتكرا مصطلح “العمل حتى الموت”.

وقد وصل ذلك النظام إلى قطاعات لا يمكن للمرء أن يتوقع أن تقلل من ساعات عملها، مثل المستشفيات ودور رعاية المسنين وشركات المحاماة والمصانع.

ومن ثم تم الإعلان عنه للجمهور، فقبل عامين، خفضت الشركات ساعات العمل بهدوء، خوفًا من ترويع المستثمرين والعملاء. والآن، يتم الإعلان عن ذلك في البيانات الصحفية ومنشورات لينكد إن.

وبدلاً من تسببه بالشعور بالقلق، يعد نظام العمل لمدة أربع ساعات في الأسبوع إشارة إلى المهنية والفعالية والقدرة على ممارسة التقمص الوجداني، وقد تتطلب المنافسة العمل لمدة 60 ساعة لتحقيق النتائج، لكننا نعرف كيف ننجز المهام خلال 32 ساعة دون الحاجة للضغط على موظفينا، ويمكننا صياغة الأمر على النحو التالي: أي موظف ستختار ؟ وأي شركة ستختار؟

وانتبهت الحكومات لأمر هذا النظام، وأعرب السياسيون في إسكتلندا وإسبانيا وكوريا والولايات المتحدة الأمريكية عن دعمهم لنظام العمل لمدة أربعة أيام في الأسبوع. وطبقت أيسلندا نظام ساعات عمل أسبوعية أقل على هيئات القطاع العام لديها في عام 2021.

وعليه لدينا الآن أدلة من حول العالم تثبت أن نظام العمل لساعات أقل في الأسبوع مفيد للعمال وللشركات وللتكتلات الاقتصادية.

وبناء على هذا النظام يتحسن مستوى التوازن بين العمل والحياة، إذ يصبح العمال أكثر فعالية وكفاءة في العمل مع توفر وقت فراغ  أكبر،  ويتمتع الناس بصحة أفضل ويحصلون على أيام إجازة مرضية أقل ويملكون الوقت لممارسة الألعاب الرياضية فضلاً عن قضائهم مزيد من الوقت في الاستجمام والراحة.

وتصبح الشركات أكثر فعالية ويكون من الأسهل لها توظيف والاحتفاظ بالمواهب الجيدة مع توفر وقت أكبر للاستثمار في التطوير المهني.

وانتقال دولة الإمارات إلى نظام العمل لمدة أربعة أيام ونصف سيغير إجازة نهاية الأسبوع من الجمعة والسبت إلى السبت والأحد ونصف يوم الجمعة، وقد يبدو هذا النظام أقل طموحًا لمدة نصف يوم عن المبادرات المطبقة في الأماكن الأخرى لكن هناك العديد من العناصر التي تجعله نظامًا مبتكرًا، وربما نمطًا قابلاً للتحول.

أولًا: المزايا التي يوفرها هذا النظام والتي تغطي جوانب غير مسبوقة.

معظم شركات نظام العمل لمدة أربعة أيام في الأسبوع شركات ناشئة تضم أقل من مئة موظف، إذ توظف الشركة الأكبر منها وهي “شركة ووا برازرز” الكورية ما يقرب من 4.000 موظف، في حين أن نظام العمل لمدة أربعة أيام ونصف في الأسبوع بدولة الإمارات سيفيد مئات الآلاف من موظفي القطاع العام.

وليس العمال فقط من ستتأثر حياتهم بنظام العمل لساعات أقل في الأسبوع: بل حياة أزواجهم وأسرهم كذلك وتلك أعداد يمكنها أن تغير ثقافة أمة ومستوى جودة الحياة فيها.

وثانيًا: ستطبق المدارس كذلك هذا النظام ما يعني أن هناك 1.4 مليون طفل سيتعاملون مع نظام العمل لمدة أربعة أيام ونصف في الأسبوع (أو أربعة أيام في إمارة الشارقة) كنظام عمل عادي. وعلى المدى الطويل، سيتحول ذلك النظام إلى نقطة تحول ثقافية كبرى.

وسيشجع هذا النظام الشركات كذلك على تحقيق التناغم وإقرار أسبوع عمل أقصر ومساعدة الموظفين التنفيذيين على ترويجه للمستثمرين المتشككين أو أعضاء مجلس الإدارة.

وأخيرًا، يعد إقرار تطبيق نظام أسبوع العمل الأقصر جزء من مجموعة كبيرة من المبادرات الاستراتيجية التي تهدف لإعادة تشكيل اقتصاد دولة الإمارات وهو بحق أمر غير مسبوق.

وفي البلدان الأخرى، يشير السياسيون بشكل غامض إلى الحفاظ على التنافسية أو الاستثمار في رأس المال البشري عند الحديث عن نظام العمل لمدة أربعة أيام في الأسبوع لكن لم يطبق أحد نظام أسبوع العمل الأقصر كجزء من مخطط أكبر لتحويل الاقتصاد والمجتمع بأي دولة.

ولكن الثورات الاقتصادية لا تحدث بين ليلة وضحاها، والتطبيق أمر بالغ الأهمية. وعليه فما هي الدروس المستفادة التي يمكن استقائها من الدول التي انتقلت بالفعل إلى نظام العمل لمدة أربعة أيام في الأسبوع؟

أولاً، يفقد عمال المكاتب من ساعتين إلى ثلاث ساعات يوميًا في الاجتماعات وعوامل التشتت والانقطاع عن العمل ما يعني أنه إلى حد ما، نظام العمل لمدة أربعة أيام في الأسبوع موجود بالفعل لكنه مخبأ فقط تحت ثنايا ضعف الفعالية.

إن جعل الاجتماعات أقصر وأكثر فائدة، وأن نكون أكثر وعياً بكيفية استخدامنا للتكنولوجيا في العمل، واحترام الحاجة إلى وقت مركز غير متقطع، يمكن أن يقطع بنا شوطًا طويلاً في تحويل تجربة أسبوع العمل الأقصر إلى تجربة ناجحة.

بالنسبة للحكومات والمدارس، من المهم كذلك الحفاظ على مستويات عالية من مستويات توفير الخدمات.

وهذا يعني الاستثمار في البرامج الحكومية الإلكترونية التي تستبدل الطوابير في  العمل بنظام الوصول عبر شبكة الانترنت إلى الوثائق والخدمات،  ويعني  أيضا أتمتة الأجزاء الروتينية من عمل أي مدرس لتوفير مزيد من الوقت له ليستثمر  في الطلاب.

ويُسهم هذا كذلك في تحسين معدلات رضا الموظفين والإبقاء عليهم، حيث يزدهر البشر في بيئات العمل المفعمة بالتحدي والتي تخلق فارقًا في حياة الأشخاص الآخرين.

مع ذلك فإن إنجاح هذا الأمر يتطلب إشعار الموظفين بالاستقلالية لتجربة أشياء جديدة والتعلم من أخطائهم، لكن من الصعب أن ينجح أسبوع العمل الأقصر في ثقافة تتجنب مواجهة المخاطر.

هذا بالضبط ما تحتاجه الشركات والبلدان المبدعة الطموحة في القرن الحادي والعشرين لأن هذا النظام يفتح الباب على مصراعيه للابتكار والنمو.

إن نجاح نظام العمل لمدة أربعة أيام في الأسبوع يمكنه أن يُحسن من حياة العمال وأسرهم ويزيد من معدلات الإنتاجية الاقتصادية ومن قيمة واستدامة رأس المال البشري ويوفر للدول الأدوات التي تحتاجها لتكون أكثر إبداعًا وأكثر مواكبة للتغير مع تمكينهم من تحديد لبنات المستقبل.

 

أليكس سوجونج كيم بانج هو مؤسس شركة ستراتيجي آند ريست، وهي إحدى شركات الخدمات الاستشارية بواحة السيليكون ومؤلف كتاب “استرح”: لماذا تنجز المزيد عندما تعمل أقل”.

 

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: