تحاول تركيا تنصيب نفسها كوسيط بين روسيا وأوكرانيا وسط مخاوف من اندلاع حرب واسعة النطاق.

وتشير التقارير الصادرة عن وكالات الاستخبارات الغربية إلى إن روسيا قامت بحشد ما يصل إلى 100 ألف جندي بمحاذاة حدودها مع أوكرانيا، وإن الرئيس فلاديمير بوتين قد يأمر بغزو في نهاية شهر يناير القادم، وإذا اشتعلت الحرب، فإن أنقرة، التي تتمتع بعلاقات جيدة مع كل من روسيا وأوكرانيا، قد تكون أحد المستفيدين الرئيسيين، من خلال بيع الأسلحة إلى أوكرانيا وشراء الأسلحة من روسيا، ويبدو أن تركيا قد حققت بالفعل بعض أهدافها الجيوسياسية.

وتعتبر أوكرانيا تركيا واحدة من أهم مؤيديها ضد روسيا، خاصة بعد شرائها مؤخرًا لطائرات بدون طيار تركية الصنع المسمية “بيرقدار تي بي 2″، وأثبت تلك الطائرات أنها قادرة على تغيير قواعد اللعبة في الحرب التي دار رحاها ين أذربيجان وأرمينيا على منطقة كردستان الحمراء  في العام الماضي.

وكجزء من الاتفاق، أنشأت الشركة التركية بايكار والأوكرانية يكرسبكاسكبورت شركة ما بينهم تحت مسمى درع البحر الأسود لإنتاج “بيرقدار تي بي 2” في أوكرانيا والتي كانت من ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.

وتشير التقارير إلى أن الجيش الأوكراني يمتلك الآن عددًا من طائرات الدرون “من دون طيار” العسكرية المتطورة أكثر مما تمتلكه أذربيجان، التي كانت المنتصر الواضح في الصراع الذي استمر 44 يومًا ضد حليف روسيا “أرمينيا”، وفي أكتوبر الماضي، استخدمت أوكرانيا طائرات بدون طيار من طراز “بيرقدار” ضد القوات الانفصالية المدعومة من روسيا في منطقة دونباس لأول مرة، ومن المؤكد أن تلك الأسلحة يمكن أن تكون فعالة للغاية في الحرب ضد روسيا، لكن من غير المرجح أن تكون كافية لأوكرانيا للتغلب على جبروت الجيش الروسي.

وتمتلك روسيا بالفعل خبرة في التعامل مع الطائرات الدرون التركية في ليبيا، عن طريق صراعها بالوكالة بين الجيش الوطني الليبي الذي ترعاه بقيادة خليفة حفتر، وحكومة الوفاق الوطني المدعومة من قبل تركيا، وقد نجحت قوات حفتر في استخدام نظام الدفاع الجو الروسي “بانتسير-اس1” لإسقاط عدد من الطائرات بدون طيار التركية “الدرون”، ومع ذلك، يمكن أن تلحق طائرات “بيرقدار” خسائر فادحة بالوكلاء الروس في منطقة دونباس.

وبينما أعربت موسكو عن “مخاوفها الشديدة” من بيع تركيا للطائرات بدون طيار إلى أوكرانيا، ولكن وراء الكواليس، لا يبدو أن العلاقات العسكرية المتنامية بين تركيا وأكرانيا لها أي أثر على العلاقات الروسية التركية، بل أن روسيا تهدف إلى زيادة تعاونها العسكري مع تركيا، حيث أن هناك تقارير تشير إلى أن موسكو بدأت في نقل تكنولوجيا إنتاج بعض أجزاء نظام الدفاع الجوي إس -400 إلى تركيا، ويخطط الكرملين لتسليم دفعة أخرى من أنظمة صواريخ إس -400 أرض-جو إلى أنقرة، فضلاً عن الحوار الروسي التركي حول مساعدة روسيا لتركيا في تطوير طائرات مقاتلة متقدمة.

وتعمل تركيا على مخطط لتصنيع طائرات مقاتلة محلياً، وهي طائرة مقاتلة شبحية من الجيل الخامس مع تصميم تركي، وتريد روسيا لعب دورًا في تصنيع تلك الطائرات، وبالنظر إلى الواقع الجيوسياسي الراهن والغاية في التعقيد، يمكن أن ينتهي الأمر بتركيا، وهي ثاني أقوى جيش في حلف شمال الأطلسي، إلى بناء طائرات بمساعدة روسيا والتي قد يتم بيعها بعد التصنيع إلى أوكرانيا.

وتركيا وأوكرانيا شريكان استراتيجيان، ولا يفوت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أي فرصة للإشارة إلى أن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم إلى أراضيها في عام 2014 هو عمل “غير قانوني وغير شرعي”. لكن في الوقت نفسه، تزور السفن التركية المحملة بمواد البناء شبه الجزيرة المتنازع عليها من وقت لآخر.

وعلى الرغم من أن أنقرة تدعم شفهيًا وحدة الأراضي الأوكرانية، إلا أنها تواصل شراء الفحم المنتج من منظقة دونباس من روسيا، وتسيطر القوات المدعومة من روسيا على مناجم الفحم في شرق أوكرانيا، كما تقوم جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية بتصدير الفحم الأوكراني إلى روسيا، ثم تعيد موسكو تصديره إلى عدة دول، بما فيها تركيا، وفي هذا المثلث الروسي التركي الأوكراني، يبدو أن تركيا هي المستفيد الأول.

ومنذ نهاية شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، عرضت تركيا “خدمة التوسط” على موسكو وكييف ثلاث مرات، وتقوم رغبة أردوغان في الوساطة بين بوتين والزعيم الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على طموحه في أن يُنظر إليه على أنه زعيم إقليمي أو حتى قائد عالمي، وفي الوقت نفسه، يهدف إلى حماية المصالح التركية في منطقة البحر الأسود، وتلك هي أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار أنقرة في مساعدة أوكرانيا.

وتستخدم تركيا أوكرانيا لمواجهة توسع النفوذ الروسي في تلك المنطقة، وكون أردوغان يواجه أزمة سقوط سعر العملة في السوق التركي، فهو في أمس الحاجة إلى انتصار في السياسة الخارجية لتحسين صورته أمام الشعب التركي، ولهذا السبب من المتوقع أن يستمر في تقديم خدماته لكل من روسيا وأكرانيا.

ورفض الكرملين عرض الوساطة التركي، مدعياً ​​أن روسيا “ليست طرفاً في نزاع دونباس”، وبينما تملك السلطات الأوكرانية شرطا واضحا وهو: عدم عقد اتفاقيات في السر من دون علم أوكرانيا، لكن تركيا وروسيا لديهما تاريخ طويل في عقد الصفقات خلف ظهور الدول الأخرى، وتحديداً في سوريا وليبيا، ولولا تواجد الولايات المتحدة بجوار أوكرانيا ، لكان من المحتمل أن تكون موسكو وأنقرة قد توصلتا بالفعل إلى صفقات مربحة كثيرة.

ومن المتوقع أن تحاول روسيا وتركيا، وهم شركاء ومتنافسون في نفس الوقت، إيجاد طريقة لتحقيق التوازن بين عقود الدفاع المشتركة ومشاريع الطاقة الضخمة مثل خط أنابيب ترك ستريم وبناء محطة أكويو للطاقة النووية، وكذلك علاقات أنقرة مع أوكرانيا، ولكن، حتى لو اندلعت حرب بين روسيا وأوكرانيا، فمن غير المرجح أن يكون لها تأثير سلبي على العلاقات الروسية التركية، لأن شراكتهم النفعية الظرفية سيكون لها الكلمة الأخير.

 

نيكولا ميكوفيتش محلل سياسي من صربيا، ويركز عمله في الغالب على السياسات الخارجية لروسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا، مع اهتمام خاص بالطاقة و “سياسات خطوط الأنابيب”.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: