شهد العام الماضي زيادة كبيرة في عدد الهجمات ضد القوات الأمريكية في سوريا واستمرت تلك الغارات إلى عام 2022، وفي وقت سابق من هذا الشهر، سقطت ثمانية صواريخ على قاعدة عسكرية تستضيف القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا، مما يشير إلى استمرار مسلسل استهداف الجنود الأمريكيين.
وفي حين لم تتحمل أي منظمة مسؤولية ذلك الارتفاع المفاجئ في عدد الهجمات، فإن النظرة التحليلية للظروف المحيطة بالهجمات والاستجابة الأمريكية الفاترة تجاهها تشير إلى عنصرين. أولاً، يدل عدم وجود ضحايا أمريكيين إلى أن هدف أولئك الذين يشنون الهجمات هو إرسال رسائل بدلاً من إلحاق أي أضرار، وثانيًا، قرار واشنطن الواعي بتجنب الرد شجع من يشن تلك الهجمات على استخدام الصواريخ كوسيلة أساسية للتواصل.
ويُعتقد أن لدى الولايات المتحدة حوالي 900 جندي منتشرين في سوريا، وتركز هذه القوات على دعم قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد لمواصلة الضغط على فلول داعش ومنعهم من استعادة الأراضي، بالإضافة إلى لعب دور استشاري، ويقوم الجنود الأمريكيون بدوريات منتظمة في شمال شرق سوريا ويشاركون في عمليات أمنية ضد الجماعات التابعة للتنظيم المتطرف.
ولكن، لا تتمركز جميع القوات الأمريكية داخل المنطقة الخاضعة للسيطرة الكردية، حيث تملك واشنطن وجود عسكري كبير نسبيًا في التنف، التي تقع على طريق استراتيجي يربط طهران بلبنان عبر العراق وسوريا. وبالتالي، يُنظر إلى القاعدة على نطاق واسع على أنها جزء من الاستراتيجية الأمريكية الكبرى لاحتواء النفوذ العسكري الإيراني في المنطقة، وذلك من بين أسباب أخرى تتعلق بالتنافس التاريخي بين البلدين، والتي منعت طهران من اعتبار واشنطن شريكاً تكتيكيًا في الحرب على داعش في سوريا.
ويتضح ذلك في ارتفاع وتيرة الهجمات ضد المواقع العسكرية الأمريكية الرئيسية في سوريا، وبحسب ما ورد، فقد تعرضت القوات الأمريكية بمتوسط هجوم واحد كل شهر منذ يونيو 2021، وهو معدل غير مسبوق في تاريخ العمليات الأمريكية في سوريا، وقد تمت معظم هذه العمليات ضد مواقع أمريكية في دير الزور حيث تتمركز عملياتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وعلى الرغم من أهميتها بالنسبة لإيران، جاءت قاعدة التنف في المرتبة الثانية، وذلك لأن استهداف المواقع الأمريكية في الشمال الشرقي أسهل بكثير، كما يسمح موقع التنف في صحراء البادية السورية للولايات المتحدة بتحديد أي مهاجمين أرضيين والقضاء عليهم بسهولة، كونها منطقة مسطحة وغير مأهولة،.
وقد لجأ المعتدون المعادين لأمريكا إلى استخدام طائرات (الدرون) للتغلب على تلك العقبة العملياتية، وعلى عكس صواريخ أرض-أرض قصيرة المدى التي استخدمت في هجمات أخرى، يتطلب استخدام الطائرات بدون طيار مزيدًا من الخبرة التقنية، وعليه، كشف استخدامها عن معلومات قيمة حول هوية المهاجمين. والطائرات المسيرة(الدرون) المستخدمة في هذه الهجمات أكثر تعقيدًا من الأجهزة التجارية المعدلة التي تستخدمها مجموعات مثل داعش، والأهم من ذلك أن هذه الطائرات المسيرة تشبه تلك المستخدمة ضد القواعد الجوية الأمريكية في العراق، كما تعكس الهجمات في سوريا أيضًا التكتيكات التي تستخدمها الميليشيات المدعومة من إيران في اليمن والعراق، وتشير هذه القراءات، من ضمن ما تشير إليه، إلى أن إيران أو الجماعات المدعومة من إيران وراء تلك الاعتداءات.
وبينما يبدو أن طرد القوات الأمريكية من سوريا هو الهدف المشترك لتلك الهجمات، إلا إن الدوافع وراء تلك الهجمات متباينة، فعلى سبيل المثال، يُعتقد أن موجة الهجمات الأخيرة، التي تم تنسيقها في كل من سوريا والعراق، كانت مدفوعة برغبة الفصائل المدعومة من إيران في إحياء الذكرى الثانية لمقتل قاسم سليماني، والذي قُتل على يد غارة جوية أمريكية في يناير 2020.
كما يُشتبه في ارتباط بعض الهجمات الأخرى بالمفاوضات النووية في فيينا بين الولايات المتحدة وإيران، ويعتقد البعض أن الهجمات تُستخدم استراتيجياً للتأثير على مجرى المفاوضات، بينما يعتقد البعض الآخر أن هذه الحوادث رتبها متشددون لإفساد المحادثات كلياً.
وقال مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون إن الجماعات المدعومة من إيران في سوريا، تهاجم القوات الأمريكية رداً على الضربات الجوية الإسرائيلية، بالإضافة إلى شن هجمات رداً على الضربات الجوية الأمريكية، وحدد تقرير لصحيفة نيويورك تايمز في شهر نوفمبر هجوماً مسلحاً بطائرة بدون طيار على التنف باعتباره أول انتقام إيراني ضد الولايات المتحدة رداً على هجوم شنته إسرائيل. وأكد مصدر معلوماتي، استهداف القاعدة الجوية بعد أيام قليلة من قصف طائرات مُسيرة مجهولة للفصائل الموالية لإيران مرتين في غضون أيام بريف دير الزور الشرقي، وقد قتلت تلك الغارات الجوية ما لا يقل عن سبعة عناصر من المليشيات، ودمرت عدة مستودعات أسلحة، وسببت انفجارات ضخمة في المنطقة.
لكن تلك الدوافع ليست جديدة ولا يمكنها وحدها تفسير الدافع وراء التصعيد الأخير في الهجمات ضد القوات الأمريكية، وقد يكون الجواب في السياسة الخارجية الأمريكية في ظل إدارة بايدن، حيث شجعت قرارات البيت الأبيض بالانسحاب من أفغانستان وإنهاء المهمة القتالية الأمريكية في العراق الميليشيات المدعومة من إيران على جس نبض واشنطن في كل من سوريا والعراق.
والأهم من ذلك هو امتناع الولايات المتحدة من الانتقام بقوة من المتورطين في الهجمات على قواعدها، فبدلاً من تحديد ومعاقبة الجماعات المسؤولة، من خلال الوسائل العسكرية أو غيرها، اقتصر رد فعل أمريكا إلى حد كبير على استهداف أولئك الذين يطلقون النار.
وسبب نهج واشنطن المتسامح في المقام الأول هو خوفها من تعريض محادثات الاتفاق النووي مع طهران للخطر، فضلاً عن رغبتها في تجنب التصعيد العسكري في المنطقة.
وليس من الواضح ما إذا كان نهج الولايات المتحدة المتسامح سيسمح للبيت الأبيض بتجنب تلك الفخاخ، لكن عدم توفر رد حازم لتلك الهجمات على القوات الأمريكية لن يخفف بالتأكيد من المخاطر التي يواجها الجنود الأمريكيون في سوريا.
الدكتور حايد حايد هو كاتب عمود سوري وزميل مشارك استشاري في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس.